خلال الآونة الأخيرة، ازدادت سيطرة السوق السوداء على الاقتصاد السوري، لتصل النسبة إلى ما يقارب الـ90 بالمئة، في ظل ضعف اقتصادي تعانيه البلاد، وتضخم آخذ بالتوسع، أمام واقع سيء للقوة الشرائية للسوريين وضعف مستوى المعيشة وقيمة الليرة السورية.

تقسم جمعية العلوم الاقتصادية السورية اقتصاد الظل إلى نوعين؛ الأول نشاط قانوني لكنه غير مرخص، ويُعرف باسم “الاقتصاد غير الرسمي”، إذ لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، أما النوع الثاني فيعرف بـ”اقتصاد الجريمة أو الأسود” وتندرج ضمنه الأعمال المتعلقة بالأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار والمتاجرة بالبشر.

أسباب الانتشار

وتُرجع الجمعية المتخصصة وغير الحكومية بسوريا أسباب انتشار اقتصاد الظل إلى عوامل عدة، أبرزها تراجع دور الدولة والقوانين المختصة، انخفاض دخل الفرد وارتفاع معدل الإعالة، عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين إلى سوق العمل، ندرة السلع وانتشار السوق السوداء، عدم مرونة التشريعات الاقتصادية، وغيرها.

لقد ساهم تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في سوريا، في تنامي ظاهرة “اقتصاد الظل“، ذلك مع تراجع دور القانون والمؤسسات الحكومية، في إدارة الاقتصاد وانتشار الفساد، واتجاه الكثير من السوريين إلى سياسة “النجاة الفردية” بحثا عن أي فرصة لتحقيق دخل يكفي أدنى متطلبات الحياة.

إن جميع الأسباب اجتمعت لتنامي اقتصاد الظل في سوريا، إن كان ارتفاع الضرائب وغلاء مستلزمات الإنتاج وعدم توفر حوامل الطاقة، أو هجرة العمالة وقلة القدرة الشرائية للمستهلكين، وفق حديث الباحث الاقتصادي وليد نابلسي.

إن هذا الاقتصاد غير الشرعي بات واقعا بسوريا، يراه ويعرفه المسؤولون ويرون إنتاجه بالأسواق، لكن غض النظر عنه يعود لأسباب كثيرة، منها امتصاص جزء كبير من البطالة وتأمين معظم احتياجات السوق، إضافة إلى دور “اقتصاد الظل الأسود” بغسيل الأموال والتهرب من الرقابة الدولية.

وفي حين يقدر اقتصاديون تنامي اقتصاد الظل، من نحو 30 بالمئة من حجم الاقتصاد عام 2010 إلى نحو 90 بالمئة اليوم، تشير الأرقام الرسمية وكذلك تصريح سابق نائب رئيس الوزراء الأسبق عبد الله الدردري إلى أنّ الاقتصاد غير الشرعي والمرخص، كان يشكل 42 بالمئة عام 2011 ويستوعب نحو 43 بالمئة من قوة العمل ويساهم بأكثر من 35 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

إن اقتصاد الظل يشمل وفق المعيار القانوني أنشطة شرعية لكن غير موثقة، حيث لا يخضع جزء من النشاط للرقابة والإحصاء. لذا فإن تنامي اقتصاد الظل يضر أيضا بالمنظومة الاجتماعية فالعمالة في ظله ستكون من دون حصانة تحمي حقوقها كما يحدث في تشغيل الأطفال المتسربين من المدارس.

صحيفة “البعث” المحلية اعتبرت في تقرير سابق لها، أن هذا الاقتصاد ملجأ لـ“المعتّرين” وصغار الكَسَبة، مشيرة إلى أنه “أيضا ساحة واسعة لكبار المحتكرين والفاسدين“.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا القطاع ليس بجديد على سوريا، وهو موجود قبل عام 2010، لكن بنسبة لم تكن تتجاوز 30 بالمئة، وبالتالي وجد في سنوات الأزمة بيئة خصبة ليتمدد ويتجاوز الـ 90 بالمئة بحسب تقديرات اقتصادية.

أستاذ اقتصاد في جامعة “الأندلس”، يرى في تصريحات نقلتها الصحيفة المحلية، أن الأنظمة الضريبية غير العادلة والفساد الإداري وانخفاض النمو الاقتصادي، هي السبب الأهم وراء نشوء اقتصاد الظل، إضافة إلى التسرّب من المدارس وكثرة القوانين وتعقيدها.

أما الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري، فيشير إلى ندرة بعض السلع وانتشار السوق السوداء وأزمة المحروقات، وعدم مرونة وواقعية بعض التشريعات المالية والاقتصادية، كلها كانت سببا في انتشار هذا النوع من الاقتصاد.

ويضيف: “لاشك أن النمو السكاني، وبالتالي نمو قوة العمل بمعدلات تفوق قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة كان أحد العوامل الأساسية لنمو القطاع غير المنظم“.

وتقول الصحيفة إن: “هذا القطاع كان يشكل 46 بالمئة من حجم النشاط الاقتصادي قبل عام 2011، كما أنه يستوعب حوالي 43 بالمئة من قوة العمل، ويساهم بأكثر من 35 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، أما الآن وبعد أكثر من 10 سنوات من الحرب وما نتج عنها، من تدمير وانتقال عمالة وهجرة وفقدان للكثير من المواد الأساسية وانتشار المواد المهربة، يعتقد حزوري أن النسبة أصبحت أكبر من ذلك بكثير“.

ويؤكد المختصون أن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي خارج حسابات الدخل القومي، وخارج إطار خطط التنمية، وخارج إطارات السياسات والبرامج الحكومية، وبالتالي فإن هذه الخطط والبرامج فقدت الكثير من مصداقيتها, وفقدت قدرتها على حل المشاكل الاقتصادية والكلام للدكتور حزوري.

تفاصيل أوسع عن اقتصاد الظل

يمكن تعريف الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الظل بأنه: “الأنشطة الاقتصادية التي يُمارِسها الأفراد والمؤسَّسات ولا يتم إحصاؤُها بشكل رسمي، ولا تُعرف مكوّناتها الفعلية ولا تدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي، وبالتالي لا تخضع للضرائب أو الرسوم وبالتالي للقانون”، ومن التعريف نستطيع أن نَجِد أنَّ الاقتصاد الأسود يَتَّصِف بمجموعة من الخصائص أبرزها: 1. العمل خارج القانون: أي أنه يبتعد عن الاستظلال والاحتماء بالقانون ويعمل بعيدا عنه، وفي هذا الإطار نستطيع أن نلاحظ نوعين رئيسييْن من الأنشطة وهُمَا؛ أنشطة مسموحة من قِبل القانون، كالتجارة في السلع الغذائية والألبسة والمعدات الأخرى المسموح بالتعامل بها في إطار القانون، ولكن العمل بها يتم من خلال مخالفة القانون كالتهرب الضريبي بحيث لا يتم تسجيل التعاملات فيها قانونيا لتجنُّب احتساب الأرباح الحقيقية للشركة، أو إدخالها للبلاد عَبْر التهريب من أجل تجنُّب دفع الرسوم الجمركية، أو حتى الغش والتلاعب بالمواصفات، مما يجعل الموادَّ والسلع تأخذ قيمة أعلى من قيمتها الحقيقية، وتتحمل بالتالي تكاليف نظرية أعلى تُحقِّق في النهاية مصلحة الطرف الذي قام بعملية الغشّ.

وهناك أيضا أنشطة ممنوعة في إطار القانون، كالعمل في تجارة المخدرات أو الأسلحة أو تهريب البشر أو تجارة الأعضاء، أو القيام بعمليات تصنيع مخالِفة للقانون كأن يتم تصنيع التبغ أو الكحول الذي غالبا ما تحصره الدولة بشركات معيَّنة أو حتى تصنيع الحبوب المخدرة وغيرها من السلع التي يُعد التعامل بها أو حيازتها أمرا مُخالِفا ويخضع لرقابة قانونية صارمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.