الافتقار والنقص في الكوادر التدريسية في سوريا ليس بالمشكلة الحديثة؛ بل إنها مستمرة منذ سنوات لا سيما في الجامعات السورية، إلا أنها بدأت هذا العام تنحو منحى تصاعديا، مهددة العملية التعليمية، فتضاعف الشواغر يربك إدارات الجامعات وطلابها، وتحرج وزارة التربية التي تؤكد أن الأمور تحت السيطرة وأنه يجري استكمال جهود الترميم التي تستدرك النقص، وتعوض أي فاقد في حين أن الواقع التدريسي يقول غير ذلك.

نزيف الكوادر

لم تكن الجامعات معفاة من الآثار الضارة للنزاع في سوريا، لأن غالبيتها فقدت جزءا كبيرا من كوادر التدريس لديها بسبب السفر خارج البلاد أو التقاعد أو لأسباب أخرى. ونظرا لتفضيلهم للجامعات الخاصة، التي تقدم أفضل العائدات المالية، قد تكون هناك فجوة كبيرة بين عدد الكوادر اللازمة وعدد الكوادر المتاحة. وقد يؤثر ذلك على مدى جودة العملية التعليمية في الجامعات، والتي قد يكون لها أثر على كيفية تصنيفها.

في تقرير نشره الثلاثاء الفائت، كشفت صحيفة “تشرين” المحلية، واقع العملية التعليمية وأسباب هبوط أعداد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السورية.

من جهته، أكد رئيس قسم هندسة التصميم الميكانيكي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، الدكتور خالد شرف، أن العوامل المادية هي السبب الأساسي التي تساهم في نقص الكوادر التعليمية في الجامعات، والتي تتمثل في الظروف المعيشية الصعبة وتدني الأجور ونزوح أعضاء هيئة التدريس للعمل في المؤسسات والمنشآت الخاصة. وبسبب الظروف القاسية وارتفاع معدلات الفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، هناك معدل كبير من هجرة العقول والكوادر إلى بلدان أخرى.

وتابع شرف، “بحسب معلوماتي المحدودة، فإن غالبية طلاب الدراسات العليا من جامعة دمشق الذين أوفدتهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للدراسة في الخارج، لم يعودوا”.

ووفقا لما ذكره الدكتور شرف، من أسباب النقص في الكادر التدريسي وفاة بعض أعضاء هيئة التدريس وتقاعدهم واستقالة البعض الآخر، مشيرا إلى أن هذا الوضع خطير جدا على مستقبل سوريا الذي يحتاج إلى إعمار لكل الطاقات والتخصصات.

وتوضيحا لما اتخذته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من خطوات للتقليل عدد أساتذة الجامعات، الذين يتركون مناصبهم أو الذين ينتقلون للتدريس في الجامعات الخاصة بسبب الأوضاع المادية، وما إذا كان الاعتماد على طلبة الدراسة العليا، أو الاستعانة بمعلمين من خارج الملاك يكفي كإجراء فوري لتسيير العملية التعليمية، إلا أن الصحيفة لم تتلقَ أي رد من قبل المعنيين فيها.

النقص أضعف تصنيف الجامعات

من المعروف جيدا أن الجامعات تصنف وفقا لمعايير عديدة، بما في ذلك نسبة هيئة التدريس إلى عدد الطلاب، وجودة التعليم، ومستوى أعضاء هيئة التدريس سواء المستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، والبحث العلمي المنشور، ومدى حضور الجامعة في البحث على شبكة الإنترنت، إلا أن النقص في كوادر التدريس، أدى إلى تراجع الجامعات السورية وتصنيفها على نطاق عالمي.

وبيّن شرف، أن مستوى جامعة دمشق أعلى مما كان عليه في السابق بفضل الدعم والمساعدة المقدمين من وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس الجامعة للنهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي، ويضيف أن الآلاف من خريجي جامعة دمشق الذين يعملون في دول أوروبية وأميركية مهندسون وصيادلة ومتخصصون في الطب.

وأشار شرف، إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أعلنت عن مسابقات تساهم بشكل كبير في حل مشكلة نقص الكوادر. إضافة إلى التعاقد مع أساتذة من الداخل والخارج، كما تم تمديد فترة عمل بعض الأساتذة المتقاعدين لسد النقص الحاصل في الكادر التعليمي، وتكليف أعضاء الهيئة التدريسية، الذين هم على رأس عملهم بالتدريس زيادة على نصابهم المحدد في اللائحة الداخلية لقانون تنظيم الجامعات.

ويرى شرف، أن لا مقارنة بمستوى عضو هيئة التدريس الذي لديه خبرة وكفاءة، بمستوى من تعاقد معهم من خارج الملاك، وبناء على ذلك، هناك اقتراح دفع مكافآت أو أجور عن ساعات العمل الإضافية لأعضاء هيئة التدريس الذين على رأس عملهم الآن.

وبحسب رئيس قسم هندسة التصميم الميكانيكي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، في قسم هندسة التصميم الميكانيكي، كان عدد الكادر التدريسي قبل عام 2011 بحدود 36 دكتورا على رأس عملهم، واليوم في القسم 14 دكتورا، إضافة إلى 3 أساتذة تم التمديد لهم، والبقية منهم من توفى ومنهم من تقاعد، ومنهم من غادر البلاد، إضافة إلى أن القسم لديه نقصا في أعضاء الهيئة الفنية من مهندسين ومعلمي حرف وفنيين.

واقع بلا مستقبل

نقص الكوادر والموظفين في الجامعات، شكّل تأخرا واضحا في إصدار النتائج والوثائق للطلاب والمصدقات الجامعية وترك أثرا واضحا على الطلبة في سوريا.

وفي تصريح لجريدة “الوطن” المحلية، قال أمين مجلس التعليم العالي، ماهر ملندي، إن مشكلة نقص الموظفين والكوادر “تفاقمت بسبب ظروف الأزمة وتعاني منها الوزارة، ونعمل على تسيير الأمور حسب الإمكانات المتاحة”.

وفي السياق ذاته، خلصت دراسة لمركز “حرمون” للدراسات، حول التعليم العالي ومستقبله، إلى أن تدمير البنية الأساسية للجامعات السورية بسبب الصراع المدني في البلاد؛ اتسم التعليم الجامعي في سورية بعد العام 2011 بالتفسخ والانهيار في معظم الجامعات السورية، ولاسيما في المناطق التي شهدت معارك عسكرية مدمرة؛ حيث دمرت بعض الكليات والمرافق التعليمية التابعة للجامعات تدميرا جزئيا، ودمر بعضها تدميرا تاما؛ فضلا عن خفض واضح في ميزانية الإنفاق الحكومي على التعليم العالي خلال السنوات السابقة.

وبحسب الدراسة، فقد تراجع عدد الطلاب المسجلين في الجامعات الرسمية في سوريا نتيجة توقف بعض هذه الجامعات عن العمل، ما أدى إلى ازدحام في الجامعات الأخرى، ولاسيما في دمشق، وانخراط عدد كبير من الطلاب في وظائف تغطي مصاريف معيشتهم وتعليمهم.

ونتيجة للنزوح أو مغادرة البلاد بحثا عن الأمان أو فرصة عمل أفضل، ودخل مادي أفضل يتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم، ونتيجة لانخفاض مستوى معيشتهم بسبب تراجع القوة الشرائية لمرتباتهم ومستويات الأسعار المرتفعة، انخفض عدد كوادر التدريس في الجامعات السورية بشكل ملحوظ.

ونتيجة لذلك، فإن الجامعات السورية باتت تحت السيطرة السياسية، ولا توجد حرية أكاديمية. ويمتد هذا النقص في الحرية إلى الأستاذ والطالب، والجامعة وحرية البحث العلمي، وحرية التعبير والفكر والنقاش، وحرية الانخراط في الشؤون العامة، وحرية الدخول في حوار اجتماعي وسياسي في سياق العلاقة الطبيعية بين الجامعة والمجتمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.