بعد كل الانتكاسات والخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي والتي أثرت بدورها على الثروة الحيوانية في سوريا، على مدى السنوات الماضية، يبدو أن تغير المناخ والجفاف ليس السبب الوحيد لذلك، بل تقصير وتهميش المعنيين من السلطات في حكومة دمشق وقراراتها غير المدروسة في إدارة الأزمات، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الأولية والأمور التشغيلية، كلها أسباب مضاعفة أدت إلى تهالك القطاع الزراعي الذي يشكل حوالي 30-25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى كونه من أهم ركائز الأمن الغذائي في سوريا.

الأسباب الحقيقية

من حيث الأرقام، يوجد في سوريا مليون هكتار من الأراضي الزراعية تعتمد على مياه الأمطار و 690 ألف هكتار مروية بمياه المشاريع الزراعية. لكن مع ذلك، لم يعد سرا أن هذا القطاع المهم يشهد تراجعا، بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، اليوم السبت.

من جهته، قال رئيس نقابة الفلاحين في محافظة حماة حافظ سالم، في رده على سؤال، أن التغيرات المناخية وحدها تسببت في تراجع الإنتاج الزراعي السوري، فأجاب: “لا، أبدا ليست التغيرات المناخية وحدها سببا في ذلك، لكن المناخ قد يكون أحد الأسباب المتعددة وساهم في تراجع الإنتاج إلى حد ما، لكن الحصة الأكبر في هذا التراجع، هو ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج دون أخذ ذلك في الاعتبار عند دراسة تكاليف الإنتاج”.

وأردف سالم، في حديثه للصحيفة المحلية، أن “الأسمدة والمحروقات لم تعد متاحة كما في السنين الماضية، فضلا عن أجور النقل واليد العاملة وفلاحة الأرض، فبعض هذه الأمور لا تدرس عند تقدير التكلفة وهذا خطأ، ولابد من هامش ربح محفز ومغري للمزارعين كي يزيدوا الإنتاج، إذ لا يجوز أن يترك الفلاح من دون دعم إذا ما أردنا لإنتاجنا الازدهار والنمو”.

قد يهمك: تكاليف الإنتاج أرهقت المزارعين في سوريا.. ساعة الفلاحة بـ50 ألفا

تكاليف الإنتاج مرهقة

تكاليف الإنتاج بشكل عام في أي قطاع في سوريا، باتت أغلى من المبيع، نتيجة تدهور الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي واستيراد نسبة كبيرة من المواد الأولية من الخارج وبالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى عدم وجود دعم حكومي، وكذلك استغلال واحتكار التجار والسماسرة في تسويق البضائع، بالإضافة إلى تأثير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، مثل المازوت الذي يدخل في عملية الإنتاج، وكذلك أجور النقل، والقطاعات الأكثر تضررا نتيجة هذا الأمر، هو القطاع الزراعي وخاصة مزارعي الأشجار المثمرة.

فمع وصول إنتاج محافظة السويداء من الأشجار المثمرة، “تفاح، عنب، تين، رمان، دراق، إجاص، كرز..إلخ”، هذا الموسم إلى 129 ألف طن، إلّا أن تسويق هذه المُنتوجات، وفق ما أفاد به عدد من المزارعين في وقت سابق، مازال يذهب للسماسرة والتجار، من جراء انعدام المنافذ التسويقية الضامنة لحقوق المزارعين، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا.

ووفق مزارعين، فإن التجار يشترون منهم الإنتاج بأسعار زهيدة، ليتم طرحه بالأسواق بأسعار مرتفعة، ما أوقع المزارعين، في مطب الخسائر المالية، وخاصة أمام ارتفاع تكاليف الإنتاج التي باتت ترهقهم ماديا.

وأضاف المزارعين، أن أجرة ساعة الفلاحة على “العزاقة” وصلت إلى نحو 20 ألف ليرة سورية، وأجرة ساعة الفلاحة على الجرار الزراعي إلى 50 ألف ليرة، وأجرة ساعة التقليم إلى 4000 ليرة. ويضاف إلى ما ذُكر أسعار المبيدات الحشرية، التي أصبحت تحتاج ميزانية مالية سنوية تفوق المليوني ليرة.

غياب الخطط الاستراتيجية العلمية

“مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” في الاتحاد الأوروبي، حذر من موجة جفاف شديدة وطويلة الأثر في سوريا، بسبب تفاقم نقص المياه في ظل الظروف غير العادية خلال موسم الأمطار.

وكشف المركز الدولي، أن التنبؤات الموسمية لـ “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، تشير إلى أن سوريا تعاني من الجفاف ونقص المياه الشديد والطويل الأمد، في ظل ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة.

ونوّه التقرير الدولي، إلى أن الجفاف الذي يمتد لعدة سنوات، وندرة المياه والغذاء والطاقة، وتكاليفهما المرتفعة، “يعزز كل منهما الآخر، ويعزز أزمة الأمن الغذائي في سوريا”.

بدوره، قال المهندس المتخصص في التغير المناخي، مؤيد الشيخ حسن في وقت سابق، إن القطاع الزراعي بشكل عام والاقتصاد الإنتاجي بأكمله في سوريا، تأثر بشكل كامل نتيجة سنوات الحرب الماضية، وتسبب ذلك في تراجع كبير في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، وستؤثر أزمة الجفاف بدورها بشكل مباشر وأكبر على هذه القطاعات.

ووفق المهندس المتخصص في تغيّر المناخ الذي تحدث لـ”الحل نت”، فإن التأثير سيكون كبيرا خاصة، وأن قضية الجفاف حاليا نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وتغير المناخ أزمة عالمية وليس فقط على سوريا، ولكن في وضع بلد مثل سوريا، تتفاقم الظاهرة أكثر لعدة أسباب، أبرزها؛ عدم وجود سياسات حكومية مدروسة علميا على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، أي لا توجد سياسات حكومية استراتيجية لمعالجة هكذا أزمات، كما لا توجد بنية تحتية تخدم أو تستطيع مواجهة أزمة الجفاف هذه، وبالتالي فإن تأثير الجفاف سيتضاعف في بلد مثل سوريا أكثر من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط وعموم العالم.

بدوره رأى المهندس الزراعي آلان محمد، أنه من الضروري للجهات المعنية في وزارة الزراعة السورية، وضع خطط وحلول مستدامة لمواجهة أزمة الجفاف والأمطار التي تبدو ستمتد لسنوات لاحقة، لإنقاذ القطاع الزراعي من التدهور والتراجع، خاصة في مناطق الساحل السوري والجزيرة، وإلا سينخفض الإنتاج الزراعي وخاصة محاصيل القمح والشعير إلى أدنى المستويات، وبالتالي ستتعرض المنطقة لتهديد حقيقي لأزمة غذائية غير مسبوقة، إلى جانب موجة غلاء في البلاد.

ونوّه محمد في حديثه السابق لـ”الحل نت”، “بالإضافة إلى ما سبق، فإن الموسم الزراعي، وإنتاجيته مرتبطان ارتباطا كبيرا بحركة السوق وانتعاشه في سوريا، لأنه مرتبط بالتجارة؛ من تجارة المعدات والآلات الزراعية والأسمدة والعمالة وغيرها من الحركة التجارية في المنطقة، لا سيما أن الجزيرة السورية تعتبر السلة الغذائية لسوريا”.

وفي وقت سابق، قال ذياب عبد الكريم، رئيس اتحاد الفلاحين السابق في محافظة الحسكة، لصحيفة “تشرين” المحلية، حول أسباب تراجع الثروة الحيوانية في سوريا، إن “الجفاف الذي تعاني منه المنطقة وغلاء المواد العلفية لأضعاف مضاعفة، حيث وصل سعر كيلو التبن إلى 1200 ليرة سورية بعد أن كان يباع بـ200 ليرة قبل عام واحد فقط، أيضا كيلو الشعير وصل سعره نحو 1500 ليرة بعد أن كان يباع بأقل من 200 ليرة، كلها أسباب أدت إلى تراجع الثروة الغنمية وخسارة المليارات السورية”.

قد يهمك: جفاف شديد وتدهور أمن غذائي في سوريا.. مجاعة قادمة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.