في الوقت الذي يعاني منه القطاع الصحي في سوريا تراجعا كبيرا، نتيجة لسنوات الحرب والأزمة الاقتصادية، وهجرة الكثير من الأطباء لا تزال بعض القوانين قاصرة في منح الحقوق لبعض التخصصات الطبية ما دفع بفئة خاصة من الأطباء للهجرة وهم أطباء التخدير.

الاختصاص المغبون

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الخميس، أشار إلى أن أطباء التخدير ينتظرون قرارا يتعلق بفصل وحدات التخدير عن وحدات الجراحة، بحيث تصبح أجورهم مستقلة ويحصلون شيئا من حقوقهم، لكن تبقى المخاوف من آلية التنفيذ حسب رئيس اللجنة العلمية في رابطة أطباء التخدير، الدكتور فواز هلال، غير المتفائل بتطبيقه على غرار غيره من القرارات.

وبحسب التقرير، يستند هلال في مخاوفه إلى ما يصفه بالصفعة القوية التي تلقاها أطباء التخدير، بعد التعميم الذي ألزم كل شركات إدارة نفقات التأمين الصحي بتحويل حصة الطبيب من العمليات الجراحية مباشرة من الشركة إلى حساب الطبيب وتحت طائلة المسؤولية، وعدم قبول أي مبررات من أي جهة أو شركة لعدم التنفيذ.

وأوضح هلال أن التعميم لم يشمل أطباء التخدير الذين يطالبون بهذا الأمر منذ عام 2016 كأحد الحلول لإنصافهم، فتحويل حصتهم من كل عمل جراحي إلى حسابهم مباشرة من شركة التأمين دون وساطة المشفى الخاص يحميهم من تحكم الأخيرة التي تقتطع جزءا كبيرا يصل إلى 70 أو 80بالمئة من الأجر.

وأضاف هلال، أنه تم طرح الموضوع على رئاسة مجلس الوزراء السابق لكن الرد حينها جاء أن الأمر صعب، لتأتي المفاجأة بصدور القرار لصالح أطباء الجراحة الذين يتجاوز عددهم الألف، فيما أطباء التخدير لا يتجاوز عددهم 250 طبيب.

وأكد هلال أن اختصاص التخدير، هواختصاص مغبون وأجوره وحوافزه ومجالات عمله قليلة، مما جعل الإقبال عليه ضعيفا ولا يغطي احتياجات القطاع الصحي، فضلا عن هجرة عدد كبير من الاختصاصيين، كاشفا عن تسرب طبيب أو اثنين شهريا خارج البلاد.

ولفت هلال إلى أن المشافي الخاصة لا توقع عقودا مع أطباء التخدير، كي لا تلتزم بأجر محدد، وهنا يشير إلى غياب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن واجبها في حفظ حق الموظف إن كان طبيباً أو غيره.

وحول تعرفة وزارة الصحة يرى هلال أنها غير منطقية أبدا ولا أحد يلتزم بها، ورغم ذلك قد لا يحصلها طبيب التخدير، داعيا الوزارة إلى إلزام المشافي بتطبيق قرار تحديد نسبة أجر طبيب التخدير 30 بالمئة من أجور الجراحة في المشافي الخاصة.
أما في المشافي الحكومية يشير هلال، إلى أن حوافز أخصائيي التخدير قليلة مقارنة بأطباء الجراحة، أما الراتب فهو واحد.

إقرأ:الصومال تُدرّب الأطباء السوريين

هجرة واسعة للأطباء

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى موجات هجرة كبيرة للأطباء من سوريا نحو دول عربية، حيث تستقطب العراق عددا كبيرا منهم.

ويوضح التقرير أن مدن بغداد والناصرية والبصرة استقطبت عددا لا بأس به من الكوادر الطبية السورية في نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، وسبقهم الفنيون مثل مساعدي الأشعة ومساعدي التخدير والعناية المشددة وفنيي المختبر وطفل الأنبوب، والتمريض التخصصي كممرضات العمليات والعناية المشددة والحواضن.

ولفت التقرير إلى أن المؤسسات الطبية العراقية تدفع للممرضة السورية ما بين 600 دولار وألف دولار، بالإضافة إلى أن القابلات اللاتي تصل رواتبهن إلى 800 بل وحتى 1500 دولار شهريا لذوي الخبرة، وهذا الأمر الذي سيؤدي إلى نقص في الكوادر الفنية.

من جهة ثانية، نقل التقرير عن رئيس مجلس إدارة جمعية المشافي الخاصة بحلب، الدكتور عرفان جعلوك، أن ليبيا دخلت أيضا على خط استجرار عمالة التمريض والكوادر الفنية في نهاية العام الماضي، موضحا بأن “دول الخليج التي تشترط تعديل الشهادات للممرضين وتحتاج دوله إلى إتقان الإنكليزية، بخلاف العراق وليبيا اللتين تعترفان بالشهادة السورية”.

ومن ناحية نقص الأطباء، أشار جعلوك، إلى أن التدفق الأخير لأطباء التوليد “خاصة من الخريجين الجدد. حيث برزت الصومال كأهم دولة جاذبة لهؤلاء، إلى جانب ليبيا واليمن والعراق. حيث تجتذب أي شهادة طبية سورية برواتب تتراوح بين 2000 إلى 3000 دولار شهريا”.

بينما التخصصات النادرة مثل جراحي الصدر وجراحي العظام بمستويات معينة. مثل جراحات العمود الفقري، لديهم رواتب مفتوحة وتتراوح من 20 ألف إلى 30 ألف دولار شهريا. ناهيك أن العراق استقطب أخيرا أعدادا لا بأس بها من اختصاصيي “طفل الأنبوب”، وفق قوله.

وذكر جعلوك، أن الطبيب والطاقم الطبي يذهبون إلى هناك بالتناوب لمدة ثلاثة أشهر مثلا مقابل قضاء شهر في سوريا. بخاصة الشباب منهم الذين يقيمون في المستشفيات مجانا لتغطية نفقات الإقامة والإطعام كما يحدث في العراق.

وبحسب التقديرات، يوجد 300 طبيب سوري في الصومال، مقابل حوالي 1000 طبيب في العراق، وهو عدد ليس بالقليل. رغم أنه لا يؤثر على العمل الطبي في بعض التخصصات داخل سوريا. لكنه يؤثر في تخصصات أمراض الأوعية الدموية والصدر والجهاز العصبي والرئوي.

الطبيب السوري ماهر الزعبي، المدير الإداري ومسؤول التواصل في مشفى الجيزة، أشار خلال خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، إلى أن البيانات المتعلقة بأزمة الهجرة في سوريا تقدر بأن حوالي أكثر من 25 ألف طبيب غادروا البلاد منذ بداية الأزمة في عام 2011.

وأوضح الزعبي، أن إحصائيات نقابة أطباء الأسنان السوريين قدرت الذين غادروا سوريا خلال السنوات الأربع الماضية بلغ 6 ألف طبيب من أصل حوالي 20 ألف. مما يرسم صورة مأساوية لمستقبل سوريا والعبء الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن تضاؤل الموارد البشرية على الصناعة الطبية في البلاد.

وبيّن الزعبي، أن الطبيبات من النساء غالبا ما يحصلن على تصاريح سفر. فيما يهاجر معظم الأطباء الذكور بشكل غير قانوني. مضيفا أن “الكثير من الأطباء الشباب هاجروا بسبب التهديدات التي تلقوها أو بسبب الخدمة الإلزامية”.

قد يهمك:الأسد يكافح هجرة الأطباء بمرسوم جديد.. فهل ينجح؟

من الجدير بالذكر، أن الغلاء المعيشي وتدني الأجور، بالإضافة إلى معاناة الأطباء في عياداتهم من عدم توفر الكهرباء والمحروقات إلى جانب الضرائب السنوية الكبيرة، وعدم قدرة الأطباء وعائلاتهم على العيش في ظل الغلاء والدخل المتدني، ومعاناة المشافي العامة من نقص في الكوادر الطبية مع تدني الأجور التي يتقاضونها مقارنة مع ساعات العمل، تعد أبرز أسباب هجرة الأطباء السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.