تشير التوقعات الاقتصادية إلى احتمالية زيادة سعر صرف الدولار للحوالات من قبل البنك المركزي السوري، سعيا من وراء ذلك لجذب الحوالات الخارجية عبر الأقنية الرسمية بدلا من استمرار الاعتماد على تصريف السوق السوداء، وفق ما أفادت به مصادر خاصة لـ”الحل نت”.

لقد تدهورت القدرة الشرائية لمعظم السوريين تحت وطأة الارتفاع المتسارع في معدلات التضخم والتدهور في سعر تصريف الليرة السورية التي وقفت عاجزة أمام الدولار وأسعار البضائع المختلفة.

غالبية السوريين تعتمد على الحوالات المالية التي يرسلها ذووهم بالخارج إلى البلد الأم المتعثر اقتصاديا. وأصبحت مكاتب الصرافة المكتظة والطوابير الطويلة على أبوابها، مشهدا متكررا في كافة مناطق سوريا، فهذه الحوالات المالية هي السبيل الوحيد للحياة بالنسبة لكثيرين.

إن الحوالات المالية هذه هي التي تعيل الناس اليوم، ومن ليس لديه قريب في الخارج يساعده ماديا يشحذ الملح، وفق ما أشار الخبير الاقتصادي، علي النعيمي، خلال حديثه لـ”الحل نت”.

ظاهرة قديمة جديدة

وفقا للمكتب المركزي للإحصاء في سوريا، ارتفعت نسبة التضخم خلال سنة 2020 وحدها، نحو 200 بالمئة مقارنة بعام 2019؛ مما ضيق الخناق على السوريين الذين يقبضون رواتبهم بالليرة السورية المتدهورة؛ بينما يشترون البضائع من الأسواق تبعا لسعر تصريف الدولار.

ليس تحويل الأموال من قبل المغتربين إلى أهاليهم واقعا جديدا، بحسب النعيمي، بل كان يحصل حتى قبل عام 2011، لكن نسبة الحوالات القادمة من الخارج باتت مرتفعة وبشكل ملحوظ منذ العامين الماضيين.

يتزامن ذلك مع انخفاض الليرة السورية إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية مقابل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، فيما لم تسهم زيادة الأجور في سوريا بعلاج هذه الأزمة.


العديد من التقارير والبيانات الاقتصادية أكدت بأن الحوالات المالية الخارجية المرسلة إلى سوريا تعتبر بمثابة الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد السوري، وذلك في ضوء العجز الكبير الحاصل في الميزانية العامة وعدم قدرة الحكومة إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية المتراكمة.

وحول حجم الحوالات المالية الخارجية المرسلة إلى سوريا، أدلى نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “دمشق، علي كنعان، بتصريحات صحفية تطرق خلالها للحديث عن حجم مساهمات الحوالات وتأثيرها على الاقتصاد المحلي.

وأكد كنعان أن الحوالات الخارجية تساهم بشكل كبير في تأمين القطع الأجنبي لتمويل المستوردات، موضحا أن التقديرات تفيد بأن حجم الحوالات الخارجية بالقطع الأجنبي يقدر بنحو 2.5 مليار دولار أميركي في السنة الواحدة.

وأوضح أنه وبشكل عام، فإن التقديرات الرسمية تشير إلى أن حجم الحوالات الخارجية المرسلة إلى سوريا تدور في فلك الـ 6 ملايين دولارا أميركيا في اليوم الواحد.

يأتي ما سبق، في الوقت الذي أشارت فيه صحيفة “الوطن” المحلية، بأن إجمالي حجم الحوالات المالية الخارجية التي وصلت إلى سوريا بالقطع الأجنبي بلغ حوالي 2 مليار دولار أمريكي عام 2016.

فيما ذكرت الصحيفة أن حجم الحوالات في عام 2017 وصل إلى أكثر من 3.8 مليار دولار أمريكي، فيما وصل حجم الحوالات المالية في عام 2018 إلى أكثر من 4 مليارات دولارا، بينما عاد الرقم للانخفاض مجددا خلال عام 2019 إلى حدود الـ 3 مليارات دولار أمريكي.


حاجة كبيرة

في حين فإن آخر البيانات التي أصدرها كشف برنامج الأغذية العالمية أن عدد الأشخاص الذي حصلوا على الغذاء المغذي في سوريا خلال العام الماضي (2021) كان أقل من أي وقت مضى خلال عقد من الحرب. 

وقال البرنامج الأممي في تقريره السنوي إن “الارتفاعات الجديدة للأسعار في جميع أنحاء سوريا جعلت ثلاثة من كل خمسة سوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي”. 

وجاء في التقرير: “أثّرت الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية إلى جانب فقدان فرص كسب العيش، وركود مستويات الدخل عمليا على القوة الشرائية للسكان، وهو ما شكّل الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي في جميع المحافظات السورية”. 

ويرى سوريون أنه لا يوجد “أي بصيص أمل” للخروج من الحالة الاقتصادية السائدة، والتي تزداد حدتها سلبا يوما بعد يوم، في ظل غياب أي إجراءات حكومية قد تخفف ولو بجزء بسيط ما يحصل.  

وفي آب/أغسطس 2021 قدّر الباحث الاقتصادي السوري، عمار يوسف، عدد السوريين الذين يعيشون على الحوالات الخارجية بنسبة 70 بالمئة. 

وأوضح يوسف أن هذه الحوالات ليست بمبالغ ضخمة، إذ أن متوسط قيمة الحوالة الواحدة لا يتجاوز مئتي يورو بالحد الأقصى. وقال إن غالبيتها تصل بطرق غير نظامية عن “طريق المعارف”. 

و”طريقة المعارف” ترتبط بأن الفرق بين سعر صرف الدولار الحكومي وسعره بالسوق السوداء يصل إلى حوالي 20 بالمئة، وذلك ما يعتبره مواطنون سوريون بأنه “من حقهم”.


في حين فإن السنوات الأخيرة أثبتت أن الكسب كان حليف أولئك الذين ادخروا بالذهب أو ببعض العملات غير السورية، رغم أن الادخار بالذهب لم يكن مناسبا قبل عام 2011، أيام استقرار سعره لأمد، يوم كان يخسر المدخر -البائع لما يملكه من ذهب- أجرة الصياغة على الأقل، كما أن العديد من المدخرين بالعملات غير السورية سابقا خسروا جزء من مدخراتهم نتيجة انخفاض قيمة هذه العملات، بسبب التغيرات التي طرأت على اقتصاد دولها.

إن حفظ الأموال عن طريق شراء الذهب، قد يكون أفضل حلا للمقيمين في الداخل السوري لعدة أسباب، منها الابتعاد عن المساءلة الأمنية التي قد تلاحق مقتني العملات الأجنبية، فضلا عن ارتباط أسعار الذهب بالارتفاع العالمي لقيمته، الأمر الذي يضمن عدم الخسارة فيه. كذلك تثق البنوك المركزية العالمية بادخار الذهب، ما قد يجعله خيارا آمنا ومشجعا للأفراد.

كذلك يجد السوريون في الدولار ملاذا آمنا لادخار أموالهم هذه الأيام، بعيدا عن اضطراب سعر صرف الليرة السورية التي تغيرت قيمتها خلال عشر سنوات تغيرا كبيرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.