تقنيا، وبالتوازي مع النفوذ الروسي داخل سوريا وخلافا للوجود العسكري، تحاول بيكين ترسيخ وجوداتها ضمن مناطق امتداد نفوذ المحور الروسي الصيني الإيراني في العالم وتأمين مكانتها في دمشق، من خلال اتفاق تم توقيعه مع “الحكومة السورية” في الـ 20 من تموز/يوليو المنصرم.

المساعي الصينية تتمثل بمحاولات تعزيز علاقاتها مع الجانب السوري من خلال تقديم الدعم التقني، بمحاولة لخلق شراكة بين الجانبين تمهد لبيكين دخولها الفضاء الاقتصادي والأمني السوري، بحسب مراقبين، مستغلة اتفاق تموز الماضي بجمع مقدار كافي من البيانات والمعلومات التي تمكنها في تحديد إستراتيجيات مشروعها في سوريا. 

إذ أن الاتفاق يقضي بحصول سوريا على معدات اتصالات من الحكومة الصينية كجزء من سلسلة مساعدات مستمرة لسوريا تهدف إلى تحسين البنية التحتية للشبكات المحلية خاصة في المناطق التي تضررت بشدة خلال الأزمة السورية منذ العام 2011. وفق ما أُعلن عنه.

وبحسب الاتفاقية التي وقعت من قبل السفير الصيني لدى دمشق – فنغ بياو – ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي السورية فادي سلطي الخليل، سيتم تسليم معدات المساعدات لوزارة الاتصالات والتقانة السورية على دفعتين، بتكلفة تُقدر بحوالي 30 مليون دولار أمريكي.

تأتي هذه المساعدات – وغيرها الصينية لسوريا في إطار المشاركة في عملية إعادة الإعمار كما قال بياو، وأضاف أن هذه الاتفاقية “تمثل الشعور الصادق بين الشعبين الصيني والسوري بدعم بعضهما البعض في السراء والضراء”. 

قرأ/ي أيضا: خطوات أردوغان المتقدمة نحو الأسد.. ما الجديد بين دمشق وأنقرة؟

مخاطر المعدات الصينية

غير أنه في مقابل ذلك، أوضح خبير الأمن السيبراني دلشاد عثمان في تصريح خاص لموقع “إكسفار” المختص في الشؤون التقنية، وتابعه موقع “الحل نت”، مخاطر المعدات الصينية من الناحية الأمنية الخاصة بأجهزة الاتصالات الصينية، قائلا إن “ضعف المعدات الصينية يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف خدمات ما بعد البيع، حيث إن غالبية الشركات الصينية تفشل بصورة مستمرة بتقديم هذه الخدمات”. 

في حين، بينت شبكة “أثر برس” الإعلامية التي توقعت تركيب هذه المعدات في نهاية العام الحالي أو في بداية عام 2023 بعد الانتهاء من بعض الإجراءات القانونية من جهة الحكومة الصينية، بينت أن “غالبية المعدات هي بوابات من نوع xDSL، التي تسمح بالولوج إلى الإنترنت والخدمة الهاتفية”.

إما عن جودة تلك المعدات الصينية والخدمات التي يمكن أن تقدمها، فهي بمستويات متأخرة مقارنة بمثيلاتها الكورية والتايوانية، وفقا لدراسة أعدتها شركة ” EDP Sciences” ضمن مشروع مشترك علمت عليه أربع جمعيات علمية فرنسية تختص بنشر المحتوى العملي والتقني.

حيث توضح الدراسة التي ترجمها ونقلها “إكسفار“، أن “معدل البحث والتطوير في كوريا الجنوبية أعلى بكثير مما هو عليه في الصين، فعلى سبيل المثال، في عام 2018 تم تسجيل معدل البحث والتطوير في كوريا الجنوبية بنسبة 5,6 بالمئة، بينما في الصين كان معدل البحث والتطوير بنسبة 1.9 بالمئة”. 

كما تأتي كوريا الجنوبية في المركز الخامس على مؤشر الابتكار العالمي، بينما كانت الصين في المرتبة الثانية عشر، بحسب تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية “WIPO” لعام 2021، ما يوضح حجم الهوة بين المعدات التي سيتم تزويد سوريا بها، وما يمكن أن تخلفه من تداعيات كارثية، وهذا ما ذهب معه بالرأي الخبير السيبراني عثمان.

ولفت إلى أن غالبية الحكومات في منطقة الشرق الأوسط، لا تلزم الشركات الأجنبية بتخزين البيانات الشخصية للمواطنين ضمن أراضيها، بسبب عدم وجود مراكز بيانات محلية قادرة على احتواء هذه البيانات، وهذا ما يعني أنه سيتم تخزين بيانات المستخدمين في الصين ضمن مناطق السلطات القضائية والأمنية الخاصة بالحكومة الصينية، وهو ما يتيح للصين وصولا غير محدود لبيانات المستخدمين الخاصة. 

اقرأ/ي أيضا: ما رسائل حكومة دمشق من قصف الباب شرقي حلب؟

التداعيات المحتملة على خصوصيات المواطنين

وتنبع خطورة داعيات الاتفاق السوري الصيني الحاصل بين الحكومتين الصينية والسورية، من أن تاريخ كلا البلدين حافل بانتهاك الخصوصيات وجمع البيانات وعمليات التجسس التي تخدم مصالحهما، فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة الصينية بالعديد من الأفعال المشبوهة من ناحية انتهاك خصوصية بيانات الأفراد، عندما استغلت منصة “تيك توك” التابعة لها لجمع كميات هائلة من بيانات المستخدمين الخاصة بمواطني الولايات المتحدة الأمريكية. 

مخاوف تعززها مساعي الإدارة الصينية المعروفة بسعيها الدائم للتجسس على غيرها، وهذا ما أدى لاتخاذ العديد من الدول إجراءات احترازية للتصدي لممارسات الحكومة الصينية المشبوهة، كما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية العام الحالي، عندما قامت لجنة الاتصالات الفيدرالية “FCC” بمنع شركة “China Unicom”، رابع أكبر مزود لخدمات الاتصالات في العالم من العمل في الولايات المتحدة. 

حيث كانت هناك أدلة متزايدة على أن “شركات الاتصالات الصينية تشكل تهديدا حقيقيا لأمن شبكات الاتصالات الخاصة بالبلاد”، كما قالت رئيسة اللجنة حينها، جيسيكا روسنورسيل.

جدير بالذكر أنه تم إلغاء ترخيص شركة “China Telecom” الصينية أيضا في الولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، بسبب مخاوف تتعلق بأمن الولايات المتحدة القومي.

 ينطبق الأمر ذاته على “الحكومة السورية”، حيث كشف باحثون في المجال الأمني في شركة Lookout، وهي شركة أمن سيبراني تستخدم تقنيات الذكاء الآلي التنبؤي لتحليل البيانات عن آثار لاستخدام البرمجية الخبيثة للتجسس “Hermit”في مناطق شمال شرق سوريا، وهذه البرمجية عادة ما يتم شراؤها من قبل حكومات تتسم بطابع قمعي.

مشروع تجسس مشترك

لذلك، أنه ليس بالأمر الغريب أن تكون السلطات السورية على دراية بقدرة تجسس الصين على مواطنيها، ولعلها ترغب بذلك بهدف بناء بنية تحتية أفضل للقيام بأعمال التجسس الخاصة بها بشكل فعال أكثر.

يشار إلى أن، وزير الاتصالات والتقانة السوري إياد محمد الخطيب قال إن “توفر هذه الخدمات في المناطق التي حررها الجيش السوري سيساعد النازحين على العودة إلى ديارهم”. 

وأضاف أنه “تم تأمين المواقع التي سيتم تركيب هذه المعدات فيها، وأن هذه المناطق حاليا جاهزة لاستقبال المعدات”، مؤكدا أنه “تم اختيار المحافظات الأكثر تضررا بسبب العمليات الإرهابية”.

ما يجدر الإشارة له أيضا أن، روسيا وإيران تركزان بشكل كبير على المجال السيبراني، حيث تدعم كلا الدولتين جماعات متخصصة في جمع البيانات التقنية والمعلومات عن الدول التي ضمن مخططاتها التوسعية وتوليان اهتماما كبيرا لهذه الأهداف. 

اقرأ/ي أيضا: خطط إيرانية لتعزيز نفوذها شرق الفرات بسوريا.. ما الاحتمالات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.