للتو أكملت ريهام يعقوب عقدها الثالث، وبينما كانت الضحكة تملأ وجهها الباسم، وقبل أن تحقق طموحها الأكاديمي، جاءت لحظة مغادرة الحياة “بلاية وداع”.

“مثل العود من يذبل.. بلاية وداع.. مثل الماي من ينشف.. بلاية وداع”، نعم هكذا رحلت ريهام يعقوب، كما رحل صباح السهل، صاحب أغنية “بلاية وداع” من دون وداع.

ضحكات ريهام و3 من صديقاتها كانت تعلو على صوت الإذاعة في عجلة المغدورة العراقية، عندما كن سويا داخل السيارة وسط محافظة البصرة في لحظة هرب من مشاغل العمل ليعشن مرح الحياة، لكن بدل المرح حلت المأساة.

بغضون ثواني معدودة، الضحكات أمست دماء، والحياة باتت ممات. مجهولون سحبوا أسلحتهم وفتحوا النار على العجلة، قتلوا/ اغتالوا ريهام يعقوب، وأصيبت صديقاتها في مساء هذا اليوم قبل عامين، 19 آب/ أغسطس 2020.

آخر مكان للناشطة البصرية قبل الرحيل، كان في “الشارع التجاري” وسط البصرة في أقصى الجنوب العراقي. هناك وأثناء قيادتها للعجلة، قُتلت/ اغتيلت على يد مسلحين كانوا على دراجة نارية، أطلقوا الرصاص عليها وأردوها قتيلة.

حملة تحريضية “ولائية”

سبب اغتيال يعقوب، هو مشاركتها في احتجاجات البصرة صيف عام 2018، ضد انقطاع الكهرباء وانعدام المياه الصالحة للشرب بالمحافظة آنذاك.

لم تكن احتجاجات البصرة وحدها وراء قتل/ اغتيال ابنة المدينة الفيحاء، إنما مشاركة يعقوب في “انتفاضة تشرين” التي انطلقت مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2019، كان سبب آخر دفع بالظلاميين لإخماد صوتها.

قبل مقتلها/ اغتيالها بأيام، شنّت المنصات التابعة للميليشيات، ومنها قناة “العهد”، حملة تحريض ضد يعقوب، وتداولت تلك المنصات صورة لها مع القتصل الأميركي في البصرة، واتهمتها بالعمالة لصالح واشنطن.

شهدت البصرة في الشهر الذي قتلت/ اغتيلت فيه يعقوب، وهو آب/ أغسطس 2020، اغتيال عدد من الناشطين والناشطات، فضلا عن فشل عدة محاولات لاغتيال مجموعة من الناشطين والناشطات.

إضافة إلى ريهام يعقوب، اغتال مسلّحون مجهولون، الناشط البصري “تحسين أسامة” بـ 21 رصاصة بعد اقتحام منزله في البصرة. كان مقتل أسامة قبل رحيل ريهام بأقل من أسبوع.

ذات الشهر، شهد فشل محاولة لاغتيال الناشطة لوديا ريمون والناشطَين عباس صبحي وفهد الزيدي، عندما استهدفهم مجهولون بـ 15 رصاصة وسط البصرة.

الناشطة والمهندسة البصرية رقية الدوسري، هي الأخرى تعرضت في ذلك الشهر لمحاولة اغتيال أثناء قيادتها لعجلتها، لكنها نجت من الاغتيال عبر إطلاقها للرصاص من مسدّسها نحو مستهدفيها.

ولدت ريهام يعقوب عام 1990، وتوفيت عن عمر 30 عاما، وهي حاصلة على الماجستير، وكانت طالبة دكتوراه في كلية التربية الرياضية بجامعة البصرة.

ما مصير القتلة؟

الفيديو أدناه، كان المقطع الأكثر تداولا ليلة اغتيال/ مقتل الناشطة العراقية البارزة. في الفيديو تظهر يعقوب وهي تحتفل بعيد ميلادها الحديث قبيل مدة وجيزة من يوم رحيلها. صديقاتها عملن مفاجأة لها ليحتفلن بميلادها.

https://twitter.com/Ftm1334/status/1560271318142296067?t=IFdh-abSrc4RdWzhdnhzxA&s=19

اليوم، يستذكر رواد مواقع “التواصل الاجتماعي” في العراق، الذكرى الثانية لرحيل ريهام يعقوب بعشرات المقاطع الفيديوية الخاصة بها، ومئات الصور. الحزن تفسه، القريبات منها لم يعتدن بعد على غيابها.

عرفت ريهام يعقوب بنشاطاتها المجتمعية، وهي طبيبة متخصصة في مجال التغذية واللياقة البدنية، وكانت تهدف إلى خلق الوعي الصحي لدى النساء.

لا يمكن تفسير السعادة التي كانت تعيشها ريهام عند إنجازها لمرحلة الماحستير وقبولها في الدكتوراه. كانت تمني النفس بالحصول على تلك الدرجة العلمية، لتدخل المجال الأكاديمي، لكن السلاح المنفلت أنهى ذلك.

دفع اغتيال ريهام يعقوب إلى غضب “الأمم المتحدة” من الحكومة العراقية، وقالت بصريح العبارة وقتئذ، إن “لحكومة لا تهتم كثيرا بحياة المدافعات عن حقوق الإنسان في العراق”.

“الهجوم كان من الممكن منعه بالكامل (..) خصوصا وأن ريهام تلَقَّت تهديدات في الماضي، ولم تفعل السلطات شيئا للحفاظ على سلامتها”، وفق “الأمم المتحدة”.

قُتلت/ اغتيلَت ريهام يعقوب، إبان تواجد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في أميركا وقتها، وعاد من واشنطن إلى البصرة مباشرة، والتقى بعائلتها ووعد بالقصاص من قتلة ريهام.

اليوم ومع حلول الذكرى الثانية لرحيل الناشطة البصرية، لم تتحقق العدالة القانونية بحق قتلتها، بل لم يُكشف عنهم أصلا، ولم يقبض علبهم بعد. ربما لن تتحقق تلك العدالة في ظل النظام السياسي القائم، وقد يترك الأمر للعدالة الإلهية في نهاية المطاف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.