“بحب البيض المسلوق، والمقلي، والعيون، وكل أنواع البيض”، بهذه العبارة وصف نبيل ذو الخمسة أعوام حبه للبيض، الذي ربما وصل به الأمر إلى الحلم فيه، لأن والدته مروة لم تستطع شراء حتى بيضه واحده له، ولإخوته الخمسة خلال الأسبوع الفائت.

ملامح الحزن والاستياء ارتسمت على وجه مروة، مع رمق أعين ابنها نحو طبق البيض خلال اصطحابها له إلى سوق “الأربعاء” في دمشق، لشراء بعض حبات الخضار، حيث اعتادت منذ السنة الماضية على ذلك بسبب عدم قدرتها على الشراء بالكيلو نظرا لغلاء الأسعار.

نبيل، واحدٌ من مئات الأطفال في سوريا، يمشون مع ذويهم في الأسواق ويختلسون النظر نحو البيض، وهنا لا نقصد بالبيض المخصص للأطفال كبيضة “كيندر”، بل بيض المائدة المعتاد وضعه ضمن طعام الإفطار لدى العديد من الأسر حول العالم.

ارتفاع أسعار السلع في الأسواق السورية مقارنة مع الأسواق في البلدان المجاورة بات واضحا، لا سيما أسعار البيض على وجه الخصوص، فارتفاعها مستمر بشكل غير مسبوق، حيث تجاوز سعر بيع طبق البيض 18 ألف ليرة سورية، بعد أن كان بنحو 15 ألفا خلال شهر واحد.

بورصة للبيض؟

“كل يوم سعر شكل”، توصيف دقيق متداول لدى مروة، والعديد من السوريين داخل البلاد لجميع السلع المتواجدة في الأسواق السورية؛ لكن البيض في سوريا كان له خصوصية ولا يزال، خصوصا وأن له استخدامات في الطعام السوري، وغير ذلك، لأن الآباء يرون فيه النظام الصحي المتكامل لأبنائهم.

يقول مدرس اللغة العربية، في مدرسة “تشرين” بدرعا، إبراهيم المسالمة، لـ”الحل نت”، “الآباء يريدون الأفضل لأطفالهم، نريدهم أن يقوموا بعمل جيد في المدرسة، نريدهم أن يجدوا طريقهم في الحياة، وقبل كل شيء، نريدهم أن يكونوا سعداء، واحدة من أفضل الطرق التي يساعد بها الآباء، هي إطعام أطفالهم نظاما غذائيا لذيذا ومغذيا، نريدهم أن يحصلوا على الطاقة التي يحتاجونها للتعلم والنمو والنجاح، والبيض يلعب دورا كبيرا في ذلك”.

وبما أن السوق السوري يشهد ارتفاعا مستمرا في أسعار البيض، حيث ارتفعت أسعار الدواجن والبيض مرة أخرى خصوصا بعد عيد الأضحى الفائت، حيث وصل سعر طبق البيض في أسواق دمشق إلى 18 ألف ليرة سورية، وسط عشوائية وفوضى بين الأسواق، والمحلات وتبادل الاتهامات بين التجار والمربين، يبقى الخاسر الأكبر من كل ذلك، هو المواطن.

وبحسب مروة، فإنه خلال الأسبوع الفائت فقط، ارتفع سعر طبق “صحن” البيض في سوريا بنسبة تزيد على 50 بالمئة مقارنة بالشهر الماضي من دون مبرر أو سابق إنذار، وهذا ما دفعهم إلى الاستغناء عنه. وبسبب عدم استقرار أسعاره بشكل دوري، خصصت له صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “بورصة البيض” لمتابعة سعره يوميا.

رحلة أسعار طبق “البيض” في سوريا

سعر طبق البيض ارتفع اليوم السبت، بشكل غير مسبوق في أسواق دمشق وتجاوزت قيمته 17 ألف ليرة سورية، في بعض المحال التجارية أي ما يعادل 600 ليرة سورية للبيضة الواحدة، بعد أن وصل نهاية الأسبوع الفائت إلى 16 ألف ليرة للطبق، في ظل عجز المواطن عن تأمين احتياجات أسرته الغذائية الأساسية بالتزامن مع ضعف قدرته الشرائية وتزايد أسعار مختلف السلع يوما بعد يوم.

نسبة زيادة أسعار البيض في سوريا خلال 12، بحسب ما رصده “الحل نت”، وصلت إلى 120 ضعفا، أي ما يعادل 11900 بالمئة، حيث كان سعر طبق البيض (30 بيضة) في عام 2010 حوالي 150 ليرة سورية، ثم ارتفاع إلى 200 ليرة في عام 2011، و250 عام 2012، ليصل إلى أقصى سعر له في عام 2022 الجاري بنحو 18 ألف ليرة سورية للطبق، أي 600 ليرة للبيضة الواحدة.

وبحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، الثلاثاء الفائت، عن مدير منشأة دواجن حمص، محمد قيمر، فإن أسباب ارتفاع سعر البيض مؤخرا يعود لارتفاع أسعار الأعلاف، وخروج عدد من مربي الدجاج البياض عن الخدمة نتيجة لارتفاع مستلزمات الإنتاج بشكل عام وأسعار الأعلاف بشكل خاص، والتي تشكل نسبة 70 بالمئة من تلك التكاليف مع عدم تزامن ذلك الارتفاع مع ارتفاع سعر المنتج.

وبالتالي ووفقا لحديث قيمر، فإن ذلك تسبب بإلحاق خسائر متتالية للمربين ما سيؤدي إلى خروج عدد آخر منهم عن الخدمة، إضافة إلى انخفاض إنتاج البيض إلى ما بين 10 و20 بالمئة، بشكل عام في معظم المداجن جراء موجات الحر التي شهدتها المحافظة، تبعا لما نقلته الصحيفة.

كل تلك الأسباب، لا يشعر نبيل، أنها سببا مقنعا في أن تحول بينه وبين البيضة التي يحلم بها، فهو بنظره يعيش في بلد يجب أن يؤمن له كل متطلباته، فالبيضة المسلوقة مع رشة ملح ولفها بقطعة خبز وقضم لقمة منها هي أقصى ما يحلم به الآن، ويراها ضرورية لأن يحظى بها يوميا، ولا يجب أن تغيب من مطبخ بيته.

التأقلم مع الظروف الجديدة

وسط تدهور الأحوال المعيشية وتدني مستوى الرواتب والمداخيل، إلى جانب تراجع الليرة مقابل النقد الأجنبي في سوريا، لم تستطع مروة عزيز، التي تقطن في منطقة نهر عيشة، بالعاصمة دمشق، أن تشتري طبق البيض منذ حوالي 6 أشهر، وذلك للأسباب المذكورة أنفا.

نظرات نبيل، نحو طبق البيض في الأسواق تصفها مروة لـ”الحل نت”، بأنها “تقطّع القلب”، بل أنها لولا خوفها على تركه وحده في البيت لما اصطحبته معها إلى سوق المنطقة، ليرى “مناظر لا أقدر على شرائها في سوريا، حتى لو كانت موظفة ولديها راتب من الحكومة”، حسب قولها.

مروة ونبيل، يعيشون في منطقة آهلة بالسكان والنازحين من مختلف مناطق سوريا، واعتمادها في مصروف أولادها وإيجار بيتها على أختها التي تعيش في كندا، حيث ترسل لها شهريا ما يقارب 100 دولار كندي أي ما يعادل 340 ألف ليرة سورية، تخصصها لمتطلبات التعليم وشراء الاحتياجات الأساسية الضرورية للاستمرار في العيش وفواتير السكن فقط.

تقول مروة، “تأقلمت مع الوضع الحالي، والصعوبة في إقناع الأطفال بأن القدرة الشرائية لعائلاتنا لا تخولنا لشراء كل ما نراه في الأسواق، تعودت عليه مع التكرار، لكن الأطفال لا يعون ذلك، ولكني لم أمل من التكرار”.

الانهيار الذي يفتك بسوريا من كل الجوانب، وخاصة الاقتصادي منها، بات أسوأ من أي وقت مضى. هذه المعاناة وصلت لدرجة صدور تحذيرات دولية من ضياع جيل كامل من السوريين، إذ إن الارتفاع المستمر للفقر المدقع في سوريا وانهيار الأنشطة الاقتصادية، أسفر عن تدهور فرص كسب العيش، والاستنفاد التدريجي لقدرة الأسرة على التكيف، والأطفال هم الذين يدفعون ثمن ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.