بعد نهار مضطرب عاشه العراق إثر التصعيد الصدري، يبدو أن زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، أوصل رسالته إلى السلطة القضائية بأنها ليست محصنة من أتباعه، ويمكنه مواجهتها والضغط عليها متى ما شاء، ليقرر الانسحاب بعد إيصال تلك الرسالة.

في التفاصيل، انسحب أنصار “التيار الصدري” من أمام مبنى “مجلس القضاء الأعلى” في العراق، بعد أن نصحهم الصدر عبر وزيره محمد صالح العراقي، بالانسحاب مع إبقاء خيم الاعتصام أمام السلطة القضائية.

العراقي قال في تدوينة على “فيسبوك”، إنه “في السلك القضائي الكثير من محبّي الإصلاح والمطالبين بمحاسبة الفاسدين، وإن كان هناك فتور في ذلك، فهو لوجود ضغوطات سياسية من فسطاط الفساد ضدهم”.

وأردف: “لو ثنيت لي الوسادة لكنت مع استمرار الاعتصام أمام القضاء الأعلى لنشجعه على الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، لكن وللحفاظ على سمعة الثوّار الأحبة ولعدم تضرر الشعب، أنصح بالنسحاب وإبقاء الخيم تحت لافتة تحمل 7 عناوين”.

العناوين تتمثل بـ “اعتصام شهداء سبايكر وأهالي الموصل واسترجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين بلا انحياز وإقالة الفاسدين وفصل الادعاء العام وقضاء مستقل ونزيه، وغيرها من العناوين التي يريد الشعب تحقيقها”.

سبب الاعتصام الصدري

بعد انسحاب أتباع الصدر من أمام مبنى السلطة القضائية، أصدر “مجلس القضاء الأعلى” بيانا، مساء الثلاثاء، وقرر إنهاء تعليق عنله وعمل “المحكمة الاتحادية العليا” وعمل جميع المحاكم العراقية، واستئناف العمل بشكل طبيعي، بدءا من صباح يوم غد الأربعاء.

تأتي هذه التطورات بعد أن توجه أنصار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، صباح الثلاثاء، صوب “مجلس القضاء الأعلى” بمنطقة الحارثية عند مدخل المنطقة الخضراء في بغداد، وأقاموا اعتصاما مفتوحا أمامه.

خطوة أنصار الصدر، أتت للضغط على القضاء العراقي لإصدار قرار ولائي، يحكم بموجبه بحل البرلمان العراقي الحالي، وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، في وقت يؤكد القضاء أنه لا مسوغ دستوري يمنحه اتخاذ مثل ذلك القرار.

إزاء الاعتصام الصدري أمام مقر السلطة القضائية، كان “مجلس القضاء الأعلى” قرر تعليق عمله وعمل “المحكمة الاتحادية العليا” وجميع المحاكم العراقية المرتبطة به، لتعلن كل المحاكم الاتحادية في المحافظات العراقية تعليق أعمالها، ليصبح العراق بلا محاكم.

“مجلس القضاء الأعلى”، قال في بيان له، إن قرار تعليق عمله وعمل “المحكمة الاتحادية” والمحاكم، جاء “احتجاجا على التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون من قبل التيار الصدري”.

المجلس القضائي، حمّل الحكومة العراقية والجهة السياسية التي تقف خل الاعتصام الصدري، المسؤولية القانونية “إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف”، حسب البيان الذي نشره إعلام القضاء العراقي.

مطالب “التيار الصدري”

معتصمو “التيار الصدري” أمام “مجلس القضاء الأعلى”، أعلنوا قبل انسحابهم، قائمة بمطالبهم عبر يافطات متعددة، وتمثلت بـ “حل البرلمان الحالي، وتحديد موعد لانتخابات مبكرة جديدة، وعدم تسييس القضاء مطلقا، ومحاربة الفساد والمفسدين، وفصل الادعاء العام عن مجلس القضاء”، فضلا عن مطالبته باستقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان.

https://twitter.com/musalman02/status/1562016206193889280?t=_U5mvqTYh0_8_XWYNbBe9A&s=19

إزاء تلك التداعيات، أصدرت “محكمة تحقيق الكرخ الأولى”، 3 مذكرات قبض بحق قيادات صدرية، الأولى بحق القيادي في “التيار الصدري” صباح الساعدي، والثانية بحق القيادي الصدري، محمد الساعدي، والثالثة بحق النائب الصدري السابق، غايب العميري، لتحريضهم ضد القضاء في منشورات عبر منصات “التواصل الاجتماعي”.

“الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، حمّل الحكومة مسووليتها عما حرى، وقال إنه لا حوار له مع الصدر قبل انسحاب أنصاره من أمام السلطتين القضائية والتشريعية، واعتبر خطوات أتباعه خروج عن الدولة ومحاولة لخطف قرارات الدولة العراقية؛ فهو يحتل مؤسساتها، وعلى المجتمع الدولي بيان رأيه.

التصعيد الصدري الوقتي، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، مهلة حتى 18 آب/ أغسطس الجاري، لأصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

واشتدّت الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

اختناق سياسي

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حجومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا”، التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.