أمر غريب أن يكون العراق بلا محاكم في الذكرى السنوية 101 لتأسيس الدولة العراقية، عندما نصب فيصل الأول ملكا على العراق بمثل هذا اليوم من عام 1920، لتصبح البلاد اليوم معطلة بالكامل، ولا أحد يتكهن بمستقبلها.

في التفاصيل، وعلى نحو غير متوقع، توجه أنصار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، صباح الثلاثاء، صوب “مجلس القضاء الأعلى” بمنطقة الحارثية عند مدخل المنطقة الخضراء في بغداد، وأقاموا اعتصاما مفتوحا أمامها.

خطوة أنصار الصدر، تأتي للضغط على القضاء العراقي لإصدار قرار ولائي، يحكم بموجبه بحل البرلمان العراقي الحالي، وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، في وقت يؤكد القضاء أنه لا مسوغ دستوري يمنحه اتخاذ مثل ذلك القرار.

لا محاكم

إزاء الاعتصام الصدري أمام مقر السلطة القضائية، قرر “مجلس القضاء الأعلى” تعليق عمله وعمل “المحكمة الاتحادية العليا” وجميع المحاكم العراقية المرتبطة به، لتعلن كل المحاكم الاتحادية في المحافظات العراقية تعليق أعمالها، ليصبح العراق بلا محاكم.

إضافة إلى “مجلس القضاء الأعلى”، قررت “نقابة المحامين” هي الأخرى تعليق عملها، ليصبح الاعتصام الصدري اليوم أمام القضاء من جهة والبرلمان من جهة أخرى، وأمست السلطات العراقية القضائية والتشريعية -البرلمان- والتنفيذية -الحكومة- معطلة، إزاء تحركات الصدر التصعيدية.

“مجلس القضاء الأعلى”، قال في بيان له، إن قرار تعليق عمله وعمل “المحكمة الاتحادية” والمحاكم، جاء “احتجاجا على التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون من قبل التيار الصدري”.

المجلس القضائي،، حمّل الحكومة العراقية والجهة السياسية التي تقف خل الاعتصام الصدري، المسؤولية القانونية “إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف”، حسب البيان الذي نشره إعلام القضاء العراقي.

معتصمو “التيار الصدري” أمام “مجلس القضاء الأعلى”، أعلنوا قائمة بمطالبهم عبر يافطات متعددة، وتتمثل بـ “حل البرلمان الحالي، وتحديد موعد لانتخابات مبكرة جديدة، وعدم تسييس القضاء مطلقا، ومحاربة الفساد والمفسدين، وفصل الادعاء العام عن مجلس القضاء”، فضلا عن مطالبته باستقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان.

إزاء تلك التداعيات، أصدرت “محكمة تحقيق الكرخ الأولى”، 3 مذكرات قبض بحق قيادات صدرية، الأولى بحق القيادي في “التيار الصدري” صباح الساعدي، والثانية بحق القيادي الصدري، محمد الساعدي، والثالثة بحق النائب الصدري السابق، غايب العميري، لتحريضهم ضد القضاء في منشورات عبر منصات “التواصل الاجتماعي”.

في السياق، قطع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، زيارته لمصر وحضوره في القمة الخماسية بين مصر والعراق والأردن والإمارات والبحرين، وعاد إلى بغداد، لمتابعة آخر التطورات، ولأجل المتابعة المباشرة لأداء واجبات القوات الأمنية في حماية مؤسسات القضاء والدولة.

العراق في خطر

الكاظمي حذر في بيان، من أن تعطيل عمل المؤسسة القضائية يعرض البلد إلى مخاطر حقيقية، مؤكدا أن حق التظاهر مكفول وفق الدستور، مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة للاستمرار بأعمالها في خدمة الشعب.

كذلك دعا الكاظمي، إلى اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية؛ من أجل تفعيل إجراءات “الحوار الوطني”، ونزع فتيل الأزمة السياسية الراهنة، حسب البيان الذي نشره مكتبه الإعلامي.

“الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، حمّل الحكومة مسووليتها عما يحري، وقال إنه لا حوار له مع الصدر قبل انسحاب أنصاره من أمام السلطتين القضائية والتشريعية، واعتبر خطوات أتباعه خروج عن الدولة ومحاولة لخطف قرارات الدولة العراقية؛ فهو يحتل مؤسساتها، وعلى المجتمع الدولي بيان رأيه.

رئيس الجمهورية، برهم صالح، قال في بيان رئاسي، إن تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار، وضمان عدم انزلاقها نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسرا فيها، وتفتح الباب أمام المُتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل البلاد.

صالح أردف، أن التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستوريا، ولكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية أمر خطير يهدد البلد، وينبغي العمل على حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها، وأن يكون التعامل مع المطالب وفق الأطر القانونية والدستورية.

https://twitter.com/musalman02/status/1562016206193889280?t=_U5mvqTYh0_8_XWYNbBe9A&s=19

واختتم الرئيس العراقي بيانه، بقوله إن “البلد يمر بظرف دقيق يستوجب توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي الذي ضحى من أجله شعبنا، ولا ينبغي التفريط بها بأي ثمن، والعمل على تجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعيين”.

رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، ذكر: “ما وصلنا إليه اليوم هو تراجع أكثر مِمّا كنَّا عليه سابقا، من خلال  تعطيل المؤسسات الدستورية (…) فمجلس النواب معطل ومجلس القضاء معطل فضلا عن أن الحكومة، هي حكومة تسيير أعمال”.

موقف “يونامي”

الحلبوسي أردف في بيان له: “يجب أن نحتكم جميعا إلى الدستور، وأن نكون على قدر المسؤولية لنخرج البلد من هذه الأزمة الخانقة التي تتجه نحو غياب الشرعية، وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية وهيكلية الدولة ومخرجاتها”.

أما بعثة الأمم المتحدة لدى العراق “يونامي”، فقد أكدت في تدوينة لها عبر “فيسبوك”، أن “الحق في الاحتجاج السلمي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية. ولا يقل أهمية عن ذلك التأكيد على الامتثال الدستوري واحترام مؤسسات الدولة”.

وأضافت البعثة الأممية، أنه يجب أن تعمل مؤسسات الدولة دون عوائق لخدمة الشعب العراقي، بما في ذلك “مجلس القضاء الأعلى”، وأن بعثة “الأمم اامتحدة” لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحصل من تصعيد من قبل “التيار الصدري”.

في الأخير، وفي أول تعليق له بعد كل تلك التداعيات، قال مقتدى الصدر عبر تدوينة لوزيره صالح محمد العراقي، إنه ومنذ يومين فقط، قرر عدم التدخل بما يخص الاحتجاجات، وترك أمرها إلى الشعب.

وتابع العراقي بقوله، إنه من المعيب أن يعلّق مجلس القضاء عمله ردا على احتجاجات إصلاحية ولم يعلّق عمله إزاء استشراء الفساد السياسي في البلاد، وأن الصدر قد يقرر مستقبلا، تعليق عمل اللجنة المشرفة على التظاهرات الصدرية؛ لأن القرار بيد الشعب.

يأتي التصعيد الصدري، بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، مهلة حتى 18 آب/ أغسطس الجاري، لإصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

واشتدّت الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

رفض للمحاصصة

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حجومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا”، التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.