ضاربا كل المشاكل التي تعصف بالنظام التعليمي والطبي عرض الحائط، أثار وزير التربية السوري، دارم طباع، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي أمس السبت، بعد طرحه سؤالا خلال لقاء على الفضائية السورية “التربوية”، حيث قال: “أيهما أفضل أن يدرس الطالب الطب ثم اختصاص، ويقضي 12 سنة، ثم يسافر لألمانيا ويخدم الألمان، أم يدرس معهد مهني لمدة سنتين ويدخل لسوق العمل بعمر 20 سنة ويحصد مليون ليرة شهريا”.

“المشكلة بالطب أم بالألمان؟”

من المعلوم في سوريا، أن الجامعات والنظام التعليمي بشكل عام يعاني من الفساد وقلة الموارد وهجرة العقول، وبحسب باحثون في جامعة “كامبريدج” وأكاديميين سوريين في المهجر، أدت سوء الإدارة المحلية في البلاد إلى تدمير نظام التعليم العالي برمته، دون حلول جوهرية من حكومة دمشق.

كلمات طباع، أشعلت عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي السورية، فخلال رصد “الحل نت”، لردود الأفعال على تصريحات وزير التربية، كانت الانتقادات متنوعة، ولم تقتصر على فئة معينة.

من قلب المؤسسة التي يديرها طباع، كتبت زينب جبران، التي تعمل في مديرية التربية والتعليم بطرطوس، “بدي أسألك دكتور، ليش درست طب طالما مقتنع بالفكرة..وعم تقنعنا…هو فيا وجهه نظر بالعملة، وباختصار الوقت بس يا بتّعب حالك يا بتّعب عقلك مافي شي بالسهل”.

أما سعدة إبراهيم، والتي تعمل في مديرية الخدمات الفنية باللاذقية، ففسرت كلام الوزير بأن وراءه هدف خفي، حيث قالت: “هذا الكلام للقضاء على المتبقي من نخبة المجتمع المتعلم”. في حين علّقت مادلين جلول، المقيمة في حلب، والتي تخرجت من المعهد الصحي، “ليش حتى تخلوا الأطباء يهاجر إلى ألمانيا، أعطوهم حقهم ولن يسافر طبيب”.

من جهته، كتب حسام أبو كمال، “يعني بتعترف انو في سبب ومسبب لهجرة العقول، هات أعطيهم الحل غير يصيروا أصحاب حرفة، سيادة الوزير في حدا ناقلك الصورة غلط عن واقع الخريجين يا ريت ترجع البلد وتشوف بعينك بالنسبة للخيارات أكيد ألمانيا أحسن، في النهاية من حصل على علامات الطب سوف يدرس طب.. و لن يدرس معهد مهني.. سواء خدم ألمانيا أو بوركينا فاسو”.

أما أنسام إسماعيل، المنحدرة من مدينة اللاذقية، فكان لها وجهة نظر أخرى، حيث رأت أن وزير التربية السوري، كان يلفت الانتباه للتعليم المهني، حيث كتبت “يا جماعة هوي عم يحكي عن التعليم المهني اللي مهمشينوا، واللي المفروض يكون معطى أهمية متل الكهرباء والميكانيك والإلكترون”.

مؤسسات بلا كوادر

الافتقار والنقص في الكوادر التدريسية في سوريا ليس بالمشكلة الحديثة؛ بل إنها مستمرة منذ سنوات لا سيما في الجامعات السورية، إلا أنها بدأت هذا العام تنحو منحى تصاعدي، مهددة العملية التعليمية، فتضاعف الشواغر يربك إدارات الجامعات وطلابها، وتحرج وزارة التربية التي تؤكد أن الأمور تحت السيطرة، وأنه يجري استكمال جهود الترميم التي تستدرك النقص، وتعوض أي فاقد في حين أن الواقع التدريسي يقول غير ذلك.

صحيفة “تشرين” المحلية، كشفت في تموز/يوليو الفائت، واقع العملية التعليمية وأسباب هبوط أعداد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السورية، الأمر الذي أغفله الوزير خلال حديثه ونصيحته للطلاب بترك تعلّم الطب، والتوجه نحو التعليم المهني من أجل الأموال.

وبحسب رئيس قسم هندسة التصميم الميكانيكي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، في قسم هندسة التصميم الميكانيكي، كان عدد الكادر التدريسي قبل عام 2011 بحدود 36 دكتورا على رأس عملهم، واليوم في القسم 14 دكتورا، إضافة إلى 3 أساتذة تم التمديد لهم، والبقية منهم من توفى ومنهم من تقاعد، ومنهم من غادر البلاد، إضافة إلى أن القسم لديه نقصا في أعضاء الهيئة الفنية من مهندسين، ومعلمي حرف، وفنيين.

هجرة الكوادر الطبية

دعوة طباع لترك دراسة الطب، تأتي عكس التقارير التي كشفت عن قيام العديد من الأطباء بتعبئة حقائبهم بشكل متزايد، والمغادرة إلى الخليج أو أوروبا، ومؤخرا نحو بلدان إفريقية وجنوب الجزيرة العربية والتي تعد من المناطق التي تشهد تصدعا اقتصاديا كبيرا فضلا عن أزماتهم السياسية.

نقيب أطباء ريف دمشق، خالد موسى، أكد في شباط/فبراير الفائت، أن نزوح الأطباء السوريين، وهجرتهم أمر واقعي وصحيح، وأن دولا مثل موريتانيا، والصومال، والسودان، واليمن، وهي في خضم حرب، تجذبهم بفرص عمل وتتراوح رواتب الأطباء هناك بين 1200 – 3000 دولار أميركي.

وتابع موسى، “النقابة في ريف دمشق مسجل فيها 2850 طبيب، 50 بالمئة منهم طب عام والباقي أخصائيين، وأطباء التخدير المسجلين بالنقابة 12-13 فقط، ونفتقد لاختصاص الأوعية، والصدرية”.

الجدير ذكره، أن سوريا بحاجة إلى دعم طارئ وتنموي لمعالجة نقص الأدوية، والوقود، والمشاكل الهيكلية مثل هجرة المهنيين الطبيين. في حين أن هجرة الأدمغة تحرم البلاد، التي كانت ذات يوم مركزا طبيا في المنطقة، من الموارد البشرية الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.