مع المتغيرات التي يشهدها قطاع الطاقة حول العالم، يؤكد خبراء المجال، أن الغاز الطبيعي، سيلعب خلال الفترة القادمة دورا حاسما، في تلبية احتياجات الدول من الطاقة، ما يجعل العالم مهتما في تطوير هذا القطاع وآليات التصدير بين الدول، في حين ستلعب مصر دورا مهما في هذا القطاع في الشرق الأوسط بسبب عوامل عدة أبرزها موقعها الاستراتيجي على الخريطة وعلاقاتها مع الدول الأوروبية واتفاقياتها مع إسرائيل في هذا المجال.

عوائق

رغم اقتناع العالم، بأهمية الغاز الطبيعي في قطاع الطاقة، وتفضيله باعتباره أنظف من البترول، وانخفاض تكلفة إنتاج ونقل الغاز الطبيعي المسال، هناك مجموعة من العوائق التي تحول دون استغلال الإمكانات الطبيعية الكاملة للغاز الطبيعي. ففي حين أن زيادة التجارة في الغاز الطبيعي المسال تفتح إمكانية حقيقية للسوق العالمي للغاز، فإن وتيرة هذا النمو ونطاقه النهائي وإمكانات تطويره لا تزال موضع شك كبير.

تعد مصر من بين أبرز اللاعبين في قطاع الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما مع تطوير الحكومة والشركات الخاصة في مصر لهذا القطاع، فضلا عن الاتفاقيات التي عقدتها مصر مع العديد من الدول بشأن تصدير واستيراد الغاز وأبرزها الاتفاق والتعاون مع إسرائيل، الذي وصل إلى حد الاتفاق المشترك مع الاتحاد الأوروبي.

تقرير لموقع “عربي بوست“، نقل عن منظمة “أوبك” قولها إن مصر تعد حاليا، من بين الدول الأسرع نموا للغاز الطبيعي المسال، حيث كشفت “أوبك” في أحدث تقاريرها، عن أن “مصر صدرت حوالي 1.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في الربع الثاني من عام 2021، بعد عدم تصدير أي غاز طبيعي مسال خلال نفس الفترة من عام 2020”.

تمتلك مصر 2.186 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، مما يجعلها في المرتبة الـ16 على مستوى العالم. وتعادل هذه الاحتياطيات حوالي 1.6 مليار طن من الغاز الطبيعي المسال.

قد يهمك: تحالف “الوهم” الإيراني-الروسي.. لا اتفاق نووي وتصعيد في سوريا؟

موقع مصر الجغرافي

استفادت مصر من موقعها الجغرافي، وقربها من مصدرين أصغر منها، في مجال الغاز الطبيعي، كما شجع قرب مصر الجغرافي من كل من قبرص وإسرائيل، اللتان تطمحان إلى تصدير فائض إنتاجهما من الغاز إلى أوروبا، على إبرام اتفاقيات بين كل منهما ومصر. وتنص هذه الاتفاقيات على أن قبرص وإسرائيل ستصدران فائضهما إلى مجمعات تسييل الغاز المصرية في إدكو ودمياط، ثم تقوم مصر بتسييله وتصديره إلى الاتحاد الأوروبي، وقد تسير اليونان في نفس الطريق قريبا.

وتمتلك القاهرة العديد من الميزات التنافسية في سوق الغاز الطبيعي، أبرزها توافر سعة التسييل غير المستغلة، لا سيما فيما إذا كان الحديث عن تصدير المادة إلى الدول الأوروبية، في ظل امتلاك مصر لتاريخ طويل من العلاقات المستقرة مع الاتحاد الأوروبي، على عكس روسيا، التي فُرضت عليها عقوبات اقتصادية من قبل أوروبا منذ عام 2014 بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا، وتفاقمت هذه التوترات في ظل الوضع الحالي عقب الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

مصر لاعب رئيسي؟

خبراء في قطاع الطاقة، يتوقعون أن تلعب مصر دورا رئيسيا في تلبية احتاج الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال، في ظل التوتر مع موسكو، وبالنظر إلى أن فائض إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي الذي وصل إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا في عام 2021، بطاقة إنتاجية تبلغ 7.2 مليار قدم مكعب مقارنة باستهلاك 5.6 مليار قدم مكعب.

العلاقة بين مصر وإسرائيل، شهدت العديد من التطورات في إطار تجارة الغاز الطبيعي، حيث بدأت في العام 1980، بعد توقيع معاهدة السلام، وكانت البداية بموافقة لبرلمان المصري على الاتفاق التجاري الأول مع إسرائيل. وتمّ تشكيل عدد من اللجان المشتركة لتعزيز المشاركة في مختلف القطاعات، إلا أن التعاون الفعلي بقي ضئيلا خلال فترة الحكم الطويلة للرئيس الأسبق حسني مبارك.

في عام 2005، وقعت الشركة القابضة للغاز (بصفتها ممثلا للحكومة المصرية) اتفاقا مع شركة إي إم جي لتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لإسرائيل لمدة 20 عاما، ما تسبب بخروج احتجاجات في مصر رفضا لهذه الاتفاقية، التي انتهت في نيسان/أبريل من عام 2012، بحكم قضائي، بعد أن وجه رئيس  الوزراء آنذاك، عصام شرف، بمراجعة كل عقود تصدير الغاز بما في ذلك التعاقد مع إسرائيل والأردن.

فصل جديد من التعاون بين مصر وإسرائيل في مجال الغاز، بدأ في شباط/فبراير عام 2018، عندما أعلنت شركة “ديليك دريلينغ” الإسرائيلية عن توقيع عقد لمدة عشر سنوات، بقيمة 15 مليار دولار، لتصدير الغاز الطبيعي لمصر، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، إن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضا علاقاتها الإقليمية، واصفا الاتفاق بأنه “يوم عيد“،

 من جانبه، علّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الضجة التي أُثيرت حول قضية استيراد الغاز من إسرائيل، قائلا إن الحكومة ليست طرفا في هذا الموضوع وهو أمر يخص القطاع الخاص، وبحسب ما ذكرت “بوابة الأهرام“، والتي نقلت عن  الرئيس المصري أن عملية تسييل الغاز ومشتقاته إما كانت تحدث في لبنان أو إسرائيل أو قبرص أو تركيا أو مصر.. لكن مصر هي التي أحرزت “جول كبير جدا” بالنجاح في الاستفادة من الغاز الذي يخرج من دول المتوسط، عبر المنشآت البترولية المصرية، على حد تعبيره، وتابع: “سمحنا للشركات الخاصة بأن تستورد الغاز من هذه الدول ثم تستخدم المنشآت البترولية المصرية في عمليات التكرير والتسييل والمعالجة والتنقية، على أن يتم تصديره مرة أخرى“، مشيرا إلى أن بلاده ستستفيد ماديا من كل هذه المراحل.

قد يهمك: القصف الإسرائيلي على حلب ودمشق.. خطوة متقدمة للتصعيد؟

لكن الحديث عن سعي مصر لتصدير الفائض من الغاز، قد لا يبدو واقعيا بحسب ما أكد أحد وكلاء وزارة الطاقة، ونقل تحليله تقرير “عربي بوست“، إذ يفيد بأن “الحديث عن الاكتفاء الذاتي لمصر وتصدير الفائض يوميا هو محض تلاعب بالحقائق. فالغاز ليس ملكا للبلاد كما يسوقون، الغاز المصري يتم اقتسامه بنسب بين الشركة المنقبة، فمثلا حقل ظهر تمتلك مصر (ممثلة في الشركة القابضة للغازات الطبيعية إيجاس). ما يقرب من 40 بالمئة، فقط من إنتاجه أما الباقي فموزع بين شركات إيني الإيطالية، بريتيش بتروليوم البريطانية، روزنفت الروسية، ومبادلة الإماراتية“.

مصر وإسرائيل لنقل الغاز لأوروبا

وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو 2022، مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بعد تسييله في مصر. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب التوقيع، إن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا أجبرت المفوضية على تنويع مصادر الطاقة، مشيرة إلى أن المفوضية تدعم مصر لتكون مركزا إقليميا لنقل الطاقة.

من جانبها، قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار: “إن هذا الاتفاق الأولي يدلل على أن مصر وإسرائيل تلعبان دورا محوريا لتأمين احتياجات الطاقة للشركاء الأوروبيين“، وتوقع مسؤولون زيادة شحنات الغاز من مصر إلى الاتحاد الأوروبي بموجب هذا الاتفاق، لكنهم يرجحون أن الأمر قد يستغرق سنتين على الأقل حتى ينعكس أثر هذه الزيادة بشكل واضح على الصادرات المصرية، ويُعد هذا الاتفاق اعترافا بالدور الرئيسي الذي يلعبه الغاز الطبيعي في سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2030.

من المستفيد الأكبر؟

وبحسب التقرير فإن: “استعراض البيانات والمعلومات والرؤى للمتخصصين والخبراء تؤكد أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الاتفاق من الناحيتين الاقتصادية والجيوسياسية، فالصفقة المبرمة تعدّ فرصة هائلة لتصدير الغاز إلى أوروبا بعد تسييله في مصر، إذ إنها لا تملك منشآت لتسييل الغاز، الأمر الذي يعني أنه بدون مصر لن تكون استفادة إسرائيل كما هي الآن، الأكثر خطورة من ذلك أن مصر بهذه السياسة تسهم في أن تكون إسرائيل لاعبا أساسيا في سوق الطاقة العالمي، لا سيما السوق الأوروبي“.

وما سيجلبه لها ذلك من مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة. فهذه الاتفاقية بجانب أنها تعفي تل أبيب من كلفة بناء بنية أساسية لتسييل الغاز بميزانيات باهظة، فإنها تجنّبها كذلك المخاوف البيئية الناجمة عن وجود مثل تلك المصانع وسط الكتلة السكانية، فضلا عن المخاوف الأمنية من سهولة استهدافها من قبل المقاومة بما يهدد أمن واستقرار المستوطنين، فالأمر بين مصر وإسرائيل يجب ألا تحدده فقط العوائد المالية، خصوصا أن بين البلدين العديد من الملفات التي يجب حسابها بدقة بعيدا عن حسابات صغار التجار في الحواري والأزقة المصرية.

في الوقت الذي راهنت سوق الغاز على أزمة قصيرة الأجل، خالف الواقع جميع التوقعات، حيث لاتزال الأزمة مستمرة، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بل أكثر من ذلك، فالأمر يشير الآن إلى أزمة حادة خلال الشتاء المقبل، وتستمر خلال العام المقبل وحتى عام 2024، وخلال الفترة الماضية ارتفعت أسعار الغاز الأوروبي ككل، بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“.

العديد من الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الروسية، وردّا على ذلك أوقفت موسكو إمدادات الغاز إلى العديد من الدول، فيما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رد انتقامي.

 الدكتور كرم الشعار، الباحث في مركز السياسات وبحوث العمليات، رأى خلال حديث سابق لـ“الحل نت“، أن “استخدام الغاز الروسي كورقة ضغط أو سلاح، في وجه أوروبا، هي ورقة كانت موجودة وسوف تستمر لسنوات، لأن الخطط الأوروبية الحالية والمتعلقة بالغاز، هي جميعها خطط طويلة الأجل، تسعى أوروبا من خلالها لتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي“.

البدائل الصعبة

وحول البدائل، يهدف الاتحاد الأوروبي، إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الروسي بحلول عام 2027 وبدأ في البحث عن بدائل، مثل زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال العالمي، كما لجأت واشنطن، إلى طلب المساعدة من بعض دول الخليج، من بينها قطر، للمساعدة في سد ثغرة النقص الأوروبية.

وقالت المفوضية الأوروبية، إن الغاز والغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة، وقطر يمكن أن يحل هذا العام محل 60 مليار متر مكعب، من الإمدادات الروسية، بحلول عام 2030، يمكن أن تساعد زيادة استخدام الميثان الحيوي والهيدروجين.

ولكن وبحسب كرم الشعار، فإن نقل الغاز المسال، وإنشاء أنابيب لنقله ليس بالأمر السهل، حيث يرى أن الخطط الأوروبية، تتطلب سنوات عديدة ليتم تطبيقها، والأمر الثاني، فإن ما يتم دراسته لمد أنبوب للغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا أمر صعب، فالخط بحاجة للإنشاء وهذا يحتاج لعدة سنوات، فعندما يتم الإعلان عن مشروع كهذا يكون محددا بخطة زمنية، ولكن في هذا النوع من المشاريع عادة ما يحصل تأخير في التسليم قد يتجاوز العامين، لذلك من المحتمل أن تجد أوروبا معاناة خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل ما لم يتم التوصل إلى حل في موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا، أو في الجزئية المتعلقة بإمدادات الغاز.

وأوضح الشعار، أن هناك أمرا مهما يتم تجاهله من قبل بعض الدول والخبراء في مجال الطاقة، وهو أن سوق الغاز الطبيعي في العام سوق واحدة، بمعنى إذا أراد الأوروبيون إيقاف استيراد الغاز من روسيا، واستيراده من أي جهة أخرى، فلن يؤثر ذلك على روسيا التي ستصدر الغاز للصين وجهات أخرى، أي أن لروسيا سوق بديلة عن أوروبا، فعملية بيع الغاز عالميا هي تبادل للحصص، وإيقاف استيراد الغاز الروسي لا يلغي الدور الروسي، إنما يخفف مستقبلا من قيوده على أوروبا.

ومن جهة ثانية، بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة، وشبكة الغاز الأوروبية مرتبطة ببعضها بعضا، بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت ضيقة حتى قبل الأزمة الأوكرانية.

فيمكن أن تستورد ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا، والتي أوقفت التصديق على خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الجديد من روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، الغاز من بريطانيا، والدنمارك، والنرويج، وهولندا عبر خطوط الأنابيب.

يذكر أنه، من المتوقع أن تستمر أزمة الغاز في أوروبا ما دامت الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة، ما يهدد بارتفاعات أخرى لأسعار الغاز خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، وازدياد معدل استهلاك الغاز فيه بشكل كبير.

إقرأ أيضا: تهديدات إيرانية لواشنطن بسبب إسرائيل.. أكاذيب وأوهام طهران؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة