لا يبدو أن معضلة الأزمة السياسية العراقية، والتي يشكل البرلمان ركنا أساسيا فيها، قد تنتهي في الوقت القريب، خاصة وأن الصراع بين الصدريين والمالكي بلغ ذروته، ناهيك عن أن قرار “المحكمة الاتحادية” الأخير حول حل البرلمان، زاد من حدة الأزمة.

أمس، ردت “المحكمة الاتحادية العليا” دعوى حل البرلمان، لكن قرارها تسبب بلغط كبير في الشارع العراقي؛ لأنه حمّال أوجه، وكأنها قررت سحب نفسها من الأزمة وزج الكرة بملعب الفرقاء السياسيين داخل البرلمان.

في القرار، وبّخت المحكمة البرلمان العراقي، لتجاوزه المدد الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، واعتبرته عطّل العملية السياسية، وبالتالي جزاء التعطيل هو حل البرلمان لنفسه وفق المادة 64 من الدستور العراقي.

جزء آخر من القرار، قالت فيه “المحكمة الاتحادية”، إنها لا تمتلك صلاحية دستورية أو قانونية لحل البرلمان العراقي، وأنه لا يجوز استمرار خرق المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، كما ورد في القرار.

فيتو على الصدريين

القرار القضائي، جعل “التيار الصدري” يشدّد على ضرورة حل البرلمان لنفسه عبر المادة 64 من الدستور، فيما أصر “الإطار التنسيقي” على إنهاء خرق المدد الدستورية عبر تشكيل حكومة جديدة، وبين هذا وذاك لا أحد يتنازل للآخر ولا حلول بالأفق.

اليوم، نقل صالح محمد العراقي، المعروف بكونه وزير مقتدى الصدر، في تغريدة عبر “تويتر” عن الأخير، منعه أي عودة لنواب “الكتلة الصدرية” إلى البرلمان العراقي، بعد استقالتهم منذ 3 أشهر، في رد منه على الدعوى المرفوعة للطعن بقرار استقالتهم.

محام من محافظة بابل، لا ينتمي لأي كتلة سياسية، رفع منذ أيام وجيزة، دعوى قضائية لدى “المحكمة الاتحادية” يطعن بها بقانونية استقالة نواب “التيار الصدري” من البرلمان، وحددت المحكمة 29 أيلول/ سبتمبر الجاري، للنظر بالدعوى، غير أن الصدر استبق القرار بمنعه لنوابه من العودة حتى لو صدر القرار بإعادتهم للمجلس النيابي.

حسب وزير الصدر، فإن المنع البات لعودة “التيار الصدري” إلى البرلمان، هو من أجل عدم التوافق مع الفاسدين في “الإطار التنسيقي”، وأن حل البرلمان يمكنه من خلال حلفاء “التيار” من السنة والكرد، عبر انسحابهم من البرلمان، وحينئذ سيفقد شرعيته.

وفيما عبّر مقتدى الصدر، عن قلقه من الضغوط الممارسة ضد حلفائه في “الحزب الديمقراطي” و”تحالف السيادة”، فإنه دعاهم ومعهم النواب المستقلين “من الواقفين على التل”، إلى التحلي بالشجاعة لأجل الوطن، عبر حل البرلمان العراقي، “ولن يكون الحل حينئذ تياريا بل سيكون حله وطنيا”.

عناد المالكي

بعد حل البرلمان، يبقى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على رأس حكومة لتصريف الأعمال وللإشراف على الانتخابات المبكرة أو بمعونة آخرين عراقيين أو دوليين، وفق وزير الصدر، الذي أكد أن مفاتيح المشكلة عند أولي الحل والعقد لا عند “القضاء المسيّس” ولا عند “المحاكم الخائفة” ولا عند “الكتلة الصدرية المنسحبة”.

أمام إصرار زعيم “التيار الصدري” على حل البرلمان وعدم الحوار مع “الإطاريين”، هناك عناد لدى القيادي الأبرز في “الإطار”، نوري المالكي، الذي يتزعم “ائتلاف دولة القانون”، على ضرورة المضي بتشكيل حكومة عراقية جديدة بدل حكومة الكاظمي الحالية، التي تقوم بتصريف الأعمال اليومية.

ذلك العناد تجلى واضحا من خلال تصريح صحفي، أمس لعالية نصيف، النائبة عن “ائتلاف دولة القانون” بزعامة المالكي، بقولها إن البرلمان سيعاود انعقاد جلساته في 20 أيلول/ سبتمبر الجاري، للمضي باستحقاق تشكيل الحكومة المقبلة، بحسبها.

لم ينعقد البرلمان العراقي، منذ شهرين ونصف، بعد أن اقتحمه الجمهور الصدري وأقام اعتصاما مفتوحا أمامه لمنع تشكيل حكومة إطارية محاصصاتية، ومطالبته بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

تصعيد وعنف مسلّح

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

إخفاق الصدر

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.