3 أشهر مرت على استقالة “التيار الصدري” من البرلمان العراقي، وتسليمه معظم مقاعده لخصمه “الإطار التنسيقي” الذي بات يملك الأغلبية في المجلس النيابي، لكنه إلى الآن لم يتمكن من تشكيل حكومة جديدة بعد، فما السبب؟

كان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر يسعى لتشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار” الموالي لإيران، ولما عجز عن ذلك، انسحب من البرلمان ومنح فرصة تشكيلها لخصمه “التنسيقي”.

“الإطار” استبشر خيرا بانسحاب الصدر، وقال إن الانسحاب سيجعله يتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت، لكن مر 85 يوما اليوم، ولا حكومة متشكلة بعد، ولا بوادر لأي حكومة تلوح بالأفق.

صحيح أن “الإطار” رشح السياسي والوزير السابق محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الحكومة العراقية، لكنه توقف عند لحظة الترشيح تلك ولم يتقدم خطوة إلى الأمام بعد، رغم مرور شهر ونصف على اختيار السوداني.

محمد شياع السوداني

فيتو الصدر

الأكاديمي والمحلل السياسي غالب الدعمي، يقول إن “الإطار” يحلم بتشكيل حكومة جديدة، فلا حكومة دون إذن “التيار الصدري” بحسبه؛ لأن الصدريين لن يسمحوا له بذلك بعد تحولهم نحو المعارضة من الشارع، ولو أن “الإطار” اختار تشكيل حكومة وطنية غير محاصصاتية لما خرج الصدريون ضده.

الدعمي يردف في حديث مع “الحل نت”، أن “التبار” هو التكتل الوحيد الذي يملك تأثيرا متساويا في السياسة وفي الشارع، عكس بقية القوى السياسية التي تفتقد لقوة الشارع، لذلك لا يستطيع “الإطار” تجاوز قوة “التيار” لتشكيل أي حكومة، والاعتصام الصدري آوضح دليل على ذلك.

كان الصد يون خرجوا بتظاهرات أمام البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء، تحولت لاعتصام مفتوح طوال شهر آب/ أغسطس المنصرم، قبل أن ينسحبوا بعد التصعيد الأخير للصدريين ودخول المنطقة الخضراء بصراع مسلح بين فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر وميليشيات “الإطار”.

يقول الدعمي، إن انتهاء الاعتصام الصدري لا يعني القضاء على قوة الشارع الذي يملكه “التيار”، بل يمكنه العودة أقوى بأي وقت، وهناك بوادر لـ “تشرين” ثانية مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل يشترك بها حمهور الصدر والتشرينيين ضد “الإطار”.

السبب الآخر الذي يعرقل مضي “الإطار” بتشكيل حكومة جديدة، هو أن التحالف الثلاثي بين “التيار الصدري” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”تحالف السيادة” لا زال قائما، رغم انسحاب “الكتلة الصدرية” من البرلمان، بحسب الدعمي.

الصراع الكردي

المحلل السياسي العراقي يوضح، أن حلفاء مقتدى الصدر “الديمقراطي” و”السيادة” لا زالوا داخل البرلمان والعملية السياسية، وبالتالي لا يرضون بتشكيل حكومة لا يوافق عليها زعيم “التيار الصدري”، ويعرقلون تمريرها عبر امتناعهم عن حضور جلسات البرلمان الخاصة بتشكيل الحكومة.

الدعمي يشير إلى وجود سبب آخر يمنع “الإطار” من المضي بخيار تشكيل الحكومة المقبلة، وهو الصراع الكردي-الكردي على رئاسة الجمهورية بين “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”، الذي لم يحسم بعد.

وفق الدعمي، فإنه لا يمكن تشكيل أي حكومة بحسب الدستور، ما لم يتم اختيار رئيس للجمهورية، وصراع رئاسة البلاد لا يقل شراسة عن صراع “التيار” مع “الإطار”، لذلك فإنه شبه يستحيل قدرة “الإطار” على تشكيل حكومة جديدة.

ويلفت الدعمي، إلى أن أمر تشكيل الحكومة “الإطارية” مرهون بيد الصدر والتحالف الثلاثي والتفاهم الكردي على رئاسة الجمهورية، غير ذلك لا يمكنه التقدم أي خطوة باتجاه تشكيلها، وستبقى حكومة مصطفى الكاظمي بتصريف الأعمال اليومية.

تصعيد مسلّح

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

انغلاق سياسي

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

قيادات “الإطار التنسيقي”

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.