منذ زمن بعيد ولعقود عديدة، اقتضت العادة بين البدو وسكان محافظة السويداء في المناطق الحضرية إرسال “الكسح”، من أجل تجنب برد الشتاء إلا أن هذه العادة اندثرت بعد التقدم التكنولوجي، ولكن وفي ظل الارتفاع العبثي في أسعار أجهزة التدفئة والوقود مثل المازوت والحطب، عاد جلب “الكسح”، مؤخرا في سوريا إلى الواجهة، محملة بجرارات وبسعر غير زهيد، يصل إلى 300 ألف ليرة سورية للنقلة.

ما هو “الكسح”؟

كأحد المنتجات الحيوانية الثانوية، أنتج المزارعون سابقا “الكسح”، فهو مكون من خليط مخلفات الجمال والماعز والأغنام، يتم صناعتها في فصل الصيف، حيث يغلق على الأغنام داخل الحظائر، لتشكل بتجمعها من فضلاتها وترسبها تحت أقدام المواشي، طبقة تسمى “الكسح”.

ووفقا لتقرير نشره موقع “السويداء 24” المحلي، أمس السبت، فإن “المادة التي أخفاها الزمن ونساها الناس، والكثير من الأجيال لا تعرفها، عاودت الظهور بعد تقاعس الحكومة السورية عن واجباتها بتأمين وسائل التدفئة الحضارية للسكان، ومع قلّة توفرها وصعوبة الاستغناء عنها من مالكيها، يقدّر ثمن النقلة الواحد بواسطة جرار زراعي أو سيارة بيك أب، صغيرة الحجم بسعر 300 ألف ليرة”.

وبحسب ما نقله الموقع، فإن عودة “الكسح”، بثت الريبة في هاجس الكثيرين وأثار حفيظة من لم يألفه، لأنه من الصعب أن يتقبل فكرة استخدامها من جديد، إلا أنه في عصرها، كانت من الوسائل الفريدة المدرجة بالاستخدام داخل المنازل، ولا سبيل لاستبدالها.

“العرجوم”.. وسيلة أهل الزيتون

ليس عودة “الكسح”، لأهالي منطقة السويداء أمرا جديدا في سوريا، فمنذ سنوات سابقة أعيد العديد من الأهالي في عدة مناطق وسائل تدفئة بدائية مضى عليها الزمان، كمنقل التمز (العرجوم).

في عموم سوريا، لجأ الأهالي إلى استخدام مخلفات عصر الزيتون الرطبة في المعاصر للتدفئة وطهي الطعام، لرخصه، مقارنة بالجاف منه، وغيره من مواد التدفئة، فمع دخول موسم قطاف وعصر الزيتون، يتهافت الأهالي لشراء مخلفات عصر الزيتون، أو ما يعرف عندهم باسم “التمز”، إذ يباع بـ 2000 ليرة سورية للكيلو الواحد، بينما يباع الجاف منه بـ 10 آلاف ليرة”.

ومع دخول شهر أيلول/سبتمبر من كل عام، يتم العمل على شراء المادة وتجفيفها تحت أشعة الشمس، وتجهيزها على شكل قوالب صغيرة، من أجل استخدامها للتدفئة وطهي الطعام، وغيرها من الاستخدامات، إذ إن خمسة قطع من “التمز” تكفي عائلة للتدفئة لمدة ساعة.

الحطب مقابل المازوت

مع اقتراب فصل الشتاء وندرة المازوت، نمت تجارة الحطب مع بحث بعض السوريين عن وسائل تدفئة بديلة قبل حلول الأشهر الباردة، وخوفا من تكرار الوضع الذي كان سائدا في العام الماضي، حيث كانت معظم العائلات تعتمد على وعود لتوفير المازوت ولكنها لم تتلقَ الدفعة الثانية، مما أدى إلى ظهور مافيات جديدة لهذه التجارة.

في الأسبوع الفائت، قال عبد الرزاق حبش، أمين سر جمعية حماية المستهلك، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، إن عدم توفّر مادة المازوت خلال العام الماضي كان درسا للمواطنين، لأن عدم التزام وزارة النفط بتوزيع مادة المازوت أدى إلى زيادة ملحوظة في نسبة أمراض الشتاء، مما سبب لهم الخوف اليوم. ولتجنب تكرار ما حدث، لجأ المواطنون إلى بدائل مثل شراء الحطب، أو إخفاء الورق المقوى والمواد البلاستيكية المضرة بالبيئة التي جمعت من الشوارع والأزقّة.

وتابع: “طن الحطب يكلّف ما بين مليون ومئتي ألف ليرة، في دمشق حسب جودة الحطب، مع العلم أن العائلة تحتاج إلى كميات كبيرة للتدفئة وفق برودة المنطقة، مع إضافة أعباء أخرى لتأمين المال لشراء هذه المادة، علما أن فصل الشتاء لم يبدأ بعد، لكن خوفا من فقدان الحطب في الأسواق، يلجأ بعض المواطنين لخزنه في ظروف غير صحية”.

رغم تحديد السعر الرسمي للطن الواحد من الحطب بـ 300 ألف ليرة، إلا أن وزارة الزراعة غير قادرة على تأمين الكميات التي يحتاجها المواطن نتيجة لفقدان مادة المازوت، لذا يرى حبش، أنه من الضروري إيجاد سبل لتأمين مادة المازوت عن طريق توزيع الحصص على العوائل لتغطية جزء من الحاجة.

الجدير ذكره، أن أزمة الكهرباء والوقود في سوريا تتفاقم يوما بعد يوم، دون أن تتمكن الحكومة ووزارة الكهرباء من إيجاد أي حلول، ولا يوجد سوى الوعود بالتخفيف من التقنين على الرغم من انتهاء فصل الشتاء، إلا أن الأمور لم تزدد إلا سوءا، ولذلك كان لا بد للمواطنين من البحث عن بدائل تمكّنهم من متابعة حياتهم كشراء الحطب، أو إعادة إحياء وسائل التدفئة القديمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.