الكثير من النازحين الإيزيديين في إقليم كردستان، دخلوا مؤخرا في دوامة من القلق، بعدما أوقفت منظمات دولية مساعداتها لهم، بدءا من تموز/يوليو 2022، وقللتها أخرى قبل ذلك، وبنحو كبير، بسبب عدم امتلاكها الأموال الكافية.

المنظمات بررت وقف أو تقليص نطاق مساعداتها بقلة الأموال، إلا أن مطلعين على ملف الإعانات المقدمة للنازحين، يؤكدون بأن سبب ذلك هو اكتشاف عمليات فساد كبيرة في ملف الإعانات المقدمة للنازحين والمتهم فيها، منظمات و جهات محلية.

بينما يرى آخرون أن السبب هو توجه اهتمام المنظمات الدولية الإنسانية نحو شرق أوروبا حيث الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي خلّف ملايينا من النازحين الأوكرانيين، في مختلف الدول الأوربية.

اقرأ أيضا: الذكرى الثامنة للإبادة الإيزيدية.. سنجار يفقد هويته؟

يحدث هذا في وقت مازالت فيه 37 ألف عائلة إيزيدية عالقة في المخيمات، وكثير منها فقدت ممتلكاتها ومعيليها، إثر هجوم تنظيم “داعش” الإرهابي، على قراهم ومجمعاتهم السكنية في سنجار، غربي نينوى يوم الثالث من آب/أغسطس 2014.

عقوبة غير متوقعة

وقف الدعم الأممي عن النازحين الإيزيديين، كارثة وعقوبة غير متوقعة للضحايا الأبرياء وذويهم، وفق بيان لـ “الهيئة العليا” لمركز “لالش الثقافي والاجتماعي”، صدر بتاريخ 3 آب/أغسطس الفائت، بمناسبة الذكرى الثامنة لهجوم التنظيم على سنجار، ذّكرت خلاله المجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه المكون الإيزيدي، وإلى إيجاد حلول جذرية للنازحين الإيزيديين، الذين لا يستطيعون العودة إلى سنجار، التي أصبحت ملعبا دوليا للصراع الإقليمي، بوجود قوى مسلحة قادمة من وراء الحدود، وفصائل مسلحة، لا تخضع لسلطة بغداد، ولكل منها أجندتها الخاصة تتوافق مع الجهات الداعمة والممولة لها.

عدم استقرار الأوضاع في سنجار، والخوف من تكرار تجربة 2014، وفقدان الثقة بالجهات الرسمية، هي الأسباب الرئيسية التي منعت آلاف العائلات الإيزيدية من ترك المخيمات، بحسب حديث، الناشط المدني سلوان خدر، لـ “الحل نت”، فالمساعدات الدولية، وعلى قلتها، تعد مصدرا وحيدا للدخل بالنسبة للكثير منهم، ولاسيما العوائل التي تضم نساء وأطفالا فقط أو مصابين بأمراض مزمنة.

الهيئة دعت أيضا، إلى وقف ما وصفته بالحلول الترقيعية لمعاناة أهل سنجار، والبدء بإيجاد حلول جذرية حاسمة برعاية دولية، والعمل على تطبيق (اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار) بحذافيرها ومعاقبة أية جهة تحاول تعطيلها.

الاتفاقية التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر2020 بين حكومتي العراق المركزية (في بغداد) وإقليم كردستان، تضمنت، تولي الشرطة المحلية، وجهازي الأمن الوطني، والمخابرات حصرا، المسؤولية الأمنية في القضاء، وإنهاء تواجد أي قوى أخرى سواهم؛ إضافة لتشكيل لجنة مشتركة بين الحكومتين، لإعادة إعمار القضاء، فضلا عن تعيين قائم مقام جديد ومستقل.

بعد نحو سنتين من إبرام هذا الاتفاق، إلا أن أيا من فقراته لم يتم تنفيذها، وأدى نزاع مسلح في ناحية الشمال التابعة لسنجار، مطلع شهر أيار/مايو،2022 بين القوات العراقية وفصائل مسلحة، إلى نزوح نحو 10 آلاف شخص وعودتهم إلى مخيمات، كانوا قد تركوها منذ حين في إقليم كردستان، بعد مكوث امتد لسنوات.

ميزانيات غير كافية

المساعدات المالية التي كانت توزع من قبل “برنامج الغذاء العالمي” تتراوح بين 10 إلى 12 ألف دينار عراقي للفرد النازح الواحد شهريا، أي ما يعادل 6-8 دولار أميركي، ومنذ تموز/يوليو 2022 تم قصر هذه المساعدات على العائلات الأكثر فقرا في كل مخيم من المخيمات الـ 26 الموجودة في إقليم كردستان، وفق شهادات نازحين في تلك المخيمات، لـ “الحل نت”.

غالبية النازحين الإيزيديين، سيعانون من فقر مدقع، لأن الاقليم أصلا يمر بأزمة اقتصادية، وفرص العمل قليلة بالنسبة للقادرين عليه، فكيف بمن لا يقدر على العمل، بحسب حديث شوكت حسو، أحد النازحين في مخيم “جم مشكو”، لـ “الحل نت”

مدير دائرة الهجرة والمهجرين في دهوك بير ديان جعفر، أكد ذلك في تصريحات صحفية ونقل عن ممثلين عن “برنامج الغذاء العالمي” قولهم، إن الميزانية المتوافرة لم تعد كافية لتغطي احتياجات كامل النازحين، وذكر أيضا، أنه طلب من منظمات دولية أخرى، التعويض عن ذلك بتوفير المساعدات لجميع النازحين، لكنه لم يحصل على إجابة وفقا لما ذكر.

منظمة “اليونيسيف” كذلك انسحبت من مخيماتٍ في الإقليم، ومثلها فعلت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، التي انسحبت من مخيمي “بردرش” و”آكري”، وفق حديث، مصدر مطلع في إقليم كردستان معني بملف النازحين، (فضل عدم ذكر اسمه)، لـ “الحل نت”، ونفى أن تكون ميزانيات المنظمات الدولية غير الكافية وفقا لما يشاع، هي السبب وراء تقليل المساعدات المقدمة للنازحين.

الفساد هو السبب، بحسب المصدر، والذي أشار إلى أن جهات ومنظمات محلية عاملة في مخيمات النازحين، رفض أن يسميها، كانت متورطة في قضايا فساد عديدة.

كان بالوسع رؤية المدافئ النفطية أو مبردات الهواء أو الأغطية وغيرها من المستلزمات المنزلية، التي توزعها المنظمات الدولية، على النازحين الايزيديين في مخيماتهم وهي معروضة في أسواق الإقليم وبكميات كبيرة.

هنالك من كان يستولي عليها ويوجهها للأسواق بدلا من المخيمات، وعلى الرغم من عدم حصولنا على تأكيدات بهذا الخصوص من مصدر رسمي، إلا أن العديد من النازحين الإيزيديين أكدوا ذلك، لـ “الحل نت” وبينوا بأن الأمر معروف منذ 2014 وهي السنة التي افتتحت فيها مخيمات النازحين بإقليم كردستان.

المساعدات لن تغير الواقع

المساعدات الإغاثية للنازحين الإيزيديين في إقليم كردستان سواء الغذائية منها أو الصحية تم تقليلها بدرجة كبيرة منذ نحو سنتين، وفق حديث الإعلامي ميسر أداني، لـ “الحل نت”.

 اهتمام الإيزيديين، لم يعد منحصرا بالمساعدات المقدمة إليهم، بحسب أداني، وقد أخذوا على عاتقهم مسألة إبراز قضيتهم، ورفعوا من سقف مطالبهم بحقوق كاملة في البلاد، فالكثير منهم، بات مؤمنا تماما، بأن المساعدات الإنسانية، لن تغير من واقعهم بشيء، فهم نازحون وغير قادرون على العودة إلى مناطقهم، التي طردوا منها، وقتل آلاف منهم ومازالت 2600 امرأة وطفل مفقودين إلى الآن.

وعن كيفية مواجهة النازحين الإيزيديين لحجب المساعدات عنهم، يقول أداني، الغالبية العظمى من العائلات الإيزيدية في المخيمات، اندمجت مع المحيط الكردي، وأفرادها يعملون في البساتين والمزارع أو كعمال والبعض افتتحوا مشاريعهم الخاصة، كما أن معظم العائلات لديها أفراد مهاجرون في أوربا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وغالبيتهم يرسلون وبنحو دوري مبالغ لذويهم تعينهم بعض الشيء.

بعثة الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في العراق، كانت قد ذكرت في تقريرها بشأن متطلبات الاحتياجات الإنسانية لعام 2022 وخطة الاستجابة الإنسانية لدعم النازحين والعائدين، أن العاملين على المساعدات الإنسانية في العراق يسعون للحصول على 400 مليون دولار لتغطية نفقات مساعدة 991 ألف نازح وعائد في عدة محافظات متضررة من الحرب في البلاد.

وهذا يعني أن مبالغ المساعدات الإنسانية في العراق تشهد تناقصا على مدى السنوات الأخيرة، فبعد أن كان المرصود منها سنة 2016 قد بلغ 1.8 مليار دولار، نجد أن هنالك صعوبة في تأمين 400 مليون دولار في 2022، وهو ما يفسر وقف أو تحجيم المساعدات المقدمة للنازحين الإيزيديين في العراق.

وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، أغلقت جميع مخيمات النازحين في العراق باستثناء مخيم الجدعة في نينوى، ومخيمات الإيزيديين في محافظتي دهوك وأربيل.

وهذه المخيمات هي (جم مشكو و بيرسفي 1 وبيرسفي 2 وباجند كندالا في قضاء زاخو،  وقاديا وخانك في قضاء سميل، وكبرتو وشاريا في محافظة دهوك، وايسيان وباعذرة وشيخان ومام رشان في قضاء شيخان ومخيم داودية في قضاء عمادية ومخيم عربت في محافظة السليمانية).

قد يهمك: البرلمان الألماني يعترف بالإبادة الجماعية ضد الإيزيديين العراقيين 

منظمات دولية، قللت من جهتها حجم المساعدات التي تقدمها للنازحين في هذه المخيمات منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير2022، وخصصت جزءا كبيرا من الدعم الذي تقدمه للنازحين الأوكرانيين وهم بالملايين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.