يبدو أن تصريحات وزير التجارة الداخلية السوري، عمرو سالم، حول تكلفة ربطة الخبز على الدولة، والتي قال إنها بحدود 3700 ليرة، تحوي في طياتها الكثير ولربما تشهد الأيام المقبلة ارتفاعا جديدا لأسعار الخبز في سوريا.

تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار بعد قرار “البنك المركزي السوري”، على التكلفة المادية للمواد داخل سوريا، لن يكون بالشكل الكبير حسب ما وصفه بيان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والذي بذات الوقت استثنى من ذلك، السلع التي يمولها البنك المركزي.

وأشار بيان صادر عن “الوزارة”، على صفحتها على موقع “فيسبوك”، مؤخرا، إلى أن القمح والأدوية عالية الجودة وحليب الأطفال هي المواد التي ستتأثر بارتفاع قيمة الدولار، لأنها تمول من قِبل “البنك المركزي السوري”، فيما لن تتأثر بقية الأصناف التي تستوردها مؤسسات الدولة، لافتة إلى أن زيادة أسعار أي منتج سواء كان سلعة غذائية أو غير غذائية أمر غير مبرر، ومن يفعل ذلك يتعرض للعقاب.


ارتفاع حاد

الخبير الاقتصادي أيمن الفارس، قال خلال حديث لـ”الحل نت” إن أسعار المواد الأولية والاستهلاكية ستشهد ارتفاعا حادا، وفي مقدمتها الخبز، لاسيما وأن إيعاز المركزي بضعف العملة الرسمية، سيؤدي إلى خفض سعرها أيضا في السوق السوداء التي يعتمد عليها 70 بالمئة، من السوريين سواء التجار أو المواطنين.

ويبدو أن استباق وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بالتمهيد لارتفاع أسعار الخبز بشكل رئيسي جاء ليبرر ارتفاعها لاحقا، خصوصا وأنه في ظل فوضى الأسعار التي تعاني منها الأسواق السورية، وفشل الإجراءات الحكومية في ضبط السوق، لم تسلم العديد من المواد الرئيسية وفي مقدمتها الخبز من الأزمة.

ويشير الفارس إلى أن رقم الوزير قد يكون صحيحا (3700 ليرة للربطة) في حال تم احتساب سعر القمح على تكلفة الاستيراد وسعر الصرف على سعر السوق السوداء.

وتساءل الخبير الاقتصادي خلال حديثه لـ”الحل نت” عما إذا كان حديث الوزير عن تكلفة الربطة من أجل تحميل المواطن المزيد من المنية في حجم الدعم المقدم أم هو عبارة عن تمهيد لرفع سعر ربطة الخبز.

وزارة التجارة الداخلية تقول بأن وزن ربطة الخبز 1100 غرام، لكن وزنها الحقيقي لا يتجاوز 1000 غرام، فكل 2 كيلو ونصف طحين ينتج عنهم 3 كيلو غرامات خبز، وفي حال تم تحييد الفساد الحاصل وتقادم الآلات جانبا، فإن تكلفة ربطة الخبز لا تتجاوز 2300 ليرة. وفيما إذا قررت الحكومة رفع سعر الخبز؛ فإن ذلك سيخلق ردة فعل سلبية في ظل الفقر الذي يعيشه المواطن.

لقد أصبحت سوريا اليوم أغلى بلد بأسعار السلع بين كل دول المنطقة وأقل رواتب في المنطقة، بحسب الفارس، ولا يمكن أن تقارن رواتب الموظف في سوريا مع رواتب الموظفين في دول المنطقة، لافتا إلى أن همّ الحكومة اليوم تحصيل الأموال وكلما كان تحصيلها للأموال أكبر فإنه وفق منظورها يعتبر هذا الأمر نجاحا، يُحسب لها.


جفاف وتغير مناخي

منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو”، قالت إن محصول القمح في سوريا لعام 2022 بلغ نحو مليون طن، بانخفاض 75 بالمئة عن مستويات ما قبل 2011، في حين أن الشعير بات “شبه منعدم”.

ووفق تقرير لوكالة “رويترز”، قال ممثل المنظمة في سوريا، مايك روبسون، إن “عوامل تغير المناخ، وتعثر الاقتصاد، والقضايا الأمنية العالقة، تجمعت لتلحق ضرراً بالغاً بإنتاج سوريا من الحبوب عام 2022، ما ترك أغلبية مزارعيها في مواجهة وضع حرج”.

وأضاف روبسون: “تغير المناخ ليس التحدي الوحيد، لكن في دولة مثل سوريا، هناك صعوبة مضاعفة مع ارتفاع التضخم وانعدام الكهرباء وعدم وجود مدخلات إنتاج جيدة، بجانب بعض القضايا الأمنية العالقة التي لا تزال مستمرة في بعض أجزاء البلاد”.

وتعاني حكومة دمشق من صعوبات للحصول على القمح من السوق الدولية، فعلى الرغم من أن الشحنات الغذائية لا تخضع للعقوبات الغربية، جعلت القيود المصرفية وتجميد الأصول معظم الشركات التجارية تتجنب التعامل مع دمشق، بحسب تقرير “رويترز”.

وتأتي معظم شحنات القمح من روسيا، حليفة دمشق، لكن منذ شباط/فبراير الماضي، أوقف “غزو” موسكو لأوكرانيا تدفق صادرات الحبوب من البحر الأسود لعدة أشهر، رافقه ارتفاع في أسعار القمح العالمية.

يعتمد نحو 70 بالمئة من محصول القمح في سوريا على هطول الأمطار مع تداعي أنظمة الري بسبب الصراع، ومقارنة بالمساحات المزروعة، بلغ المحصول نحو 15 بالمئة مما كان يتوقعه المزارعون من مناطق زراعة القمح التي تعتمد على الأمطار، بحسب منظمة الـ “فاو”. 

أدى عدم انتظام هطول الأمطار في الموسمين الماضيين إلى تقلص محصول القمح في سوريا، الذي وصل إلى نحو أربعة ملايين طن قبل بدء الصراع، حين كان يكفي حاجة البلاد والتصدير إلى الدول المجاورة، بحسب روبسون.

وأشار روبسون إلى أن فترات هطول الأمطار، كانت تتركز في أوقات بعينها ولم تتبع الأنماط التقليدية، حيث توقفت الأمطار في أوائل آذار/مارس، في حين أدى التأخر في هطول الأمطار إلى تعطل المزارعين، ولم يتمكنوا من تجهيز أراضيهم في الوقت المناسب.


انخفاض في مستوى الإنتاج

عادة ما يزرع المزارعون في سوريا محصولهم من القمح في الفترة ما بين تشرين الثاني/نوفمبر، وكانون الأول/ديسمبر، ويحصدون المحصول في الفترة من أيار/مايو إلى حزيران/يونيو، وكان الهكتار الواحد من الأراضي المروية والمزروعة بالقمح ينتج بين ثلاثة وأربعة أطنان، لكنها أنتجت نحو طنين فقط هذا العام.

وأصبح المزارعون الذين لم يتمكنوا من تحقيق ربح خلال العامين الماضيين “منهكين ماليا”، وقد يفكرون في البحث عن مصادر دخل أخرى، دون تحمل المزيد من الديون لزراعة المزيد من الحبوب، وأكد روبسون أن ظروف الزراعة المعتمدة على الأمطار تظل “غامضة ومحفوفة بالأخطار للغاية حاليا”.

وتقدّر المنظمة وجود حاجة لاستيراد نحو مليوني طن من الخارج، لتوفير الغذاء لسكان المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق.

في حين كانت سوريا تنتج ما يتراوح بين أربعة ملايين وخمسة ملايين طن من أعلاف الشعير سنويا لإطعام مواشيها، إلا أن العديد من المربين يواجهون صعوبات هذا العام للحفاظ على مصدر رزقهم.

ومع انعدام محصول الشعير، فضّل بعض رعاة الأغنام التخلص من حيواناتهم وبيع معظمها، بالنظر إلى كونهم غير قادرين على إطعامها.

وقال روبسون، “عندما يحتاج مربو الأغنام إلى شراء الأعلاف، فإنهم عادة ما كانوا يبيعون حيوانا واحدا لشراء طن من الشعير، وهو ما يمكنهم من إطعام 20 حيوانا بها، لكنهم سيحتاجون، هذا العام، إلى بيع عشرة حيوانات للحصول على ذات الكمية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.