الكهرباء الشغل الشاغل، والقلق الدائم الذي يرافق السوريين منذ سنوات، حيث الانقطاع لساعات طويلة تحت مسمى التقنين، ووعود حكومية صارت مثار سخرية لشريحة كبيرة، وتصريحات أصبحت مناسبة للتندر الذي يخفي تحته الكثير من الأسى على الواقع، والرغبة بأن يعيش السوريين كبقية الشعوب التي تجد الخدمات الأساسية التي تعتبر أبسط حقوقها.

الشتاء بات يطرق الأبواب بما يحمله من ثقل على تكاليف الحياة، وما يُخفي معه من مخاوف باستمرار الأوضاع على ما هي عليه دون تحسّن، وتصريحات مسؤولي الخدمات التي تبيّن أن الأمور على حالها، كل الظروف السيئة تحيق بالسوريين ولا انفراجة تلوح في الأفق.

ليل العاصمة الثقيل

دمشق، التي تغرق بالظلام منذ سنوات على الرغم أنها العاصمة التي يُفترض بحسب أهلها أن تكون الكهرباء فيها الأفضل من بين المدن السورية، لا لأن أهلها أفضل من بقية السوريين، ولكن لأنها تمثل سوريا ككل وفيها يعيش مسؤولو البلد.

استخدام البطاريات للإنارة في سوريا “وكالات”

هند حسن، سيدة دمشقية أربعينية، موظفة حكومية في قطاع التعليم، تعيش في القابون مع زوجها وأبنائها، تتحدث إلى “الحل نت” عن الحياة والكهرباء قائلة: “نحن نعيش في العاصمة ومن المفروض أن تكون الكهرباء بوضع جيد، ساعات التقنين تصل أحيانا إلى 6 أو 7 ساعات قطع وساعة وصل كحد أقصى، لا نعرف ماذا سنفعل خلال هذه الساعة، هناك غسيل وكوي والعديد من الواجبات التي تتراكم، حتى الاستحمام صار صعبا، وتسخين الماء نحسب له ألف حساب بسبب الغاز، دمشق تغيرت كثيرا، لم نعُد نحب أن نسهر كما في السابق، بات ليل دمشق ثقيلا جدا”.

تضيف هند، “الشتاء على الأبواب، لقد عانينا في الشتاء الماضي من قطع الكهرباء، فقد تجاوزت ساعات القطع العشرة أحيانا، وفي هذا العام لم نلاحظ أي عمليات إصلاح وصيانة، لا نعتقد أن الوضع سيكون أفضل، المكتوب مبين من عنوانه”.

إقرأ:تحسن الكهرباء في حلب.. ما حقيقة ذلك؟

بطاريات وألواح طاقة و”ليدات”

الحرب في سوريا وما خلفته من دمار هائل للبنية التحتية وعلى رأسها شبكة الكهرباء، وعدم جدية الجهات الحكومية المختصة على صيانتها، أجبرت السوريين اللجوء إلى بدائل متنوعة، ولكنها أيضا تكاد تكون محددة ببعض الأشياء الرئيسية لدى الغالبية، وفي حالات قليلة تكون أشمل لدى البعض، لتجاوز معضلة عدم توفر الكهرباء.

في درعا، تتنوع أساليب مواجهة انقطاع الكهرباء لدى الأهالي، ولكنها تختلف بحسب وضع العائلة المادي، لكنها تبدأ من البطاريات الجافة وتنتهي بألواح الطاقة الشمسية التي تولد الكهرباء لمنزل كامل.

عبدالعزيز، يعيش في بلدة المزيريب مع عائلته، يعمل مزارعا، يتحدث لـ”الحل نت”، “لم يتم إجراء صيانة حقيقية للشبكة منذ العام 2012، ولا زلنا نعاني من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ومن أجل ذلك كان لا بدّ من توفير الحد الأدنى من احتياجات المنزل للأشياء الرئيسية، فقمت بشراء بطارية جرار زراعي منذ سنتين وكان سعرها 250 ألف ليرة، وهذه البطارية يتم شحنها عندما تعمل الكهرباء من خلال شاحن خاص، ومن خلالها وصلت الكهرباء إلى مصابيح تدعى هنا (ليدات)، وضعناها في الغرف الرئيسية، كما تمكنت من تشغيل شاشة تلفزيون صغيرة، ومخرج كهرباء واحد لشحن الهواتف، ومؤخرا تعطلت البطارية واشتريت بدلا منها لكنها أصبحت تُباع بـ750 ألف، كل شيء ارتفع سعره الوضع يسير نحو الأسوأ”.

أما سلطان، من منطقة الطبريات المجاورة لتل شهاب، يروي لـ”الحل نت”، تجربته المختلفة والتي كلفته موسم العنب كاملا، ويقول” في الصيف الماضي، قررت أن أقوم بتركيب ألواح للطاقة الشمسية لكل المنزل، وبعد أن بعت محصول العنب الذي كان جيدا اشتريت 18 لوح طاقة شمسية من القياس الكبير، وعدد من البطاريات للتوزيع و هي أيضا قابلة للشحن عندما تعمل الكهرباء، وتمكنت من تشغيل كهرباء منزلي المكوّن من 3 غرف مع المنافع بشكل كامل ولكل الأدوات الكهربائية، يكفي أن تشرق الشمس ساعة أو ساعتين يوميا حتى يتم الشحن، كل ذلك كلفني حوالي 25 مليون ليرة سورية، لكن ذلك أفضل من انتظار وعود حكومية، والتي تُعتبر إبر مخدرة ليس أكثر”.

حوامل الطاقة حجة التقنين للشتاء القادم

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم الخميس الفائت، نقل عن مدير المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، المهندس هيثم الميلع، قوله إن “وضع التقنين الكهربائي خلال الشتاء القادم مرتبط بحوامل الطاقة وبالتالي إذا كان هناك مردود إضافي بحوامل الطاقة فسنشهد تحسّنا، ونحن نسعى دائما لوضع كافة الإمكانيات لتحسين الواقع الكهربائي”.

وأردف الميلع، “توليد الكهرباء مرتبط بحوامل الطاقة ونحن بدورنا في المؤسسة نوزع الطاقة المولدة على المواطنين، فإذا زاد الاستهلاك أكثر من الكمية سنواجه انقطاع بالكهرباء بالتأكيد”.

وبحسب الميلع، فإن الحماية الترددية موجودة في كل المحطات الكهربائية في العالم، وإذا كان حجم التوليد بنفس حجم الاستهلاك فلا تعمل الحماية، أما إذا كان التوليد أقل من الاستهلاك فتعمل مباشرة وتؤدي لحدوث الفصل.

بحسب مختصين، في وقت سابق لـ”الحل نت”، فإن كمية التوليد للكهرباء في سوريا أقل من الاستهلاك بنسبة كبيرة، وعمليات الصيانة للمحطات الرئيسية شبه متوقفة، وتقتصر الصيانة على الشبكات والأعمدة والأسلاك، متسائلين ما فائد الأسلاك دون وجود كهرباء؟

تشجيع للتوجه للطاقة الشمسية عبر القروض

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأحد، نقل عن مدير صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة في وزارة الكهرباء، زهير مخلوف، حديثه عن تطبيق خاص لاستقبال طلبات الراغبين بالاستفادة من التمويل الذي يمنحه الصندوق لغرض تركيب منظومات الطاقات البديلة يجري العمل على إنجازه، متوقعا أن يكون متاحا في مقر الصندوق، وبعض الفروع خلال شهر، حيث يسمح التطبيق باستقبال الطلبات والأوراق والمستندات المطلوبة عن بُعد، ودراسة هذه الطلبات وإحالة الطلب للمصرف من دون الحاجة لقدوم المستفيد إلى مقر الصندوق، أو الفروع في المحافظات.


دمشق ليلا “وكالات”

وكشف مخلوف، أنه يتم حاليا إحصاء الطلبات المقدمة لفروع الصندوق لدراستها وإحالتها للمصارف، متوقعا أن يتم إحالة المجموعة الأولى من الطلبات مع بداية الشهر المقبل تشرين الأول/أكتوبر.

وحول آلية الحصول على التمويل، أوضح مخلوف، أنها تتم من خلال دراسة المشروع وتطبيق الأسس والمعايير المطلوبة، فالقرض المنزلي يُمنح من دون فائدة أو يتم عبر برنامج دعم فائدة القروض، دعم الفائدة على قرض باستطاعة كهروضوئية أو عنفة ريحية أو كلتيهما معا، لافتا إلى أنه يتم الكشف عن المكان المناسب للمشروع ميدانيا فإذا كان المكان خاصا يكفي تقديم فاتورة لعداد الكهرباء، وفي حال كان ملكية جماعية يجب الحصول على موافقة المحافظة أو المجلس البلدي، وبعد ذلك يقوم الصندوق بتحويل المستفيد للمصرف التجاري للحصول على دعم لمشروعه، ليقوم المصرف بدراسة المشروع حسب قوانينه وأنظمته على أساس الاتفاق الذي تم اعتماده مع كل المصارف العامة والخاصة في سوريا.

وفي حال كانت الحالة الائتمانية للمستفيد جيدة، بيّن مخلوف، أنه يتم إخطار الصندوق بإقراضه ليقوم المستفيد باختيار شركة مؤهلة ومعتمدة من المركز الوطني لبحوث الطاقة، تعمل في إطار الطاقات المتجددة لتنفيذ المشروع معها بإشراف الصندوق، وعند الإنجاز هناك محضر انتهاء أعمال موقّع من المستفيد والجهة المنفّذة وممثل الصندوق، لافتا إلى أنه يمكن لأي شخص مستهلك لحوامل الطاقة من القطاع الخاص الاستفادة من دعم الصندوق، وليس بالضرورة أن يكون موظفا.

وبالنسبة لدعم القطاعات المختلفة بمشاريع الطاقة وضّح مخلوف، أنه بالنسبة للقطاع المنزلي أجاز الصندوق تقديم دعم مئة بالمئة من تكلفة إنشاء المشروع بمدة إقراض 15 عاما مع إمكانية وجود شريك بالدفع مع المستفيد.

أما على الصعيد الزراعي فالصندوق يدعم أي مشروع أو نشاط زراعي مرخّص، كضخ المياه من الآبار، أو وحدة تبريد للفاكهة، أو مدجنة، أو هاضم حيوي للمخلفات لإنتاج غاز عضوي، حيث يتم الدعم باستطاعة سقفها 20 كيلو واط ولمدة عشر سنوات، وهذا الكلام ينطبق على القطاعات الصناعية والخدمية، أما المنزلية بمدة 15 عاما وفي القطاع الصناعي سقف الدعم 20 كيلو واط لمدة خمس سنوات، وأن هناك قرضا لتوفير حوامل الطاقة ضمن القطاعات الصناعية والخدمية والتجارية واسمه رفع كفاءة الطاقة.

فواتير كهرباء مرتفعة

في أيار/مايو الماضي، أظهرت فواتير استهلاك الكهرباء، الارتفاع الكبير الذي طرأ على فواتيرها، لاسيما في الدورة الأخيرة التي شملت شهري كانون الثاني وشباط من العام الجاري، فقد وصلت فواتير الكهرباء الصادرة في دورتها الأخيرة، إلى مبالغ تجاوزت 20 ألف ليرة سورية، بعد أن كانت لا تتجاوز مبلغ 3 آلاف ليرة سورية، في الدورات الصادرة، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

انتشار ألواح الطاقة الشمسية في سوريا “وكالات”

وحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن بعض الفواتير وصلت إلى مبالغ كبيرة جدا، تراوحت بين 50 و70 ألف ليرة سورية للاشتراك المنزلي، مضيفا إلى أنها في مناطق تُقطع فيها الكهرباء لساعات طويلة، فيما لم يحصل المشتركون على أي نتيجة من تقديم اعتراضات لمؤسسة الكهرباء، وأن المؤسسة اكتفت بتقسيم الفاتورة على أشهر تحت بند “الشرائح”.

وفي نيسان/أبريل الفائت، صدرت فواتير كهرباء بتسعيرة جديدة، على الرغم من التقنين لساعات تكون معها الكهرباء نادرة معظم الأحيان، وبيّنت هذه الفواتير أن معظم المستهلكين الذين استهلكوا 1500 كيلو واط، وصلت قيم فواتيرهم بعد التعرفة الجديدة لحدود 16 ألف ليرة، بدل من 6100 حسب التعرفة السابقة، في حين من استهلك ألفي كيلو واط بلغت قيمة فاتورته 77500 ليرة، بدلا من 12 ألف حسب التعرفة السابقة، في حين وصلت قيمة الفاتورة ذات الاستهلاك 2500 كيلو واط إلى 130 ألف ليرة، بدلا من 18 ألف ليرة.

ويبلغ إجمالي المشتركين في القطاع المنزلي نحو4,5 ملايين مشترك، منهم 3,5 ملايين استهلاكهم ضمن الشريحة الأولى من 1-600 كيلو واط في الدورة، وهو ما يمثل نحو 70 بالمئة، من المشتركين المنزليين وبالتالي لا تتجاوز قيم فواتيرهم في الدورة 1200 ليرة، حسب قسم التخطيط في وزارة الكهرباء.

قد يهمك:“أوضاعها صعبة”.. تقنين الكهرباء في سوريا مستمر

لا يبدو من خلال التصريحات الحكومية الأخيرة أن الكهرباء ستشهد تحسنا خلال الشتاء، وفي الوقت نفسه تحاول الحكومة دفع الناس نحو خيار الطاقة البديلة عبر قروض طويلة الأمد، المستفيد منها هي الحكومة التي ستسترد تلك القروض مع فوائدها، كما ستعمل شركات هي من يقوم بتحديدها للعمل على الطاقة البديلة، ليبقى السوريون بين خيارات ضيقة ربما لن يكون هناك مفر من اللجوء إلى أحدها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.