في سابقة غير مسبوقة، وفي خضم المتغيرات الإقليمية والدولية، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان عبد العزيز، يوم أمس الثلاثاء، أمرا ملكيا بتعيين نجله الشاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (37 عاما) رئيسا لمجلس الوزراء، وهذا أمر غير مسبوق لأنه عادة ما يكون الملك في السعودية كرئيس للوزراء، ويبقى في منصبه حتى وفاته.

تمكنت السعودية خلال الفترات الماضية من إنهاء عزلتها وتغيير صورتها الدولية وتعزيز نفوذها الدبلوماسي، بعد سلسلة من الانتقادات التي تعرضت لها السعودية في قضية حقوق الإنسان، وحق التعبير منذ سنوات. وجاء هذا التعزيز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والارتفاع الحاد في أسعار الطاقة على وقع الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث دفعت أزمة الطاقة هذه عددا من القادة الغربيين للسفر إلى المملكة العربية السعودية لتعزيز العلاقات في مجال الطاقة والنفط، وخاصة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون، ثم الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تراجع عن تعهد سابق بنبذ القيادة السعودية، وكذلك الزيارة الأخيرة للمستشار الألماني أولاف شولتز، في ظل مساعٍ العديد من الدول الأوروبية للبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي، في محاولة لاحتواء أزمة الطاقة.

وقبل أيام، نجحت السعودية في التوسط مع موسكو، للإفراج عن 10 مقاتلين أجانب، بينهم أميركيان وخمسة بريطانيين، بالتزامن مع تبادل أكبر للأسرى شمل 215 جنديا أوكرانيا، مقابل 55 مقاتلا روسيا. من هنا تبرز عدة تساؤلات حول معاني هذا القرار الملكي المفاجئ في هذا الوقت بالذات وتأثير هذا الاتجاه وتداعياته في المملكة العربية السعودية والمنطقة بشكل عام.

معاني القرار

العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز (86 عاما)، أصدر أوامر بإعادة تشكيل مجلس الوزراء ليتولى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئاسة مجلس الوزراء، مساء يوم أمس الثلاثاء.

ونصّ الأمر الملكي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) على أن “يكون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيسا لمجلس الوزراء” بعدما كان نائبا لرئيس المجلس الملك سلمان.

كذلك، نصت الأوامر الملكية بتعيين الأمير خالد بن سلمان وزيرا للدفاع، والإبقاء على تولي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود منصب وزير الخارجية، والأمير عبد العزيز بن سلمان وزيرا للطاقة، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز وزيرا للداخلية.

في تقدير الكاتب الإماراتي والمتخصص في الشأن الخليجي والباحث السياسي غير المقيم في مركز “تريندز”، للبحوث والاستشارات، محمد خلفان الصوافي، فإن للقرار دلالتين؛ الأولى: “فهو يعبّر عن اكتساب ونيل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لثقة والده الملك سلمان بن عبد العزيز فيما يقوم به”.

وأردف في حديثه الخاص لموقع “الحل نت”، أن الملك سلمان اطمأن في شأن تنفيذ خطة النهوض بالمملكة في كل المجالات الحياتية من اقتصاد وفنون، إلى الرياضة وبالتالي فهذا القرار بمثابة “مرونة” في عملية اتخاذ القرارات بشأن رؤية المملكة 2030.

والدلالة الثانية وفق تقدير الصوافي، أنه مع أن القرار داخلي إلا أن فيه بُعد خارجي من خلال استقبال الأمير محمد لضيوف المملكة من السياسيين وقادة العالم، فهو بمثابة تعزيز مكانة السياسية ومن خلال نجاح الأمير محمد في تمثيل والده في الخارج.

مشروع “نيوم” السعودي

هذا وأوضح الأمر الملكي، أن هذا القرار “استثناء من حكم المادة (السادسة والخمسين) من النظام الأساسي للحكم، ومن الأحكام ذوات الصلة الواردة في نظام مجلس الوزراء”.

وتنص المادة على أن “الملك هو رئيس مجلس الوزراء، ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء”. كما وأشار الأمر الملكي إلى أن العاهل السعودي، سيرأس جلسات مجلس الوزراء التي يحضرها.

قد يهمك: أزمة تونس الاقتصادية تدفع نحو الاحتجاجات؟

لتعزيز مكانة السعودية في الداخل والخارج

في سياق تأثير هذا التوجه وتبعاته، يرى الكاتب الإماراتي والمتخصص في الشأن الخليجي والباحث السياسي غير المقيم في مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات، محمد خلفان الصوافي، أنه بلا شك، سيكون التأثير إيجابيا على الداخل السعودي لأن الرؤية التنموية والهدف المقصود منه بات واضحا في المملكة، والأمير هو الذي أشرف عليها منذ البداية. خاصة إذا فهمنا أن القرار هو في العُرف الإداري: “كسر للبيروقراطية” الإدارية، وبالتالي ستكون مسألة اتخاذ القرارات سريعة.

ولو أضفنا إلى ذلك، النشاط الإداري والسياسي الذي يتمتع به الأمير محمد ورغبته في التغيير بسرعة، فإنه القرار سيساهم في تشريع “حركة” العمل الحكومي السعودي، على حدّ وصف الصوافي.

وخلُص الصوافي، حديثه لـ”الحل نت”، أن “الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي شخصية لها حضورها في المرحلة الحالية من العمل الكبير الذي يحدث في السعودية. وأغلب القرارات الداخلية التي اُتخذت خلال الـ7 سنوات الماضية لاقت تأييدا كبيرا من الداخل السعودي لأنها صبّت في نقلة تطويرية كبيرة يلاحظها الجميع، وبالتالي سيعكس هذا القرار في مضاعفة حالة القبول والتأييد لبرامجه التنموية لتعزيز مكانة المملكة في الخارج والداخل”.

هذا وأشرف ولي العهد السعودي الشاب على العديد من الحقائب الوزارية الرئيسية في المملكة، بما في ذلك النفط والدفاع والسياسة الاقتصادية والأمن الداخلي.

بن سلمان، كان قد أطلق خطة استثمارية طموحة معروفة باسم رؤية السعودية 2030، بـ”هدف جعل الاقتصاد السعودي يرتكز على الاستثمار، بالإضافة إلى عدم اعتماده على النفط كدخل أساسي ووحيد”.

ولعل أبرز وأهم مشروعاته الضخمة، في خضم سعيه لتنويع اقتصاد المملكة القائم على النفط، بناء مدينة “نيوم” المستقبلية الضخمة، وكلفتها 500 مليار دولار، وتعد السعودية أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم منذ 2015، فق تقارير صحفية.

الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان “رويترز”

وتنص المادة السادسة والخمسون من النظام الأساسي للحكم في المملكة، على أن “الملك هو رئيس مجلس الوزراء، ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء، وذلك وفقا لأحكام هذا النظام وغيره من الأنظمة، ويبين نظام مجلس الوزراء صلاحيات المجلس فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية، وتنظيم الأجهزة الحكومية، والتنسيق بينها، كما يبين الشروط اللازم توافرها في الوزراء، وصلاحياتهم، وأسلوب مساءلتهم، وكافة شؤونهم، ويعدل نظام مجلس الوزراء واختصاصاته، وفقا لهذا النظام”.

والأمر الملكي الصادر مساء الثلاثاء، يُعد استثناءً من حكم المادة (السادسة والخمسين) من النظام الأساسي للحكم، ومن الأحكام ذوات الصلة الواردة في نظام مجلس الوزراء.

قد يهمك: أوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم.. معركة فاصلة في الشتاء؟

تعزيز نفوذ السعودية

السعودية تمكنت في التوسط لدى موسكو للإفراج عن مقاتلين أجانب، وتم وصولهم إلى الرياض، يوم الأربعاء، 21 أيلول/ سبتمبر 2022 في طائرة مستأجرة ينحدرون من المغرب والسويد وكرواتيا. وفور وصولهم، أعربت واشنطن ولندن وعواصم أخرى، عن شكرها للمملكة، فيما سلّط المسؤولون السعوديون الضوء على الانخراط المباشر لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الوساطة.

من جانبه، يقول الخبير السعودي المقرّب من الحكومة، علي الشهابي، لوكالة الأنباء الفرنسية عن الصفقة “إنها سابقة بالتأكيد بالنسبة للرياض، وإنها كانت فرصة للاستفادة من علاقات السعودية مع روسيا من أجل قضيّة جيّدة”، مشيرا إلى أن ترتيبات مماثلة قد تكون ممكنة في المستقبل.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، استطاعت السعودية التغلّب على العزلة الدبلوماسية الناتجة عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، عام 2018 بقنصلية المملكة في إسطنبول.

وبالتزامن مع الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة الناجم عن الغزو الروسي، عزز عددا من القادة الغربيين علاقات بلادهم مع المملكة، من خلال إجراء عدة زيارات إلى الرياض.

كما وقاومت السعودية إلى حد كبير الدعوات إلى ضخ مزيد من النفط بالتنسيق مع مجموعة “أوبك بلاس”، التي تقودها إلى جانب روسيا. وقد استفاد أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم من الحرب في أوكرانيا، حيث أعلنت شركة النفط العملاقة “أرامكو”، عن أرباح قياسية. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة بنسبة 7,6 بالمئة هذا العام، بحسب الصندوق النقد الدولي.

قد يهمك: منطقة شرق آسيا في خطر.. كورونا أم حرب صينية لإخضاع العالم؟

تغيير صورة السعودية؟

في المقابل، يرى دبلوماسي عربي مقيم في الرياض إن خطوات مثل التوسط في تبادل الأسرى تسمح للأمير محمد بن سلمان “بأن يثبت للغرب أنه شخص موثوق به في الشؤون الدولية” بفضل علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يقول موقع ” إدارة مسؤولة” الأميركي، يبدو أن محاولة السعوديين لتحسين سمعتهم الدولية ناجحة، خصيصا بعد رحلة بايدن للرياض بعد أن كان قد توعد المملكة بجعلها “منبوذة”.

وعندما علمت عمة أحد السجناء المُفرج عنهم بدور الحكومة السعودية في إطلاق سراح ابن أخيها، تفاجأت بسمعة المملكة. وقالت لصحيفة “واشنطن بوست”: “لم أحلم قط أنه من المحتمل أن تكون الحكومة السعودية قادرة على فعل شيء كهذا، لكنه حصل”.

وعليه، يبدو أن السعودية تسعى لتغيير صورتها دوليا، وبالتزامن مع جهود المملكة المستمرة لإعادة تأهيل سمعتها في نظر الغرب، صُدر هذا القرار الملكي بتعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيسا للوزراء، الأمر الذي يرجّح أن تطور السعودية في المجال الاقتصادي كما هي دائما، خاصة في خضم أزمة الطاقة العالمية، والتي لا يبدو أن هناك انفراجة تلوح في الأفق.

قد يهمك: طهران والقاهرة.. تطبيع العلاقات أم استمرار القطيعة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.