طهران والقاهرة، علاقة وطيدة حتى عام 1980، ونفور ما بعد ذلك التاريخ وإلى اليوم، ويراد لها مؤخرا أن تُطبّع بوساطة عراقية، لكن رأب الصدع ليس بتلك السهولة، فهل سيكون التطبيع مستحيلا واستمرار القطيعة هو المحتم أم أن هناك خيط أمل؟

في شهر حزيران/ يونيو المنصرم، قال الإعلام الرسمي العراقي، إن هناك وساطة عراقية مرتقبة من قبل طهران من أجل إعادة العلاقات بين مصر وإيران؛ لأن 4 عقود من القطيعة طويلة جدا، ولا يجب استمرارها على هذا النحو.

كان البلدان قد قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1980، أي بعد عام واحد من نهاية حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، ووصول علي خميني بحكم جمهوري ديني لطهران خلفا للملكية، عقب “الثورة الإسلامية” التي اندلعت عام 1979.

جفاء القاهرة

طهران هي من بدأت بقطع العلاقة مع القاهرة، من خلال المرشد الإيراني آنذاك، علي خميني، بسبب توقيع مصر معاهدة “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل أولا، وبسبب استقبالها للشاه بعد نهاية حكمه، ثم دفنه في القاهرة بعد وفاته.

وزير الخارجية الإيراني حاليا، حسين أمير عبد اللهيان، أكد في وقت سابق إبان زيارة له أجراها إلى دمشق، أن عودة العلاقة بين طهران والقاهرة تصب في صالح المنطقة ككل وبمصلحة العالم الإسلامي بشكل خاص.

لم يتم الحديث عن أي نتائج أو أخبار بعد تقارير الإعلام الرسمي العراقي، عن وساطة بغداد لإعادة العلاقات بين مصر وإيران، وكان الصمت هو سيد الموقف، فما سبب ذلك؟ وهل يمكن اعتباره أن المحاولة أخفقت مثلا؟

يقول أستاذ العلوم السياسية، الأكاديمي عقيل عباس، إن طهران هي من قطعت العلاقة مع القاهرة في حكم أنور السادات لمصر، وهي نفسها التي دائما ما تسعى لإعادة العلاقة مع مصر منذ مقتل السادات وإلى اليوم، لكن هناك جفاء مصري بالمقابل.

يعود سبب استقبال القاهرة بشخص الرئيس الأسبق أنور السادات لشاه إيران، محمد رضا بهلوي ثم دفنه في مصر، إلى العلاقة المتينة بين الدولتين، عندما كان الحكم ملكيا فيهما، خصوصا وأن الأميرة فوزية، شقيقة الملك المصري آنذاك، فاروق الأول، كانت زوجة للشاه محمد رضا بهلوي لمدة عقد من الزمن.

بعد مقتل السادات ورحيله، أعربت طهران عن رغبتها بعودة علاقات طبيعية مع مصر، وأوفدت العديد من الوفود للقاهرة في حقبة الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك لأجل تلك الرغبة، وما حصل هو فقط استئناف العلاقات مطلع التسعينيات، لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح لا غير.

مراعاة الحساسية الخليجية؟

عقيل عباس يبين لـ “الحل نت”، أن مبارك لم يكن جادا بإعادة العلاقة مع طهران. هو لا يصطف بتحالفات ضد إيران، ولا يريد معاداتها بأي تحالفات، لكنه أيضا لم يرغب بإعادة العلاقات وذلك يعود للضغط الخليجي، وفق عباس.

كانت أمور عديدة أدّت لتدهور العلاقة بين مصر وإيران؛ بسبب الأخيرة، منها تدشين إيران لشارع باسم خالد الاسلامبولي، العقل المدبر لقتل السادات في العاصمة طهران، أياما بعد اعدامه -أُزيل لاحقا في 2010- ما أدى بمصر إلى قطع العلاقات مع إيران.

فيلم “إعدام فرعون”، الذي أنتجته طهران وتم عرضه في عام 2008، أثر هو الآخر سلبا في العلاقات المصرية الإيرانية؛ بسبب تناوله حادثة اغتيال أنور السادات. إذ وصف الفيلم السادات بـ “الخائن”، ووصف قتلته بـ “الشهداء”.

اليوم، صحيح أنه لا نتائج ملموسة بعد من الوساطة العراقية لإعادة العلاقات بين مصر وإيران، إلا أن القاهرة رفضت مؤخرا، المشاركة في أي تحالف إقليمي ضد طهران، في إشارة إلى “حلف ناتو عربي أو شرق آوسطي”، إن تم حصوله.

بحسب عقيل عباس، فإن رئيس الحكومة العراقية الحالي، مصطفى الكاظمي، حاول رأب الصدع بين القاهرة وطهران، لكنه لم ينجح حتى الآن، والسبب يعود إلى مراعاة مصر للحساسية الخليجية مع طهران.

الخليج لديه علاقة متوترة مع إيران، وهي تريد الضغط على طهران عبر منعها من التحالف مع شريك قوي في المنطقة مثل مصر، ناهيك عن أن المصالح المصرية مع الخليج أقوى وأعمق بكثير من مصالح القاهرة مع طهران، وفق عقيل عباس.

بهذا الحالة تعود العلاقات

بعد نهاية حكم حسني مبارك لمصر عقب “ثورة كانون الثاني/ يناير 2011″، ووصول محمد مرسي لرئاسة مصر، كان من اللافت، زيارة الأخير لطهران عام 2012، لحضور قمة عدة الانحياز، واستُقبل بحفاوة كبيرة من الرئيس الإيراني وقتئذ، أحمدي نجاد.

بعد عام، في نيسان/ أبريل 2013، قام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بزيارة لمصر لحضور القمة الإسلامية في القاهرة، وقام باستقباله الرئيس المصري حينها، محمد مرسي بحفاوة، وزار نجاد جامع الأزهر ومقام السيدة زينب وقتذاك.

كانت الأمور تسير نحو إعادة العلاقات تدريجيا بين طهران والقاهرة، لكن سقوط مرسي ووصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة ورئاسة مصر، أوقف التقارب الذي كان من المؤمل أن يحدث بين أكبر دولتين من حيث السكان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يربط عقيل عباس، إمكانية عودة العلاقات بين طهران والقاهرة بتفكيك الأزمة الخليجية مع إيران، وخصوصا التوتر بين السعودية وطهران، ويقول إنه في حال انتهى الحوار السعودي الإيراني في بغداد بتطبيع العلاقة بين الرياض وطهران، فإن ذلك سيمهد لتطبيع العلاقات لاحقا بين مصر وإيران.

ترعى بغداد وساطة لحوار سعودي إيراني يجري على أرضها منذ عام ونصف، وانتهت 5 جولات من الحوار، والنتائج إيجابية بالمجمل، ومن المتوقع أن تكون الجولة السادسة من الحوار هي الأخيرة بين البلدين.

الجولة السادسة المرتقبة، ستعقد عبر حضور وزير خارجية إيران، أمير عبد اللهيان، ووزير خارجية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، إلى بغداد، تمهيدا للتوقيع على مواثيق تُعلن حينها، ويتم التطبيع، وبالتالي التهدئة في المنطقة، بحسب تقرير سابق لـ “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.