صناعة الترفيه تشهد تطورات متسارعة في كل العالم، وعلى رأسها صناعة السينما والمسلسلات التي شهدت بدورها تطورا هاما للغاية، عندما أنشأت منصات بث إلكترونية لا تقتصر مهامها على بث المسلسلات في أي مكان وأي زمان (حرفيا)، بل كذلك إنتاج هذه الأعمال والدخول في المنافسة على أبرز وأهم الجوائز العالمية.

برغم أن السوق العربية للمسلسلات والأفلام لها خصوصيتها المختلفة عن الأسواق الأخرى بارتباطها بمواسم عرض محددة (عيدي الفطر والأضحى والصيف للأفلام، وشهر رمضان للمسلسلات) وضمن بلاد محددة بالنسبة للكم والانتشار على الأقل، إلا أن هذا الأمر لم يمنع نشوء عدة منصات عرض إلكترونية لعرض المسلسلات والأفلام والمسرحيات وكذلك أعمالها الخاصة.

قد يهمك: دريد لحام: البيئة الشامية تتعرض للتزوير من أجل الأرباح

لا يكاد يمرّ شهر دون أن نسمع عن مسلسل قصير جديد مصريّ أو سوريّ أو “بان آراب” أو ما يعرف بالدراما المشتركة، التي تجمع عدة نجوم من بلاد عربية مختلفة يتم تجهيزه للعرض على منصة ما.

انتشار هذه الأعمال القصيرة لا يقتصر بالطبع على المنصات الإلكترونية العربية خاصة مع وجود “نتفلكس” وربما “ديزني” و”أمازون” في الشهور المقبلة، عدا بالطبع عن المواقع الإلكترونية التي تنشر هذه الأعمال عبر القرصنة.

في المقابل لا يكاد يمرّ موسم رمضاني واحد دون ملاحظة استياء المشاهدين من المسلسلات العربية التي تنتشر على مدار الساعة، سواء من ركاكة النصوص أو ضعف الإخراج والإنتاج عدا بالطبع عن الكم المهول من الإعلانات التي لا تتوقف، فلا يكاد يمرّ مشهد أو مشهدين دون ظهور إعلان ما، لدرجة أن مدة الحلقة الفعلي لا يتجاوز في بعض الأحيان 20 دقيقة من أصل 45 دقيقة مدة العرض متضمنة الإعلانات!

دفعنا التفكير بهذه النقاط كلها إلى السؤال. لماذا تستمر دراما رمضان في ظل كل ما سبق؟ ما هو الهدف من إنتاج أعمال هزيلة ومتعبة لصنّاعها الذي يضطر بعضهم لبدء بتصوير أعمالهم قبل رمضان بشهر، في حين يحتاج العمل إلى ثلاثة شهور تقريبا للانتهاء من عمليات التصوير فقط، فما بالك بباقي العمليات الفنية؟

نعلم بالطبع أن الموسم الرمضاني يمثل فرصة العمل لآلاف الأشخاص من فنيين وعمّال خلف الكواليس، ولكن نرى أيضا أن انتشار المنصات الإلكترونية يتيح الفرصة لتوسعة السوق والانطلاق باتجاه فني أكثر نضجا وأكثر إتقانا وإبداعا، على اعتبار أن عامل الوقت متوفر على الأقل لتسعة شهور خلال السنة، لصناعة العمل دون الخوف من ضياع الموسم الرمضاني، وفي الحقيقة فإن هذا الرأي يشاطرنا به العديد من الأصدقاء من صنّاع الأعمال الفنية أم من المشاهدين.

هل يمكن الاستغناء عن دراما رمضان؟

سألنا المخرجة المصرية عائدة الكاشف عن رأيها، وأشارت في الحقيقة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الدراما الرمضانية، تمتلك أهميتها من قدرتها على الوصول إلى جمهور عريض، وهو جمهور أكبر بكثير من جمهور المنصات الإلكترونية، على اعتبار أنها تُبث على قنوات فضائية وموجهة لشرائح عمرية واجتماعية مختلفة ربما لا تصلها الأعمال المعروضة على المنصات فقط.

رأي شبيه يراه المخرج المصري باهي مصطفى، والذي أجابنا عن السؤال بأنه، لا يعتقد أن دراما رمضان لا يجب ولا يمكن الاستغناء عنها بالرغم من الضغوط الزمنية والمادية التي تضعه على صانعي الدراما.

هذه الضغوط يمكن تجاوزها ببعض بالتفاهم بين صنّاع الدراما ورأس المال، بحسب مصطفى، ويرى بأنه مع استمرارها على اعتبار أنها تمثل موسما (مميزا) للمهنة، وكذلك للجمهور المتلقي ضمن منافسة حيّة يمكن قياسها عبر التفاعل بشكل مباشر، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه مع المنصات الإلكترونية التي يمكن لها أن تغيّر مسلسلا بآخر ويستمر بكونه “تريند”، بينما تبقى مسلسلات رمضان مقياسا حيا للرأي العام وتوجهاته وشكل الدراما التي يفضلها.

لسنا بالمطلق ضد دراما رمضان بل ضد طريقة صناعتها وضد التساهل التي تُصنع به (بالطبع لا يمكنني التعميم مع وجود العديد من الأعمال الجيدة جدا، التي عُرضت في رمضان على مدار السنوات الماضية) إلا أننا أجد أن المنصات الإلكترونية توفّر حلولا لكثير من مشاكل هذه المسلسلات، وعلى رأسها الحشو والاستعجال والكم المهول من الإعلانات.

مسلسلات المنصات لا توفّر فقط حلولا، بل شكلا آخر من الإبداع يحتاجه المتلقي العربي، وبالتأكيد لا يعني هذا الرأي أن جميع الأعمال التي أنتجت من قبل المنصات العربية أم الأجنبية ممتازة، بل بعضها وصل إلى مرحلة من السوء الذي لا يمكن التوقف عنده للحديث عن العمل أو نقده، كما نرى أن المنصات الإلكترونية فتحت بابا للعديد من المواهب الشابة الباحثة عن فرصة لإنتاج أعمال درامية بشكل درامي جديد ومختلف.

مشاكل الدراما

المشاكل التي نتحدث عنها تتعلق بـ”الحشو” أولا، وهو مصطلح يشير إلى عملية إطالة حلقات المسلسل إلى 30 حلقة بأي شكل كان، حتى لو كان الأمر يصل إلى إدراج حوارات ومشاهد لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تملك أي تأثير درامي على أحداث العمل التي لا تشكل الأهمية الأساسية بالنسبة إلى زمن الحلقة المطلوب، لما لا يتم إنتاج مسلسلات قصيرة تعرض أيضا في رمضان ضمن جداول معينة؟ خاصةً وأن حقبة الثمانينيات والتسعينات شهدت عشرات الأعمال ذات الخمس والسبع حلقات (الخماسيات والسباعيات).

ألا نجد هذه المشاكل وغيرها في مسلسلات المنصات القصيرة؟ بالطبع هناك العديد من المشاكل التي يمكن الحديث عنها في مقال منفصل، لكنها على الأقل أكثر انضباطا وحرفية، ويمكن استغلال الأشكال الجديدة للمسلسلات لإنتاج مسلسلات أفضل داخل رمضان أيضا.

أهمية المسلسلات القصيرة يشير إليها المخرج باهي مصطفى، بأنها تفتح آفاق لمحتوى مختلف صُنع “على رواقة” (باللهجة العامية المصرية) وبدون الضغوط الزمنية السابقة الذكر، وبإمكانيات مادية أعلى، وهو ما ينتج بالضرورة مستوى فني أعلى، ويمكن لها بشكل ما أن تعوض فن السينما بشكله المعتاد الممتد لأكثر من 100 عام والذي يندثر عالميا، بحسب رأيه.

فيما تشير المخرجة والممثلة المصرية عائدة الكاشف إلى أن يمكن في المستقبل الاستغناء عن دراما رمضا، ولكن عبر استبدالها بمواسم مختلفة على المنصات الإلكترونية، لكن طبيعة التلفزيون يحتم وجود مواسم سواء على الفضائيات أم غيرها على اعتبار أن هذه المواسم مرتبطة بالإجازات والمناسبات، والتي يستهلك خلالها المشاهدون مسلسلات أكثر. المنصات الإلكترونية أيضا نتنج أعمالا لرمضان، لكن الفارق أنها تنتج أعمالا خارج هذا الموسم أيضا.

اقرأ أيضا: القضاء يتدخل في مسلسل “على قيد الحب”.. ما القصة؟

في النهاية لا ندعو في هذا المقال ولا النقاش الذي دار بيننا والمخرجين عائدة وباهي إلى التوقف نهائيا عن إنتاج أعمال فنية لموسم شهر رمضان، لكني أشير إلى مشاكل سبق لغيرنا أن أشار إليها مرارا وتكرارا ومنهم أساتذة ونقّاد كبار دون فائدة، لكننا نقول أنه آن الأوان لاستيعاب الأشكال الجديدة للإنتاج الفني وتحديدا في العالم العربي الذي لا تنقصه الخيبات!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة