بعد شهور من الأزمة السياسية بين البرلمان والحكومة في الكويت، التي أدت إلى استقالة الحكومة التي كان يرأسها الشيخ صباح الخالد، وإصدار مرسوم أميري في آب/أغسطس الماضي يدعو الناخبين الكويتيين لاختيار أعضاء مجلس الأمة -البرلمان، في 29 من أيلول/سبتمبر المقبل، انتهت الانتخابات وافرزت نتائجها نهاية الأسبوع الماضي.

نتائج الانتخابات أظهرت تغييرا كبيرا في صفوف الصاعدين الجدد إلى قاعة عبد الله السالم – البرلمان، حيث حصلت المعارضة على 60 بالمئة، من مقاعد المجلس، وعودة المرأة بمقعدين، وسط تطلعات الكويتيين إلى عهد جديد يسوده التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لحل كثير من الملفات التي بقيت عالقة من المجلس السابق.

إذ ما يزال عدد من الملفات التي تُركت معلّقة من مجلس الأمة السابق بعد حلّه من قِبل ولي العهد الكويتي في 2 آب/أغسطس الماضي بهدف “تصحيح المشهد السياسي“، والخروج من الأزمة السياسة التي كانت قد أدت إلى استقالة الحكومة قبل ذلك بأشهر، وفي مقدمتها ملفات تطوير التعليم وضبط التركيبة السكانية، والإسكان، والتوظيف، إلى غير ذلك من قضايا تحتاج إلى رؤية واضحة من السلطة التنفيذية المقبلة.

وعن تلك القضايا، تحدث النائب السابق عبد اللطيف العميري، لموقع “الجزيرة نت“، وتابعه موقع “الحل نت“، قائلا إن “هناك قضايا مهمة بقيت عالقة من دون حلول من مجلس الأمة السابق، مثل التركيبة السكانية وتطوير التعليم، والتوظيف، التي يعتقد أن من أهم أسباب عدم حلها غياب الاستقرار في مجلس الأمة“.

وأضاف العميري، أن “هذه الحال أدت إلى صعوبة طرح القوانين ومناقشتها في مجلس الأمة السابق، أما الآن فكل المؤشرات تدل على وجود حالة من التفاؤل؛ فرئيس المجلس القادم يكاد يحظى بموافقة الجميع، والحكومة بعد تغيير رئيس الوزراء وقدوم رئيس جديد في الأشهر الماضية بدت أعمالها مشجعة وتوحي بأن هناك حلولا قادمة للقضايا المهمة، في ظل التفاهم المتوقع بين الحكومة والمجلس ورئيس المجلس“.

العميري، يرى أيضا، أن “القضية الإسكانية مثلا متخمة بالقوانين وتحتاج إلى تفعيل الحكومة إجراءاتها التنفيذية وإزالة العوائق لحلها، وكذلك قضية التعليم لا تحتاج إلى القوانين بقدر ما تحتاج إلى تنفيذ خطط المجلس الأعلى للتعليم“.

اقرأ/ي أيضا: تطورات سياسية غامضة في الصين لهذه الأسباب

قضايا أخرى معلقة تنتظر مجلس الأمة الكويتي الجديد

إضافة إلى أن قضية تطوير التعليم تحظى باهتمام كبير من أهل الاختصاص، إذ أن جمعية المعلمين طالبت فور إعلان نتائج انتخابات مجلس الأمة بضرورة الاستفادة من كل المعطيات السابقة، بإيجابياتها وسلبياتها، مشيرة إلى أن المرحلة الجديدة لتصحيح المسار تتطلب ضرورة التعاطي مع القضية التعليمية بما ينبغي سواء على مستوى أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو على مستوى وزارة التربية، كما أن التطلعات الآن ستنصب وبشدة نحو المجلس الجديد والحكومة المقبلة، لتجاوز التحديات، لجعل التعليم ضمن أولوية الاهتمام.

وحول ذلك يقول رئيس جمعية المعلمين حمد الهولي، إن “التعليم أساس تقدم المجتمعات، وهو ما يأتي متوافقا مع رؤية دولة الكويت 2035، ووجود ركيزة خاصة بخطة الدولة لدعم رأس المال البشري الإبداعي“، كما يعتقد أن “تطوير التعليم يحتاج إلى عدة إجراءات“.

أهم تلك الإجراءات، وفق ما أضافه الهولي، هي نقل تبعية المجلس الأعلى للتعليم إلى رئاسة مجلس الوزراء، وجعل المركز الوطني للقياس والتقويم “المركز الوطني لتطوير التعليم سابقا” مستقلا، وأن يكون هناك تكامل بين الجهات التعليمية الثلاث في البلاد، بحيث يكون المجلس الأعلى للتعليم هو المخطط الاستراتيجي (واضع السياسات الوطنية التعليمية)، وأن تكون وزارة التربية هي المنفّذ، والمركز الوطني للقياس والتقويم، هو المقيم الخارجي ومانح رخص الوظائف التعليمية وشهادات الاعتماد المدرسية ومنفذ الاختبارات الوطنية.

كذلك من القضايا التي تنتظر مجلس الأمة الكويتي الجديد، والحكومة، في الأيام المقبلة؛ القضية الإسكانية فهي تتصدر أولويات الشعب الكويتي، وهو ما يتطلب من أعضاء المجلس وضع الحلول وسن التشريعات المناسبة بشأنها، حيث تسعى المؤسسة العامة للرعاية السكنية لمواكبة احتياجات المواطنين بتوفير المساكن الكافية التي تتوافق مع زيادة الطلبات الإسكانية، إذ تتطابق إستراتيجية المؤسسة بحسب للمدير العام للمؤسسة أحمد الهداب، مع طبيعة رؤية (كويت جديدة 2035) التي تنتهجها الحكومة في تطوير مشاريعها الإسكانية الضخمة، مثل مشروع مدينة المطلاع، ومشروع جنوب سعد العبد الله، وجنوب مدينة صباح الأحمد.

بخاصة وأن السياسة الإسكانية الحالية، كما يقول المستشار والباحث الاقتصادي عامر التميمي، الذي تحدث لـ “جزيرة نت“، أنه لا يمكن أن تستمر، بسبب أن التكاليف الباهظة للبنية التحتية وعدم توافر أراض كافية، فضلا عن تعطل التجاوب مع الطلبات المتراكمة؛ لا تبشر بإمكانية توفير السكن للمواطنين خلال فترة زمنية مقبولة.

ويضيف أنه، يتوجب اعتماد أنظمة واقعية وسن قانون للرهن العقاري بما يمكّن النظام المصرفي من تمويل الإنشاء والاقتناء، وكذلك لا بد من إقرار قانون المطور العقاري الذي يتيح لشركات القطاع الخاص توفير المساكن للمواطنين في وقت مناسب، ويعني ذلك قيام الدولة بطرح الأراضي في مزادات وتعزيز دور القطاع الخاص في تهيئة البنية التحتية والمرافق الأساسية.

اقرأ/ي أيضا: مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية.. ما أبرز القضايا التي تحسم المشهد السياسي؟

هل مجلس الأمة الكويتي قادر على حل مشكلة الإسكان؟

التميمي، يعتقد أيضا، أن “طابع مجلس الأمة الكويتي المقبل لن يمكن الحكومة من تمرير إصلاحات السياسة الإسكانية، لكن الحكومة تستطيع أن تبذل جهودا أكبر إذا عزمت على الإصلاح البنيوي“، في حين يستعد المجلس لعقد جلسته الأولى في 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

وجذور الأزمة السياسية الكويتية تعود إلى الخلاف بين مجلس الأمة والحكومة، والتي انتهت بالإعلان عن حل البرلمان، وإلى تحقيق المعارضة فوزا ساحقا في انتخابات المجلس التي أجريت في 5 كانون الأول/ديسمبر 2020.

وقتها، فوز المعارضة أسفر عن اجتماع موسّع لها تم خلاله الاتفاق على عدم إعادة ترشيح رئيس مجلس الأمة المقرب من الحكومة مرزوق الغانم، وترشيح النائب بدر الحميدي، بدلا عنه، إضافة إلى إدراج “قانون العفو الشامل عن المحكومين بقضايا سياسية”، على رأس الأولويات.

لكن الجلسة الافتتاحية الأولى في 15 كانون الأول/ديسمبر 2020، شهدت مجددا فوز مرزوق الغانم، بمقعد رئيس مجلس الأمة بخلاف ما خططت له المعارضة، وحصوله على أصوات الحكومة، بالإضافة إلى 9 أعضاء من أصل 37 تعهّدوا بعدم التصويت له.

أدى ذلك إلى توجيه ضربة كبيرة للمعارضة في بداية المجلس، وكردة فعل سريعة أعلن ثلاثة نواب من المعارضة في 5 كانون الثاني/يناير 2021، استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، ليلقى ذلك تأييد 36 عضوا.

حملة الاستجواب دفعت رئيس مجلس الوزراء إلى رفع استقالة الحكومة إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، والذي قبلها بدوره وأعاد تكليف الشيخ صباح الخالد ليشكّل الحكومة الثانية له بعد الانتخابات، وأصدر أمير الكويت في منتصف شباط/فبراير 2021 مرسوما أميريا بتأجيل انعقاد جلسات مجلس الأمة لمدة شهر، استناداً إلى المادة 106 من الدستور الكويتي لتهدئة التوتر السياسي في البلاد.

امتداد الأزمة الكويتية

بعد ذلك، وفي 14 آذار/مارس 2021، تعرضت المعارضة لضربات متتالية، حيث أعلنت المحكمة الدستورية إبطال عضوية زعيم المعارضة آنذاك النائب السابق بدر الداهوم، وفق قانون “منع المسيء للذات الأميرية”، من الترشح لانتخابات مجلس الأمة، لترد المعارضة على ذلك بمقاطعة جلسة أداء الحكومة اليمين الدستورية في 30 آذار.

لكن الحكومة استطاعت تأمين الـ 33 عضوا في البرلمان، بمن فيهم الوزراء اللازمين لعقد الجلسة، واستغلت غياب المعارضة لتقديم طلب تأجيل “الاستجوابات المزمع تقديمها إلى رئيس الحكومة“، وصوّت عليه المجلس بالموافقة، وهو ما شكل صدمة كبيرة للمعارضة.

غير أنه بعد ذلك، تمكنت المعارضة من تعطيل انعقاد الجلسات عبر جلوسها على مقاعد الوزراء في الصفوف الأمامية، وهو ما اعتبرته الحكومة “مخالفا للأعراف البرلمانية“، كما حقّقت نصرا تاريخيا في الانتخابات التكميلية التي جرت على مقعد بدر الداهوم، بحصول مرشحها أستاذ القانون عبيد الوسمي، على أكثر من 43 ألف صوت، والذي وصفه الوسمي، بأنه “استفتاء شعبي” على أداء الحكومة.

لكن بعدها، عادت الحكومة لتنجح في 22 حزيران/يونيو 2021، بتمرير الموازنة العامة رغم استمرار المعارضة بالجلوس على مقاعدها، وذلك من خلال التصويت عند مدخل القاعة وانسحابها بعد ذلك على الفور، وهو ما أدى إلى انتهاء دور الانعقاد الأول لمجلس الأمة بأزمة خانقة بين المجلس والحكومة.

فيما بعد، استغلت الحكومة العطلة الصيفية لتفكيك وحدة المعارضة، عبر مد جسور تفاوض مع أطراف من داخلها، وكان عبيد الوسمي أبرز طرف تفاوضت معه الحكومة، لتنتهي المفاوضات السرية بإعلان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، الدعوة إلى “حوار وطني” بين الحكومة والبرلمان في أيلول/سبتمبر 2021.

اقرأ/ي أيضا: ما مصير التصعيد العسكري في الصومال بين العشائر و “حركة الشباب”؟

تفاقم الأزمة الكويتية

أسفر ذلك عن إصدار عفو أميري عن المتهمين في قضية دخول مجلس الأمة، والتي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة، على رأسهم النواب السابقون مسلم البراك، وفيصل المسلم، وجمعان الحربش، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وتقديم الحكومة استقالتها وتكليف الشيخ صباح الخالد، مجددا بتشكيل الحكومة الثالثة له منذ الانتخابات، لكن هذه المرة بإشراك ثلاثة نواب من كتلة المعارضة في الكابينة الحكومية.

وعلى الرغم من تلك التحولات، وتفكك كتلة المعارضة إلى ثلاث أقطاب داخل البرلمان، استمرت الكتلة التي يتزعمها النائب السابق فيصل المسلم، بالتصعيد، ورفعت شعار “رحيل الرئيسين“، في إشارة إلى رئيسي مجلس الأمة والحكومة، واعتبرت أن العفو الذي صدر بحق عدد من السياسيين ليس سوى “ابتزاز سياسي لبقائهما“.

تمكن أعضاؤها من استمالة الأعضاء المترددين، وذلك بثلاثة استجوابات متتالية، منذ تأدية اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في مطلع العام الجاري في 4 كانون الثاني/يناير الماضي، بمعدل استجواب كل شهر تقريبا، استهدفت وزراء في الحكومة، لكن المعارضة فشلت خلالها الإطاحة بهم، ونجحت الحكومة بتجاوز سحب الثقة من الوزراء بشق الأنفس.

في غضون ذلك، تقدم كل من وزير الدفاع السابق الشيخ حمد جابر العلي، ووزير الداخلية السابق الشيخ أحمد المنصور، بالاستقالة من منصبيهما في 16 شباط/فبراير الماضي، احتجاجا على ما وصفاه بـ “تعسف النواب باستخدام أداة الاستجواب“، حسب ما جاء في بيان الاستقالة.

ولكن استمرار استنزاف الحكومة بالاستجوابات من المعارضة، وتراكم سخط الشارع الكويتي، أديّا إلى عدم تمكّنها أخيرا من تحصيل العدد اللازم لحماية رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح، بعد ارتفاع عدد أعضاء مجلس الأمة المؤيدين لطلب عدم التعاون معه إلى 26 نائبا، وذلك عقِب مناقشة الاستجواب المقدم إليه من المعارضة في 29 آذار/مارس الماضي، ما أدى إلى تقديمه استقالة الحكومة في 5 نيسان/أبريل الماضي، وقبل يوم واحد من موعد التصويت على طلب عدم التعاون معه.

اقرأ/ي أيضا: ما خيارات كييف بعد ضم روسيا لـ 4 مناطق أوكرانية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.