على الرغم من استمرار نفي طهران وعدم اعتراف روسيا باستخدامها للمسيرات الإيرانية في غزوها لأوكرانيا، إلا أن الإعلان يوم أمس الأربعاء، عن استهداف مناطق بضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، بطائرات مسيرة انتحارية إيرانية، سلّط الضوء على فاعلية هذا السلاح ومدى تأثيره على سير مجريات المعارك.

الهجوم الذي استهدف بلدة بيلا تسركفا، بطائرات من طراز “شاهد -136″، على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب كييف، وتسبب بجرج شخص وأضرار مادية في البنى التحتية في المدينة، وفق ما أكده حاكم كييف أوليكسي كوليبا، ترك مؤشرا على أن هذه الطائرات تحولت إلى سلاح وأداة مزعجة بيد موسكو، غير أنها من المستحيل أن تؤثر بمجريات الصراع، أو تترك تأثيرا على الأرض.

كما أن الهجوم أكدت الأنباء التي انتشرت على مدى أسابيع الأخيرة على نطاق واسع عن لجوء روسيا لاستخدام مختلف الطرازات من المسيّرات الإيرانية، مثل “غيران 2″ و“شاهد 136” و“مهاجر 6″. وكان استخدامها الأكبر في مناطق جنوب أوكرانيا القريبة من خط التماس، مثل مقاطعتي ميكولايف وأوديسا، في ظل حديث عن أن مدى المسيّرات الإيرانية الذي يتراوح بين 1.5 كيلومتر و3 كيلومترات فقط.

كذلك أتاح فرصة لتقيم فعالية تلك الطائرات، إذ أنه وبعد الاطلاع على حطام لمسيرة “غيران 2” الإيرانية، يقول المتحدث باسم الإدارة العسكرية في مقاطعة ميكولايف، الفاصلة بين مقاطعتي أوديسا وخيرسون، دميتري بليتينتشوك، أن الطريقة البدائية لصنعها تعكس خضوع الدولة المصنّعة للعقوبات لعقود طويلة، مُقرا في الوقت نفسه بأن المسيّرات الإيرانية سلاح “مزعج”، كونها قادرة على استهداف مخازن النفط ومستودعات الذخيرة.

بليتينتشوك، في حديثه أن “أول ما أود الإشارة إليه هو مستوى جودة معالجة المكونات، ومن الواضح أن البلد المصنع يخضع لعقوبات منذ أربعة عقود، فيتم صنع القطع يدويا ولصقها بالسيليكون كما هو الأمر في نادي هواة الطائرات الشراعي“، مشيرا إلى أنه “، لم أرَ أي عنصر مركّب باستثناء محرك قاطعة عشب“، وفق ما نقله موقع “العربي الجديد“، وتابعه موقع “الحل نت“.

اقرأ/ي أيضا: خط الغاز العربي عبر سوريا.. مشروع انتهى قبل أن يبدأ؟

المسيرات الإيرانية ونقاط الضعف

إضافة إلى ذلك، قلل المتحدث باسم الإدارة العسكرية في مقاطعة ميكولايف، من “فاعلية أداء المسيّرات الإيرانية“، قائلا إن “هذه مسيّرات بدائية للاستخدام مرة واحدة، ولكن فاعلية استخدامها مشكوك فيها“.

أيضا واصل الحديث، أنه “صحيح أن 40 كيلوغراما من المتفجرات ليست بقليلة، وهي تعادل نصف قوة راجمة (سميرتش) تقريبا، ولكن هذا غير كاف إلا لشن هجمات على مخازن النفط ومستودعات الذخيرة. ومع ذلك، يواصل الجيش الروسي إطلاقها على كل ما يستطيع الوصول إليه“.

كذلك من المتوقع أن “يصل عدد المسيّرات التي يتم اعتراضها قريبا إلى 100، وذلك ليس فقط نتيجة لكفاءة نظمنا للدفاع الجوي، وإنما أيضا جراء عدم احترافية مشغّليها والركود التكنولوجي للدولة المنتجة“، حسبما لفت إليه بليتينتشوك، خلُص إلى أن “المسيّرات الإيرانية مزعجة، ولكنها لا ترقى إلى مستوى السلاح الأكثر خطورة“.

ووسط النفي الإيراني حول تزويد موسكو بالمسيّرات، ونفي الأخيرة لاستخدامها، يقر الخبير العسكري الروسي يوري ليامين، بأن اللقطات الواردة من ساحة القتال تظهر ما يشبه مسيّرات “شاهد 136” وغيرها، لافتا إلى أن إيران تتبع أسلوب إنتاج كميات كبيرة من المسيّرات ذات كلفة منخفضة.

ليامين، يؤكد أن “عدد من الصور ومقاطع الفيديو الواردة من منطقة أعمال القتال، تظهر لقطات لمسيّرات أو حطام تشبه مسيرات كاميكازي (شاهد 136)، ومسيّرات استطلاع ضاربة (مهاجر 6) أيضا“، بحسب “العربي الجديد” الذي تحدث له.

اقرأ/ي أيضا: ما تأثير التظاهرات الإيرانية على نظام خامنئي؟

إستراتيجية صنع المسيّرات الإيرانية

أما عن “كاميكازي“، هي كلمة تُستخدم للإشارة إلى مسيّرات “شاهد 136”، نظرا لاقتصار مهمتها على هدف واحد فقط، وهو الوصول إلى نقطة محددة والانفجار فيها، ولذلك يتم إنتاجها بأقصى درجة من البساطة وأقل كلفة.

في حين أن إحدى نُسخ “شاهد” مزودة بكاميرا، ويمكن التحكم بها عن بُعد وتغيير مسار التحليق وحتى إعادة تصويب المسيّرة على أهداف أخرى، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية أوكرانية الأسبوع الماضي، بالتالي وفي ظل عدم قدرة “شاهد” على البحث عن الأهداف وإصابة المتحركة منها، لا يتم إرسالها إلا إلى الأهداف الثابتة كبيرة الحجم نظرا لضعف دقة التصويب.

لذلك تطوّر إيران وتنتج طيفا واسعا جدا من المسيّرات، والطرازات المختلفة لها نقاط قوة وضعف، لكنها بشكل عام يمكن الإشارة إلى أن الإيرانيين يركّزون على انتاج المسيّرات منخفضة التكاليف بغية إنتاج كميات كبيرة منها، يشير الخبير العسكري الروسي ليامين، في حديثه لـ “العربي”، حول تجربة المسيرات الإيرانية.

من جهتها، المتحدثة باسم قوات الدفاع الأوكرانية بقيادة العمليات “يوغ” (جنوب)، ناتاليا غومينيوك، سبق وقالت عن المسيّرات الإيرانية، إن “وحدات الدفاع الجوي الأوكرانية تعلمت إسقاط المسيّرات الإيرانية“، مؤكدة “مواصلة دراسة تكتيكها، وإذا تحدثنا على وجه الخصوص عن نسبة حالات الإسقاط قياسا للوصول إلى الأهداف، فإن النسبة لصالح الإسقاط بمقدار الضعف“.

كما أشارت إلى أن تلك النسبة بـ “الرغم من صعوبة رصد هذه المسيّرات بواسطة الدفاع الجوي بسبب تحليقها على ارتفاعات منخفضة“، لافتة إلى أنها “مثيرة للضجيج، ولذلك أصبح يطلق عليها اسم (دراجة نارية)، فيمكن رصدها بسبب ضجيجها، وهناك سوابق لإسقاطها بالأسلحة النارية والرشاشات“.

روسيا ولجوئها للمسيّرات الإيرانية

تعود الأحاديث عن عزم روسيا على استخدام المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا إلى يوليو/ تموز الماضي، إذ كشفت واشنطن عشية زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى طهران حينها، أن إيران تستعد لتوريد بضع مئات من المسيّرات لموسكو.

وتأكيدا لذلك، مسؤولون أميركيون كشفوا في آب/أغسطس الماضي، أن إيران سلّمت روسيا دفعة أولى من نوعين من المسيّرات العسكرية كجزء من طلبية، تشمل مئات من طائرات من دون طيار قادرة على تنفيذ هجمات ضد الرادارات والمدفعية، والأهداف العسكرية الأخرى.

 غير أن المشغّلين الروس واجهوا إخفاقات هذه الأنظمة الإيرانية في حربهم مع أوكرانيا، وهم “غير راضين” عنها، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“، التي أكدت نقلا عن مسؤولين أميركيين، أن روسيا يمكن أن تنشر المسيّرات الإيرانية الصنع في حربها ضد أوكرانيا لشن هجمات جو أرض، وتنفيذ حرب إلكترونية، وتحديد الأهداف.

إذ أن طائرات النقل الروسية وعلى مدار أيام في شهر آب، حملت معدات المسيّرات من مطار داخل إيران ثم توجهت بعد ذلك إلى روسيا، لكن المسؤولين الأميركيين أشاروا إلى أن الشحنة الأولى من هذه الطائرات واجهت مشاكل تقنية.

في مقابل ذلك، أكدت صحيفة “الواشنطن بوست” تلك الرواية، حيث نسبت إلى عدد من المسؤولين الأميركيين، أن الشحنة الأولى أرسلت في 19 أغسطس بواسطة طائرات شحن روسية، وتضمنت الشحنة نوعين على الأقل من الطائرات الإيرانية الصنع من طراز “مهاجر6″ وسلسلة طائرات “شاهد“.

اقرأ/ي أيضا: ما هي التحديات التي ينتظرها مجلس الأمة الكويتي الجديد؟

روسيا غير راضية عن المسيّرات الإيرانية

الصحفية، أضافت أن “القوات الروسية وجدت العديد من العيوب في هذه الطائرات خلال الاختبارات الأولية“، ونقلت عن مسؤول أمني في إحدى الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة قوله، أن “هناك بعض الأخطاء في نظام هذه الطائرات، والروس ليسوا مسرورين بذلك“.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه إيران رسميا أنها لن تزوّد أيّا من طرفي الحرب بالمعدات العسكرية، وأن صفقة الطائرات من دون طيار مع روسيا، هي جزء من اتفاق عسكري سبق غزو أوكرانيا، يؤكد أحد المسؤولين الأمنيين إن الشحنة الأولية تضمنت طرازي “شاهد129” و“شاهد191″، بالإضافة إلى طائرات “مهاجر6”، كما سافر خبراء تقنيون إيرانيون إلى روسيا للمساعدة في إدارة هذه الأنظمة، في المقابل خضع ضباط عسكريون روس للتدريب في إيران.

بحسب التقرير الذي أوردته الصحيفة الأميركية، أن روسيا حاليا تمتلك ما بين 1500 و2000 طائرة استطلاع عسكرية من دون طيار، منها عدد قليل نسبيا من الطائرات من دون طيار الهجومية من النوع الذي يمكنه ضرب أهداف بدقة في عمق أراضي العدو.

وفي السياق، سبق وأكد خبراء أمنيون وعسكريون أن المسيّرات الإيرانية لا تتمتع بتكنولوجية متطورة وتعتريها مشاكل عدة، ومن بين الخبراء مايكل نايتس، الخبير العسكري والأمني في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى“، حيث قال إن “المسيّرات الإيرانية لم تستخدم من قبل إلا في هجمات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا، أو لجماعات مسلحة تعمل عنها بالوكالة مثل الحوثيين في اليمن“.

بالتالي، أنها “نادرا ما اختبرت هذه النماذج وسط تشويش إلكتروني أو في ظل وجود أنظمة مكافحة الطائرات المتطورة المستخدمة في أوكرانيا“، بحسب نايتس، مضيفا أن “هذه الطائرات من دون طيار الإيرانية، لم تعمل في بيئة دفاع جوي متطورة من قبل، وهي لم تقم بعمل جيد بشكل عام؛ لذلك لن أتفاجأ أنه في بيئة أكثر كثافة مثل أوكرانيا، سيكون لديهم بعض المشاكل“.

اقرأ/ي أيضا: ما مصير التصعيد العسكري في الصومال بين العشائر و “حركة الشباب”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة