بين مصالح السعودية الاقتصادية، وعلاقاتها السياسية، ما تزال أصداء قرار “أوبك بلس” الأخير، القاضي بخفض إنتاج النفط مليوني برميل، تتوالى في واشنطن أكثر من غيرها من الدول، حيث اعتبر البعض أن القرار السعودي يمثل تحديا لواشنطن.

غضب أميركي

فالقرار الصادر عن منظمة الدول المنتجة للبترول، الصادر الأربعاء الماضي، بعد أول اجتماع للمنظمة، وجها لوجه في العاصمة النمساوية فيينا، منذ وباء كورونا، أثار غضبا واسعا داخل أروقة الإدارة الأميركية، لما له تبعات سلبية على الاقتصاد الأميركي والعالمي.

واعتبر بعض المحللون في الولايات المتحدة الأميركية، أن قرار أوبك يمثل تهديدا للعلاقات السياسية بين واشنطن والرياض، والتي بقيت في وتيرة جيدة طيلة السنوات الماضية، ووصلت إلى مطالبة بعض المشرّعين الديمقراطيين بسحب القوات الأميركية من السعودية والإمارات فورا، وتفعيل قانون “نوبك“، لمعاقبة منظمة أوبك التي تقودها السعودية، إذ اعتبر بعض الأميركيون أن القرار يمثل تحدّيا مباشرا من الرياض لواشنطن.

“لماذا تحدّت السعودية، الولايات المتحدة في خفض إنتاج أوبك من النفط“، هو عنوان لتقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الأميركية، لرصد أسباب اعتبار إدارة بايدن، أن القرار يمثل تحدي لواشنطن.

بحسب التقارير فإن: “المسؤولون السعوديون يؤكدون أن المملكة تقدّم مصالحها الاقتصادية على الاعتبارات السياسية الأميركية الداخلية“. وقال وزير الطاقة، الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، في مقابلة مع التلفزيون السعودي، الأربعاء، الماضي: “مصالح المملكة تأتي قبل أي شيء آخر“، وأضاف أن الحكومة السعودية تتطلع إلى أن تكون جزءا من نمو الاقتصاد العالمي“.

تفادي تبعات الركود

تسعى المملكة العربية السعودية، إلى تفادي تبعات ركود محتمل خلال الفترة المقبلة، والذي يتبعه بالطبع تراجع في الطلب على النفط، وبالتالي انخفاض في أسعار المادة الأولى الداخلة في تمويل الاقتصاد السعودي، لكن يبقى السؤال، هل تغامر الرياض في علاقتها مع واشنطن، لتحقيق مصلحتها الاقتصادية؟

تنقل “سي إن إن”، عن الباحثة غير المقيمة في منظمة” مجلس الأطلسي” إيلين والد، قولها: “يبدو أن هذا الخفض، إجراء استباقي تحاشيا لانهيار الأسعار الذي يتطلب خفضا مفاجئا مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في رفع أسعار الفائدة“.

وتضيف إيلين، للشبكة الأميركية: “السعودية لا ترغب في تكرار ما حدث عام 2008، حين أدى انهيار السوق إلى دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود، وانهارت أسعار النفط فجأة، ما تطلب إجراءً طارئا من أوبك“.

بالتالي، فإن الرياض تصب جهودها، في المحافظة على مستوى الطلب في سوق النفط، لتحقيق التوازن في أسعاره، وذلك لأنها لا يمكن أن تواجه احتمالية انخفاض أسعار النفط، إلى ما دون مستوى معين لأسباب تتعلق في الميزانية

ولكي تتعادل ميزانيتها، من الضروري أن تستقر أسعار النفط العالمية عند حوالي 79 دولار للبرميل، وفقا لصندوق النقد الدولي. والشهر الماضي، انخفضت الأسعار إلى 85 دولارا للبرميل عن 139 دولارا قبل سبعة أشهر فقط. وكانت هذه إشارة تحذير للسعودية والدول الأخرى المصدرة للنفط، التي تعتمد على النفط في معظم عائداتها، بحسب تقرير لـ“العربي بوست“.

الولايات المتحدة، بالتأكيد لن تكون راضية على قرارات من هذا النوع، لا سيما وأنه جاء بالتنسيق مع روسيا أحد الشركاء في “أوبك بلس“، حيث أن النتيجة قد تكون مقروءة على أنه تحالف بين الرياض وموسكو، على مستوى سوق النفط.

وبالفعل رد البيت الأبيض على قرار “أوبك بلس“، بالإشارة إلى أن “قرار أوبك بلس وموافقة السعودية عليه يعني أنهما يقفان بجانب روسيا“.

من جانبه دعا السيناتور الجمهوري بيرني ساندرز، السعودية بنبرة غاضبة إلى الطلب من موسكو ورئيسها حماية نظامها الملكي عوضا عن واشنطن، وهو حديث يشابه ما قاله ترامب، حينما أشار إلى أن بلاده تحمي كرسي الحكم في الرياض.

وقد يشكل ملف أسعار النفط، منعطفا هاما في ملف العلاقات الأميركية السعودية، وذلك على الرغم من العلاقة القوية والمصالح المشتركة بين البلدين، في حين يؤكد محللون أن بعض التوتر في العلاقات لا يعني انهيارها في ظل الظروف الراهنة، لا سيما مع المطالبات بإبعاد الطاقة سواء النفط أو الغاز وأسعارها، عن الابتزاز والمقايضة والانتهازية السياسية

اعتبر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الديمقراطي تشاك شومر، المسؤول عن مشروع القانون؛ أن “مساعدة السعودية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في استكمال حربه الدنيئة الشرسة ضد أوكرانيا، سيُظِل الأميركيين لفترة طويلة”، بحسب ما نقل موقع “عربي 21″.

ومع تزايد الغضب الأميركي خاصة من قِبل المشرّعين، تُثار تساؤلات عن كيف ستكون طبيعة العلاقة الأميركية مع السعودية من جهة واشنطن، وكيف سترد الأخيرة على الرياض، وما هي خياراتها؟

ضمن هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، إنه “من حيث المبدأ، قال أنتوني بلينكن، إننا ندرس خيارات الرد، وفي الوقت نفسه قال إن العلاقات مع السعودية استراتيجية ولا يمكن أن نفقدها. ولكن، أوبك بلس، خفّضت إنتاجها بنحو مليوني برميل يوميا وهذا الحديث نظري، وهكذا اجتماعات وقرارات نظرية تُعقد وتُتخذ شهريا. بمعنى آخر، هذا القرار يمكن أن يتم التراجع عنه في أي وقت، وواشنطن تعرف ذلك تماما“.

أما الرأي السعودي، فيقول، المملكة تريد الاستقرار على مستوى الإنتاج، وأنه خلال الصيف كان هناك قدر كبير من الاستخدام النفطي، بسبب التكيفات والاستخدام الكبير للسيارات. ومع ذلك، في الشتاء سينخفض الطلب على النفط، وبالتالي نريد خفض الإنتاج، على حدّ تعبير شحادة، في حديث سابق لـ“الحل نت“.

ولا يخفى على أحد أن هذه الحركة متبوعة سياسيا، خاصة وأن دولتي الإمارات والسعودية، لا تتفقان ولا تميلان نحو روسيا أو الصين، لكنهما في الوقت نفسه لديهما قرارات مناوئة للإدارة الديمقراطية الأميركية الحالية، على إقرار تصريحات الأخيرة تجاه السعودية والتحالف الخليجي في اليمن.

عدم خفض كمية الأسلحة للخليج

السيناتور كريس ميرفي، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية للشرق الأوسط في مجلس الشيوخ، أفاد لشبكة “سي أن بي سي” إنه يعتقد “أن الوقت حان لإعادة تقييم شامل للتحالف الأميركي مع السعودية“.

وفي مجلس النواب، قدم توم مالينوفسكي وشون كاستن وسوزان وايلد، تشريعا يسعى إلى سحب القوات الأميركية من السعودية والإمارات.

السعودية هي أكبر عميل للمعدات العسكرية أميركية الصنع، إذ توافق وزارتا الخارجية والدفاع على طلبات بمليارات الدولارات لها كل عام. وفي آب/أغسطس أعلنت إدارة بايدن، بيع صواريخ باتريوت الاعتراضية ومعدات تصل قيمتها إلى 3.05 مليار دولار للسعودية.

قد يهمك: اليمين المتطرف الإيطالي.. ما هي تحديات الحكومة الجديدة؟

بالعودة إلى الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، فإنه يرى أن تصريحات الإدارة الأميركية تأتي في سياق تهديد وتخويف، حيث قال: “نحن ندرس عدّة خيارات“، وبالطبع خيار تقليص ومنع بيع الأسلحة سترفضها البنتاغون أو وزارة الدفاع الأميركية، خاصة وأنه في الفترة الحالية تدرس أميركا والاتحاد الأوروبي، عقوبات جديدة ضد إيران، خاصة بعد أن ساعدت إيران روسيا في توريدها وبيعها لطائرات مسيرة، وبالتالي تخفيض كمية بيع الأسلحة للسعودية والإمارات سيكون انتصارا للحوثيين في اليمن، رغم أن الحوثيين أبلغوا الشركات الإماراتية والسعودية العاملة في اليمن، لمغادرة أراضيه.

على اعتبار أن الهدنة في اليمن، التي انتهت في بداية هذا الشهر، فإن الوضع الخطير وغير المؤكد في البلد المُدمر جرّاء الحرب قد يجعل السعودية عرضة لهجمات الحوثيين بصواريخ وطائرات بدون طيار، خاصة وأن السعودية تعتمد على الولايات المتحدة، في ضمان أمنها، والحماية، وهذا الواقع يمنح واشنطن بعض النفوذ الذي يدعو عدد من المشرّعين الأميركيين إدارة بايدن، لاستخدامه من أجل التأثير على سياسات الطاقة السعودية لكن، قد لا تتمكن أميركا من اتخاذ قرار خفض أسلحة لدول الخليج أو سحب البطاريات الدفاعية، لأن هذا سيعني أن أميركا تركت المنطقة للصين، وهي في حرب شرسة معها، و بالطبع كل هذا يأتي في إطار الصراع الإقليمي والدولي.

ضغط إعلامي؟

في المقابل، نقلت مجلة “بوليتيكو“، عن عضو مجلس النواب توم مالينوسكي، مطالبته للإدارة الأميركية بـ“التوقف عن التصرف كالمهزومين” في العلاقة مع السعودية والإمارات، مشيرا إلى ضرورة “التأكيد على أن الخدمات التي نقدمها لهذه البلدان تتطلب منها مراعاة مصالحنا واهتماماتنا المشروعة“. وأضاف: “وإذا لم يكونوا مستعدين للقيام بذلك، فعليهم العثور على صديق آخر“، وفق تعبيره.

مالينوسكي، اعتبر أن قرار خفض الإنتاج سيعزز أسعار النفط بطريقة تساعد روسيا على الاستمرار في غزوها على أوكرانيا، مؤكدا ضرورة عدم تقديم الولايات المتحدة مساعدة عسكرية للدول الراغبة في مساعدة موسكو بهذه الطريقة.

أما بالنسبة لخيارات رد أميركا على السعودية، فمن حيث المبدأ، يمكن أن تمارس ضغوطا إعلامية، خاصة وأن الإدارة الأميركية الحالية ليس لديها الكثير من الوقت، حيث أن أمامها نحو أربعة أسابيع قبل انتخابات التجديد النصفي، على حدّ وصف شحادة.

من الواضح إن الجمهوريين، وفقا للمعطيات والأرقام الحالية، أنهم سيأخذون مقاعد الكونغرس، وبالتالي فإن وضع جو بايدن وإدارته حرج، حيث سيتعين عليه اتخاذ قرارات رئاسية، لكن هذه القرارات لا يمكن أن تتحدى الكونغرس والبنتاغون، وبالتالي فإن خيارات الرد الأميركي ضيقة للغاية.

لكن، يمكن لأميركا أن تزعج دول الخليج، من خلال الملف اليمني، من خلال التصريحات الإعلامية، لأن اختيارات بايدن، محدودة في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية.

كما وترى دول الخليج والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، أن وصول الجمهوريين إلى الرئاسة الأميركية هو تعاون أو انتصار لهم، وبالتالي فهم لا ينصاعون كثيرا للإدارة الأميركية الحالية (الديمقراطيون)، وينتظرون الانتخابات التجديد النصفية، وأيضا الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وبالتالي، ستبقى العلاقات على هذه الوتيرة بين واشنطن والرياض، حتى الانتخابات. أما بالنسبة للعلاقات الأميركية السعودية فستكون مستقرة، خاصة وأن بلينكن، قال وشدد على أن العلاقات بين البلدين تاريخية، أي أن هناك عددا من الروابط الداخلية والتجارية والاقتصادية من النفط والغاز. لذلك، فإن جدول العلاقات بين البلدين لن يهتز.

السيناتور الديمقراطي إد ماركي، قال إنه سيعيد تقديم مشروع قانون لمطالبة الممثل التجاري الأميركي بمتابعة ملف ممارسات الدول المنتجة للنفط الاحتكارية والمناهضة للمنافسة.

كما دعا السيناتور الديمقراطي جو مانشين، يوم الأربعاء الفائت، إلى استثمار المزيد من الموارد الأميركية في إنتاج المزيد من وسائل الطاقة الأحفورية. وقال مانشين، في بيان له “إعلان اليوم من أوبك بلس يؤكد لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستقلة وآمنة للطاقة حتى لا يتم تخويفنا من قِبل الخصوم الأجانب“.

الجدير ذكره، أنه منذ أكثر من عشرين عاما، طُرح في الكونغرس مشروع قانون، أطلق عليه “نوبيك“، يسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة أعضاء منظمة “أوبك” بتهمة مخالفة قوانين منع الاحتكار، ومن ثم مصادرة أصولهم في الولايات المتحدة لفرض تنفيذ أي غرامات مالية يحكم بها عليهم. لكن لم يتم إقرار القانون حتى الآن، حرصا على العلاقات مع السعودية، كما يقول المحللون. ويرى محللون أن قرار “أوبك بلس“، الأخير قد يعيد إحياء هذا التشريع.

في حين، يرى مسؤولون أميركيون إن فرض حظر على صادرات المازوت والبنزين، أمر ممكن لكنه ليس وشيكا. وقال محللون ومراقبون، إن الإدارة الأميركية من المرجّح أن تنتظر لترى ما إذا كانت الأسعار سترتفع مرة أخرى قبل اتخاذ إجراء صارم.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.