نسمع عن الدعم ولا نرى انعكاساته” يقول ناصر أبو العلاء وهو اسم مستعار لتاجر مواد غذائية يعمل في دمشق، منتقدا قرارات وأداء حكومة دمشق في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، وارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات في البلاد.

فجوة الأجور والإنفاق

على مدار السنوات القليلة الماضية، اتبعت الحكومة العديد من الآليات لمواجهة الفجوة بين الأجور وحجم الإنفاق الشهري للفرد، الذي لا يساوي سوى 15 بالمئة، من راتب الموظف في أفضل الأحوال، ومن أبرزها إقرار آلية الدعم للأفراد، لكنها فشلت في مواصلة هذا الدعم.

أبو العلاء قال في حديثه لـ“الحل نت“، “الدعم كانت آلية فاشلة، الحكومة حاولت فقط امتصاص غضب الشارع من الارتفاع المفاجئ في أسعار بعض المواد، ثم قامت بسحب الدعم شيئا فشيء، لا سيما الدعم المتعلق بالمواد النفطية، وتحدثت كذلك عن دعم المنتجين والتجار، وجميع ما ذُكر كان حبرا على ورق“.

أبو العلاء رأى أن دعم المواطن والعمل على زيادة دخله هو الأهم بالنسبة لمواجهة الازمة الاقتصادية وحركة السوق البطيئة، وأضاف “بالطبع الجميع بحاجة إلى دعم، لكن ما نواجهه هو انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، البضائع التي أشتريها أجد صعوبة في تسويقها بسبب انخفاض الطلب، الناتج بطبيعة الحال عن انخفاض القدرة الشرائية وانخفاض متوسط دخل الفرد مقارنة بالأسعار“.

أبو العلاء زاد بالقول، “المنتِج أو التاجر لا يحتاج إلى دعم، إذا كان يستطيع رفع السعر بما يتناسب مع التكاليف، لكنه بذات الوقت يحتاج إلى دعم غير مباشر، عَبر تأمين المحروقات مثلا وتأمين الكهرباء ومقومات الإنتاج الأساسية، لكن الحكومة للأسف فشلت في جميع ما سبق، حتى الدعم الذي أقرته سابقا للمواطن، لم تعد قادرة على تأمينه واستمراره، وبدأت في اختلاق الأعذار لسحب الدعم من أغلب فئات المجتمع“.

أمين سر غرفة تجارة دمشق وسيم قطان، اعتبر أن القرارات الناظمة والإجراءات الحكومية، أفقدت البلاد جذب المستثمرين من الخارج، داعيا إلى ضرورة دعم القطاع الزراعي، ودعم الإنتاج الزراعي الذي هو مقوم أساسي في إعادة إنعاش التنمية وتحقيق الكفاية كما العائدات للبلاد.

قطان قال في تصريحات نقلتها صحيفة “تشرين” المحلية الأحد، دعم المواطن والمستثمر يكون في عدالة مكافحة التهريب فلا يُسمح بمناطق ويمنع بأخرى، كما أن دفع الضرائب واجب، وعليه يجب أن تكون المحاسبة يومية وعن الوقت الحاضر فلا يحاسب التاجر على أخطاء رقابية سابقة ومتراكمة لسنوات.

الحكومة ومعاناة المواطنين

خلال العامين الماضيين، ساهمت القرارات الحكومية في زيادة معاناة السوريين في مواجهة الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار، في حين تواجه الحكومة اتهامات بعدم الشفافية، حيث أطلقت الكثير من الوعود المتعلقة بالدعم الحكومي وحل أزمات المواد النفطية والكهرباء، لكنها فشلت بالإيفاء بتلك الوعود رغم معرفتها أنها لم تكن قادرة على تنفيذ ما كان يقوله مسؤولو الحكومة.

وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية، أكدت أن قيمة المستوردات انخفض من 17 مليار يورو في العام 2010 إلى 6.3 مليارات يورو في عام 2018، وإلى 5.2 مليارات يورو في عام 2019، وصولا إلى 4.1 مليارات يورو في العامين 2020 و2021.

ووفق ما نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، “المستوردات السورية انخفضت من العام 2010 إلى العام الماضي 2021 بمعدل 75.9 بالمئة“.

قد يهمك: راتب المئة دولار حلم خريجي الجامعات في سوريا

تجار وصناعيون، اعتبروا أن ترشيد المستوردات عطّل الكثير من الأنشطة الاقتصادية وأسهم في خلق مساحة أوسع للمهربات، خاصة أن العديد من التقديرات غير الرسمية تفيد بارتفاع قيم المهربات كثيرا خلال السنوات الأخيرة وأن حجم العرض من المهربات في المحال والأسواق المحلية يقدم مؤشرات مهمة حول ذلك.

“الحكومة كانت تعلم لكنها أطلقت وعود وهمية“، يقول ماهر بسّوت وهو اسم مستعار لموظف في مديرية المالية بحلب، مؤكدا أن قدرة الحكومة المالية، لا يمكن لها أن تغطي تكاليف الدعم الحكومي الذي تم الإعلان عنه قبل أكثر من عامين.

بسّوت قال في حديثه لـ“الحل نت“، “لم تكن الحكومة ترغب في مواجهة غضب الشارع عندما اضطرت لرفع أسعار المحروقات ومختلف السلع، فكان الدعم الحكومي بمثابة إبرة مسكّن، لكن ومع ذلك فإن الحكومة لن تستطيع الاستمرار في دعم الجميع وتوزيع المواد بأسعار مدعومة، لذلك بدأ رفع الدعم عن الكثير من فئات المجتمع“.

مضيفا، “كذلك فإن الأزمة الاقتصادية العالمية، ساهمت في زيادة معاناة الحكومة أمام الأزمة الداخلية، فرأينا انهيارا في الاقتصاد وتراجعا كبيرا في قيمة العملة المحلية، بالطبع فإن الخاسر الأكبر هو الفرد، الذي تزيد تكاليف معيشته من جهة، وتنخفض القدرة الشرائية لدخله أو راتبه من جهة أخرى“.

راتب الحكومة لا يكفي للخبز

الموظف الحكومي ربما هو الخاسر الأكبر فعلا، فلم تعد فرصة العمل في القطاع الحكومي، تجذب الشباب او الباحثين عن فرصة عمل، خاصة مع تدني الأجور والرواتب التي تقدمها حكومة دمشق للعاملين، إذ يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي 150 ألف (نحو 30 دولار أميركي)، بينما تكون الأجور أفضل في شركات القطاع الخاص.

وبحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، فقد أصبح دخل المئة دولار أميركي، بمثابة حلم لكل خريجي الجامعات السورية، وهو الراتب التي تقدمه بعض الشركات الخاصة، ويكون محظوظا من قد يحظى بوظيفة تقدم هذا الراتب.

عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي، أكد أن جور العاملين في الجهات العامة باتت منفصلة عن الواقع، ومن غير المنطقي أن تعطي أجرا لموظف عن شهر كامل لا يكفيه لأكثر من يومين.

تيناوي أوضح في تصريحات صحفية سابقة الشهر الماضي، أن “حاجة الأسرة السورية اليوم لا يقل عن 1,5 مليون ليرة شهريا، وهو ما يعادل 10 أضعاف الأجور التي يحصل عليها معظم العاملين في الجهات العامة وللذين لا يزيد أجرهم الشهري على 150 ألف ليرة“.

استقالة أصحاب الكفاءات

نتيجة لتدني الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، فقد شهِد الأخير خلال السنوات الماضية، آلاف الاستقالات لأصحاب الكفاءات في مختلف الاختصاصات، ذلك ما اعتبره تيناوي، “مؤشرا واضحا على تردي الحالة المعيشية وبحث أصحاب الاستقالات عن فرص عمل بديلة“، محذرا من تحول “لاستقالات إلى ظاهرة تسهم في تفريغ المؤسسات العامة من الخبرات والعاملين الذين لديهم مؤهلات“.

الحكومة في دمشق تقف عاجزة أمام انهيار قيمة الرواتب والأجور أمام المواد الغذائية والسلع الأساسية للأسر السورية، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أفقد الرواتب في سوريا نسبة كبيرة من قيمتها، وهذا ما دفع المئات من موظفي المؤسسات الحكومية السورية إلى الاستقالة مؤخرا.

تعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

قسومة قال في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية قبل أيام، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

قسومة زاد بالقول، “أما عندما يكون راتب الموظف 200 ألف ولديه ولدين، فلا يكفيه هذا الراتب أن يُطعم كل ولد سوى نصف سندويشة فلافل، ثلاث وجبات في اليوم، وذلك دون أن يدفع كهرباء وماء ومصاريف أخرى“.

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

مع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط الأسعار، وتأمين المواد الأساسية والغذائية بشكل يكفي حاجة الأسواق السورية، وذلك على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها مؤخرا بهذا الصدد.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ3.5 ملايين ليرة.

وأشارت الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

جاء في الدراسة “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط”.

قد يهمك: “البيضة بـ500 ليرة”.. قطاع الدواجن يُحتضر في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.