استعدادات فرنسية قريبة للبدء بعمليات التنقيب عن الغاز في لبنان خلال الأيام القليلة القادمة، جاءت من خلال إعلان شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية، بدءها العمل بشكل فعلي في النصف الأول من العام 2023، حيث يشير ذلك إلى جدية فرنسا في استخراج الغاز اللبناني، بعد أن كانت غير متحمسة له قبل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الأخيرة مع إسرائيل.

“توتال إنرجيز” من خلال إعلانها السريع لبدء عمليات التنقيب هذه، أعادت لبنان إلى موقع الأولوية في أعمالها، ويستدل على ذلك وفقا لمراقبين، من خلال لجوء الشركة إلى لوجستيات ضمنها اضطرارها الى استئجار حفارة خاصة، لأن كل حفاراتها مشغولة في التنقيب في أكثر من بقعة حول العالم، وهذا يُعتبر بمثابة دليل إضافي على أن “توتال إنرجيز” لم تكن تنوي العمل في لبنان، وأن تغيير هذا القرار فجأة، اضطرها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية للعودة السريعة إلى المياه اللبنانية بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الأخيرة.

شركة النفط والغاز الفرنسية توصلت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية بشأن مصير حقل الغاز، مع دخول اتفاقية حدود بحرية مع إسرائيل حيز التنفيذ، حيث قال باتريك بوياني، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “توتال إنرجيز”، إنه “يجري الآن تعبئة الفرق المسؤولة عن عمليات الحفر في “بلوك 9 “، بالمياه الإقليمية اللبنانية على الحدود مع إسرائيل”، وفق ما نقله بيان للشركة.

إزالة التوترات

قبل انتهاء مهام وعهد الرئيس السابق ميشيل عون منذ شهر تقريبا، تم توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتضمن هذا الاتفاق تحديدا تقاسم المنافع الاقتصادية فيما يتعلق بحقول النفط، والإشكال الذي كان قائما على “بلوك 9″، والذي كانت مكلّفة عن التنقيب به شركة “توتال إنرجيز”، بحسب حديث الخبير الاقتصادي بلال علامة، لـ”الحل نت”. اتفاق الترسيم، أضيف إليه حقل “قانا” الذي يخرج عن إطار “بلوك 9” ويدخل بالعمق، بعد “الخط 23 ” إلى المياه الإقليمية الفلسطينية.

في هذه الحالة اعتبر ملف ترسيم الحدود أو الاتفاق الذي حصل، وفق علامة، هو الإشارة لإزالة التوتر والإشكاليات فيما يتعلق بعمل الشركات الدولية، حيث كانت شركة “توتال إنرجيز” جزء من التفاوض حينها، من خلال زيارة الموفد الأميركي هوكشتاين الأخيرة إلى فرنسا، حيث زار مقر “توتال إنرجيز”، وأبلغها بأن “العملية أصبحت آمنة، بعد إزالة مسببات التوتر والإشكاليات القائمة” وفق تعبيره.

قد يهمك: تبعات اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان

شركة “توتال إنرجيز” أعلنت أنها ستقوم بأعمال التنقيب اعتبارا من بداية 2023، في هذه الحالة من المفترض أن “توتال إنرجيز” ستستقدم كل المورّدين القادرين على مساعدتها، يقول علامة، إضافة إلى سفينة الحفر والمعدات اللازمة، إذ يبدو أنها قد استدرجت عروضا لاستقدام هذه المعدات والمورّدين، إضافة إلى السفينة التي أعلنت بأنها ستنطلق من ماليزيا في شهر كانون الثاني/يناير القادم، بحيث أنها ستنضم إلى السفن العاملة في الجنوب اللبناني، وفي المياه الإقليمية وتحديدا في “البلوك 9”.

ترسيم الحدود

لبنان وقّع اتفاقية ترسيم الحدود المائية مع إسرائيل مؤخرا، حيث نص الاتفاق على أن “الخط 23”، هو الفاصل بين الدولتين بدل “الخط 29″، وأتاح الاتفاق لدولتي لبنان وإسرائيل الاستثمار في استخراج احتياطيات النفط والغاز الطبيعي من حقلَي “كاريش” و”قانا”.

يحق للبنان الاستثمار في حقل “قانا”، مقابل التنازل عن مطالباته في حقل “كاريش”، بحسب نص الاتفاقية، ويُشار في الاتفاق إلى أن الشركة الفرنسية “توتال إنرجيز”، هي من ستتولى عملية التنقيب عن الغاز في حقل “قانا”، على أن تعطي شركة “توتال إنرجيز” إسرائيل 17 بالمئة من عائدات الحقل.

الاتفاق أتاح لإسرائيل الاستثمار في حقل “كاريش”، ولابد من ملاحظة أن لبنان لو بقي على موقفه من التقسيم على أساس “خط 29″، كانت لبنان ستحصل على أجزاء من احتياطيات حقل “كاريش” الغني باحتياطيات الغاز المؤكد.

مركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، يرى أن تحقق الصيغة التي تم التوصل إليها للاتفاق، فيها مكتسبات لجميع الأطراف المنخرطة في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، سواء طرفي الاتفاق أو الولايات المتحدة، التي قادت وساطة شاقة للتوصل إليه.

على الرغم من أن الاتفاق لا ينص على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بشكل كامل، وإنما يتعلق الأمر بمنطقة تبلغ مساحتها حوالي 860 كيلومترا مربعا، إلا أنه عالج ترسيم منطقة مهمة من الحدود، فنصت على أن يكون الخط الفاصل بين المنطقتين الاقتصاديتين للبنان وإسرائيل هو “الخط 1” بطول 5 كيلومترات فقط، على أن يصبح “الخط 23” هو الخط الفاصل فيما بعد ذلك، بما يضمن وجود المنطقة الآمنة التي طالبت بها إسرائيل وحصولها على حقل “كاريش” كاملا.

خيار استراتيجي

نتيجة الأوضاع السياسية في لبنان التي تنعكس بشكل كبير جدا على الوضع الاقتصادي، وعدم قدرة أي من الفرقاء الداخليين في لبنان من إنتاج حلول، يبدو أن خيار التنقيب عن النفط والغاز هو خيار استراتيجي، بحسب علامة، فتم التواصل مع “توتال إنرجيز” حتى تسرّع عملية البدء بالتنقيب للإعلام في حال كان يوجد غاز بكميات تجارية كافية، ومن ثم لتنتقل إلى البلوكات التي يشملها التلزيم في المرحلة الأولى، وبمعنى أوضح البلوكات “7و6و5و3و2و1”.

يعتقد علامة، بأنه في حالة التنقيب عن النفط والغاز والاستخراج الذي سيحصل، لن يكون هناك تأثير للوضع الداخلي السياسي المتأزم أو غير المستقر، بل على العكس، بمجرد البدء بالتنقيب وصولا إلى الإعلان عن وجود الغاز، سيعطي ذلك دفعا للفرقاء السياسيين في الداخل اللبناني كي يذهبوا بسرعة إلى إنتاج حلول، لأن بقاء الطبقة السياسية واستمرارها مرتبط بحلول اقتصادية، بحسب تعبيره.

اقرأ أيضا: اتفاق ترسيم الحدود.. ما هي مكاسب لبنان وإسرائيل؟

جميع عمليات التنقيب عن النفط والغاز في كافة دول العالم وليس فقط في لبنان، وخاصة  في ظل تردي أوضاع إمدادات الغاز من روسيا ودول الاتحاد الروسي إلى أوروبا، وحاجة العالم إلى مصادر من الغاز والنفط، كلها تخضع لرعاية دولية بحيث يتم إبعادها عن دائرة التوترات والانعكاسات الداخلية للدول، وبالتالي لا يعتقد علامة بأن “العمليات في ما يتعلق بالتنقيب والاستخراج، ستتأثر من الوضع الداخلي المتردي أو غير المستقر للبنان، بل على عكس ذلك تماما، ستكون حافزا لكي تدفع الفرقاء الداخلين في إيجاد حلول سريعة للخروج من الأزمة اللبنانية” وفق قوله.

يبدو أن الغاز يشكل الحل المتبقي الوحيد حاليا أمام لبنان، بعد أن تبيّن بأن كل محاولات السياسيين اللبنانيين التواصل مع دول العالم لم تنتج حلولا أو مساعدات، في وقت يبدو أن اتفاق لبنان مع “صندوق النقد”، طويل الأجل. بالتالي مازال أمام بيروت مرحلة صعبة جدا قد يكون الغاز والنفط هو المخرج لها من أزمتها، وفي حال نجحت “توتال إنرجيز” في عمليات الاستكشاف، ستحفّز شركات عالمية أخرى للتنقيب في البلوكات المتبقية، لكن الخطوات غير كافية في حال بقي الوضعان السياسي والاقتصادي غير مستقرين في لبنان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.