الهجمات المسلحة المباغتة في شمالي العراق، تحديدا بمنطقتي ديالي وكركوك، والتي نفذتها فلول تنظيم “داعش” الإرهابي، مثَّلت لحظة انبعاث مؤقتة تستهدف من خلالها الضغط على مخاوف قديمة من عودة “داعش” وكذا التهديدات الأمنية للسكان، لا سيما بعد إعلان العراق الانتصار على التنظيم الإرهابي، قبل شهور.

غير أن خلايا هذا التنظيم الإرهابي فيما يبدو تكشف عن تكتيكات مغايرة لإعادة التموضع وملء مساحات جغرافية جديدة بالاعتماد على المناطق الرخوة أمنيا؛ إذ إن منطق التحركات الخاطفة هو ما تتبناه خطط “الذئاب المنفردة” أحيانا، وهي بمثابة الحيل التكتيكية للتنظيمات المتطرفة في فترات أفولها وانحسارها.

فيما تتزامن هذه الهجمات، التي تؤدي دورا وظيفيا محدودا، مع تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني والتي ما تزال تواجهها تعقيدات جمّة، ومن ثم، تهدف إلى بعث معضلات أمنية على الحكومة الجديدة ومفاقمتها.

إزاء ذلك تبرز عدة تساؤلات حول أسباب انبعاث “داعش” في العراق، ولماذا ظهر التنظيم في مناطق معينة مثل كركوك وديالى، وفيما إذا كانت أسباب هذا الانبعاث يعود لوجود حاضنات متطرفة أم أن هذه الجغرافيا رخوة أمنيا. وأخيرا، ما سبب تصاعد هجمات “داعش” في المنطقة ككل.

تفاصيل الهجمات

في السياق، عاود “داعش” منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي هجماته النوعية ضد القوات العراقية في أطراف كركوك وديالى، بعد توقف لأشهر جاء نتيجة سلسلة من العمليات الأمنية التي نُفّذت ضد وجود التنظيم في التلال والجبال المحيطة بالمدينة.

يوم الأحد الماضي، وقعت إحدى أعنف الهجمات التي نفذها التنظيم هذا العام في العراق، حيث قُتل ما لا يقل عن 7 عناصر من قوات الأمن العراقية، بينهم ضابط كبير برتبة رائد، وأصيب 3 آخرون، في هجوم استهدف مركبتهم في محافظة كركوك شمال العراق.

أما ثاني أعنف هجوم والذي وقع في أقل من 24 ساعة، فقد استهدف تنظيم “داعش” الإرهابي، في ساعة متأخرة من مساء يوم أمس الإثنين، مدنيين بإحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى شرقي العراق، ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص.

إزاء الهجوم الأول، وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بتشكيل مجلس تحقيقي بالحادثة الإرهابية. كما قال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول، في بيان نشرته “وكالة الأنباء العراقية” (واع) أن “ضابطا برتبة رائد وعددا من المنتسبين استشهدوا في عمل إرهابي جبان بانفجار عبوة ناسفة على دورية تابعة لقوات الشرطة الاتحادية اللواء الآلي الثاني في قرية علي السلطان بناحية الرياض في كركوك” .

البيان أضاف أن “العناصر الإرهابية لجأت إلى أساليب خبيثة بعد أن تلقت ضربات موجعة على يد قواتنا الأمنية البطلة”، مشيرا إلى أن “القائد العام للقوات المسلحة وجه القطعات الأمنية بالانتباه وتفتيش الطرق بشكل دقيق وعدم إعطاء فرصة للعناصر الإرهابية، كما وجّه أيضا بتشكيل مجلس تحقيقي بهذا الحادث الإرهابي”.

قد يهمك: قبيل الانتخابات.. تحالفات خطيرة للمعارضة الموريتانية تكسر “حاجز الصمت”؟

أما الهجوم الثاني، فقد كشف قائمقام قضاء الخالص بمحافظة ديالى، عدي الخدران، تفاصيل الهجوم الإرهابي على قرية البو بالي، الذي راح ضحيته 11 مدنيا ما بين قتيل وجريح .

فبحسب “واع”، فإن “مجموعة إرهابيين كانوا يستقلون دراجات نارية هاجموا قرية البو بالي، التي تقع في أطراف قضاء الخالص، من 3 محاور، في الساعة الثامنة والنصف مساء من يوم أمس الإثنين، والقرية تعد من القرى الزراعية ويقطنها مزارعون. في حين هب العشرات من الأهالي للتصدي للهجوم الإرهابي، وكان بعضهم غير مسلح”.

الوكالة أشارت إلى أن “العملية الإرهابية التي استمرت لمدة نصف ساعة، أسفرت عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 3، من بينهم شخص بجروح بليغة”، منوهة أن “القوات الأمنية تجري عمليات تفتيش بحثا عن الإرهابيين”.

ضرورة دعم “التحالف الدولي”

في السياق ذاته، قال الكاتب والباحث السياسي العراقي، علي البيدر، أثناء حديثه مع موقع “الحل نت”، إنه بالرغم من أن البلاد لديها إمكانات كبيرة على مستوى الأفراد في القوات الأمنية، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى الدعم والاسناد ووجود “قوات التحالف الدولي” على مستوى التمويل وإدارة المشهد الأمني، ذلك لأن هذه القوات تمتلك الخبرة والمعلومات لمواجهة التنظيمات الإرهابية في البلاد والمنطقة عموما.

خاصة وأن هذا التحالف مكّن وساعد قوات الحكومة العراقية في تجاوز العديد من المعوقات الأمنية، وما زالوا بحاجة إلى هذا الدعم، بحسب البيدر.

 في حين أشار مراقبون إلى أن “وقوع هجومَين كبيرَين في كركوك وديالى على التوالي خلال يومي الأحد والإثنين، وراح ضحيتهما عشرات القتلى والجرحى، هو مؤشر خطير على أن التنظيم الإرهابي يسعى لتوسيع نطاق عملياته مجددا في العراق”.

عوامل عودة ظهور “داعش”

عودة “داعش”، لمن يتابع المشهد الأمني في المنطقة، يرى أنه لفترات طويلة لم تكن هناك عملية استباقية في الجانب الأمني، وأن الخطط الأمنية ما زالت غير محدثة، ولا يوجد تغيير فيها إلا على عناوين معينة وقد لا تكون المؤسسات الأمنية في حاجة إليها، لذا، طبقا لتقدير البيدر، فإن الافتقار إلى الاحتراف في الجانب الأمني ربما يكون قد ولّد ما يسمى بـ “الخروقات الأمنية”، التي حدثت في كل من كركوك وديالى.

قد يهمك: كيف سيؤثر مقتل ثاني زعيم لـ”داعش” في 2022 على التنظيم؟

البيدر أشار إلى أن الخروقات الأمنية وكذلك تزايد للعمليات الإرهابية للتنظيم، هو نتاج طبيعي لعدم قدرة الحكومة العراقية لوحدها على القضاء النهائي على “داعش”، فضلا عن اعتبارات التضاريس، مضيفا “داعش يستغل عددا من العوامل لإعادة تنظيم صفوفه والتحرك في مناطق عراقية بعينها، تبعا بالدرجة الأولى لاعتبارات التضاريس الجغرافية الصعبة، حيث تؤمن الجبال والبساتين والأحراش وأعماق الصحاري بيئات ملائمة لعناصره للتحصن فيها والتمويه”.

البيدر استطرد ذلك بالقول “كما يوظف التنظيم الطبيعة المناخية في تلك المناطق لخدمة أهدافه، فكثيرا ما يستغل تقلبات الطقس وظواهره، من ضباب وغيار وأمطار، للتغطية على تحركاته وتسهيلها”.

في حين، أرجع الأكاديمي والباحث السياسي هيثم الهيتي، انبعاث التنظيم في هذه المناطق إلى أكثر من عامل، ولعل أبرزها وفق ما تحدث لـ”الحل نت”، وجود مثل هذه المناطق تحت سيطرة قوى سياسية محددة، مثل مجموعة الميليشيات التابعة لـ “الحشد الشعبي” وغيرها من القوة التي تسيطر وتتحكم بمصير المنطقة حسب الحاجة السياسية، وبالتالي هناك أجندات خفية للقوى السياسية لظهور” داعش” في هذا الوقت الحالي.

بالتالي على القوات الأمنية العراقية تشديد وتكثيف ومراجعة الخطط الأمنية، وتوسيع رقعة العمليات الاستباقية الاستخبارية والعسكرية ضد التنظيم وخلاياه النائمة في المناطق التي تتواجد فيها تلك الفلول، من ديالى شرقا مرورا بصلاح الدين وكركوك، وصولا إلى نينوى والأنبار غربا، وعبر الحدود العراقية السورية.

كذلك، بحسب الهيتي، فقد بات من الضروري إنهاء الدور الإرهابي لـ “داعش” والنموذج الفكري والاجتماعي من خلال تشديد القبضة الأمنية من قبل الحكومة العراقية في بغداد.

“داعش” لن يعود؟

الباحث السياسي، علي البيدر، أشار إلى أن تنظيم “داعش” الإرهابي لن يعاود لسيطرته على المدن والمناطق مهما كانت حاضناتها وقدراتها وظروفها لسببين؛ الأول يتعلق بالتنظيم نفسه، حيث يرى التنظيم إذا أعلن نفسه من جديد في الوقت الحالي كما أعلن في عام 2014، فإنه سوف يُقضى عليه تماما مهما كانت الظروف والبيئة لصالحه، لذلك لن يغامر بإعلان نفسه وعودته مجددا، وهذا تكتيك خطير وليس بعيدا عن هذا التنظيم الإرهابي.

أما السبب الثاني، وفق البيدر، فهو مرتبط بالأهالي، “فمن خلال تجارب سابقة، وجد من خضعوا للتنظيم أن ردود الفعل على المستوى الاجتماعي والسياسي وحتى الأمني كانت قاسية للغاية، مع بعض البؤر والمناطق التي تعاطفت مع التنظيم، لذلك لن يستقبله أحد مرة أخرى”.

بحسب البيدر، فإنه من المهم التنسيق وتشديد القبضة الأمنية وتحديدا في المناطق المشتركة مع قوات “البيشمركة” الكردية، ذلك لأن هذه القوات تمتلك العديد من الخبرات لتسوية المشهد الأمني هناك.

في حين حذر العديد من المراقبين من أن “داعش يسعى للعودة وبقوة في محافظات العراق التي كان ينشط فيها سابقا، إبان سيطرته على مناطق واسعة من البلاد بين عامي 2014 و2017”.

“داعش” قد يعيش فتراته الأخيرة في العراق، بسبب قوة القدرات والاستعدادات الأمنية العراقية وربما زيادة دعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن لاحقا، بجانب الرفض المجتمعي له، بالتالي بات تنفيذ خطط صارمة وزيادة مستوى التعاون مع قوات “البيشمركة” الكردية، والتي لديها إمكانات وخبرة جيدة في تسوية المشهد الأمني في هذه المناطق والتضاريس، أمرا ضروريا لردع التنظيم وضمنان عدم عودته مجددا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.