مخاض مهم تشهده الساحة السياسية في موريتانيا، في ظل اقتراب استحقاق الانتخابات التشريعية التي تجري للمرة الأولى في عهد النظام الحالي برئاسة محمد ولد الشيخ الغزواني، والمزمع عقدها في الربع الأول من العام الجديد 2023، وذلك بعد أن لوّحت المعارضة بتحالفات وصفها الكثيرون بـ”غير المتجانسة”.

أحزاب المعارضة، ترى بأن السبيل لإعادة الأمل للموريتانيين والمُضي قُدما في ترسيخ الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتنفيذ برامج واسعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تضمن تطوير البلاد، يكون بتنظيم حوار سياسي شامل.

حدة انتقاد المعارضة الموريتانية لأداء الحكومة، تصاعدت خلال الأيام الأخيرة، وسط تلويح أحزاب رئيسية بالتصعيد، إذا لم تبدأ جلسات الحوار السياسي الذي دعا لها الرئيس الموريتاني، في أيلول/سبتمبر الماضي.

احتقان ملفوف

تصريحات المعارضة تدل على عدم ثقة في إجراءات الأغلبية الحاكمة؛ وتعبّر عن احتقان ملفوف في جو حوار طويل ورتيب وناقص، بحسب حديث الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الموريتاني، إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا، لـ”الحل نت”، حيث يعتبر أن لي الذراع الذي تعرضت له المعارضة من قِبل النظام، باستقطاب فاعلين اقتصاديين، وتعيين رموز منها في مناصب حزبية وحكومية موالية أثناء الحوار وقبله وبعده؛ أثار حفيظتها لأنها تراه تجفيفا لها واستنزافا لكوادرها.

المعارضة تقلق من تدخل السلطات في الانتخابات وسيرها، ومن استخدام المال السياسي، لشراء الأصوات، وهي إشكاليات يقول المحللون السياسيون، إنها “لم تُحسم ولم يتم التطرق لها بشكل تفصيلي في الحوارات الماضية بين المعارضة والنظام” بحسب موقع “الجزيرة نت”.

قد يهمك: موانئ القرن الإفريقي.. طموح اقتصادي أم مشروع سياسي؟

وزارة الداخلية الموريتانية، كانت قد وقّعت مع الأحزاب السياسية، اتفاقا يتعلق بالتحضير للعملية الانتخابية في أيلول/سبتمبر الماضي. نصّت الوثيقة الموقعة على التزام الحكومة بتمكين لجنة الانتخابات من ممارسة صلاحياتها كاملة، ومدّها بالوسائل اللازمة لضمان شفافية العملية الانتخابية.

رغم إقرارها بأن الاتفاق أتى بتحسينات مهمة؛ حيث تم لأول مرة اعتماد التصويت المباشر للجاليات، وأتاح لائحة من المرشحين الشباب، مع التزامات بضمان الشفافية في الانتخابات، فإن المعارضة تعتقد أن “الاتفاق جاء في ظروف ليست في صالحها”، وفي آخر تصريح له، قال محمد محمود ولد سيدي، رئيس حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” المعارض “تواصل”، إن “ممارسات السلطات لا تُنبئ عن التزامها ببنود الاتفاق ولا مضامينه”، على حدّ قوله.

تحدّ للكل

الانتخابات القادمة تحدّ للكل، وفق سيديا، فالنظام له أجندة رتيبة في تنفيذ التزامات الرئيس غزواني، خصوصا في شقها التنموي؛ ويعاني كذلك من تبعات الملف القضائي لعشرية الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز، الذي تمت إدارته بدهاء أكثر من الحسم، مما جعل الرئيس الأسبق يبرز كمعارض راديكالي غير مهادن وجعل من التقرب منه خيانة للأغلبية، وفق تعبيره.

بينما المعارضة تعاني من انعدام ثقتها فيما بينها من جهة، وعدم إجماعها على ضم الرئيس الأسبق لصفوفها من جهة أخرى، يقول سيديا.

قوى سياسية وشخصيات وطنية، لوّحت بتحالفات لكسب الرهان في الانتخابات المقبلة، من ضمنها حزب “الرباط الوطني” الذي ينتسب له الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. إذ تستمر أحزاب الأغلبية وعلى رأسها “الإنصاف” الحاكم، في التعبئة لبرنامج الحكومة وتثمين إنجازاتها في مهرجانات، وُصفت بأنها “حملات سابقة لأوانها”.

اجتماع الأحزاب والشخصيات المعارضة مؤخرا بمقر حزب “تواصل”، والذي شارك فيه حزب “الرباط الوطني” الذي ينتسب له الرئيس السابق، و”تحالف العيش المشترك” المقرّب من حركة “أفلام”، والحقوقي المثير للجدل برام الداه اعبيد، وُصف من أنصار النظام، بأنه “غير متجانس”، بحسب موقع “الجزيرة نت”، حيث اعتبره البعض تمهيدا لتحالفات خطيرة قد تعصف بالهدنة، ولاقى الاجتماع رفضا واسعا من جماهير الأغلبية التي اعتبرته “جُرما”، بحسب تعبيرهم.

لكن المعارضة بالمقابل، اعتبرت اجتماعها طبيعيا للتنسيق ومناقشة خطها في المرحلة المقبلة، وأكدت أن تعاونها وتنسيق أحزابها المختلفة في الانتخابات لا يعني اندماجها، ولا تطابق وجهات نظرها.

نائب رئيس “تواصل” المعارض، اعتبر أن التهدئة عنوان فقط يتغنى به النظام. وصرح ولد سيد محمود قائلا، “لم تعد هناك تهدئة سياسية في موريتانيا بالمعنى الجوهري، خصوصا عندما حُرمت الأحزاب من حقها في الترخيص، وكُممت أفواه الناس، واعتُقل المحتجون على سوء الأوضاع”، وفي تقديره فإن الأمور “لم تعد تنطلي على أحد والأيام كافية لزوال بريق التهدئة” على حد قوله.

اقرأ أيضا: انفصال إقليم أزواد.. تصعيد جديد في مالي؟

المعارضةُ تطالب الحكومةَ بانتخابات حرة ونزيهة، وتوفير سجل وطني للناخبين من أجل ضمان مشاركة الجميع وتسهيل إجراءات الترشح والانتخاب، وكذلك الترخيص للأحزاب السياسية المستوفية للشروط والممنوعة من حقها في الترشح.

الصوت الواحد

نظام الصوت الواحد بحسب الصحفي إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا، يختصر عملية التصويت في الانتخابات العامة من الناحية الزمنية؛ لكن نتائجه ليست محسومة لأي جهة، وفق تعبيره.

صحيح أنه قد يتلبس بالتصويت العقابي، وقد يحد من قبول بعض المرشحين لصالح عدم قبول غيره، سواء كان ذلك في النيابيات أو البلديات وغيرها، لكن إضافة اللائحة الوطنية للشباب إلى اللائحتين الوطنيتين للنساء والمختلطة، يجعل من عملية الاقتراع عملية طويلة ومعقدة ويزيد من حظوظ البطاقات اللاغية.

لذلك فأكبر عدو للعملية الانتخابات الموريتانية العامة القادمة هو الوقت، لأن الفرقاء يريدون أن يقوموا بكل شيء في وقت قصير.

الانتخابات الموريتانية القادمة سيتنافس فيها 25 حزبا، مقابل 100 حزب شارك في الانتخابات الماضية، ويُعد ذلك وفقا لمراقبين، تحدّ جديد للنظام لأنه يرفع القاسم الانتخابي ويؤثر على نتائج العملية الانتخابية، لكن مقابل ذلك يوجد دوائر انتخابية في الداخل، استُهدفت بتقطيع إداري جديد، وهذا الإجراء يميل لصالح النظام، إذ إنه يقلص من حضور المعارضة فيها.

الاحتقان المبكر والتحديات بين النظام والمعارضة، تجعل من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات المقبلة، وخصوصا مع إصرار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على البقاء في الساحة السياسية، وعزمه خوض غمار الانتخابات، إلا أن المستقبل القريب كفيل بكشف الكثير مما تحمله الأيام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.