مقاطعة واسعة وإقبال وصف بالهزيل، شهدته الانتخابات البرلمانية المبكرة في تونس، حيث أغلقت مكاتب الاقتراع أبوابها، السبت 17 كانون الأول/ديسمبر الجاري، ما يطرح تساؤلات عدة حول مصير ما ستذهب إليه الأمور بين الرئيس التونسي قيس سعيّد، والمعارضة السياسية المنقسمة والتي لا تحظى بثقة كاملة من التونسيين.

نسبة المشاركة الأولية في الدور الأول للانتخابات التشريعية كانت في حدود 8.8 بالمئة، ولم يسجل هذا الرقم منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر أحداث 2011، والتي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، حسب ما أعلنت عنه “الهيئة المستقلة” للانتخابات.

الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد 3 أسابيع، كانت باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.

أسباب العزوف عن الانتخابات

“هناك خيبة أمل من نتائج الانتخابات”، بحسب حديث المحلل السياسي وعضو مجلس النواب السابق، عبد العزيز القطي، لـ”الحل نت”، وهذا له أسباب عديدة منها، تداعيات العشر سنوات الأخيرة من حكم حركة “الأخوان المسلمين” و من معها، و ما قامت به من انتهاكات لكل مقومات و مؤسسات الدولة، و”أيضا العبث السياسي لكل القيادات التي قدّمت صورة مخزية للعمل السياسي الذي اقترن بالفساد و الانتهازية، و تبديد أمل التونسيين لحياة أفضل ووضع اجتماعي أحسن بعد 25 جويلية”.

هذا لم يتحقق، بحسب القطي، فكانت ردت الفعل بالعزوف عن الانتخابات، كعدم رضى على مسار رئيس الجمهورية، الذي لم يقدم برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي مقنع، وعجزه بإيجاد الحلول لوضع مالي واقتصادي منهار في البلد.

معارضون تونسيون، قالو إن “عزوف التونسيين عن التصويت في الانتخابات التشريعية، هو رسالة موجهة للرئيس سعيّد، بأن مشروعه فقد شرعيته وشعبيته”، في حين قال مؤيدون للرئيس إن “الانتخابات ستؤسس لمرحلة سياسية تعيد الاستقرار للبلاد، وستطوي صفحة منظومة فشلت سابقا بإدارة البلاد”.

صحيفتا “لاكروا” و”لوفيغارو” الفرنسيتان، اتفقتا على أن مقاطعة 90 بالمئة من التونسيين للانتخابات التشريعية، في بلد يعاني من صعوبات اقتصادية أمر خطير وخيبة أمل سياسية، كما تُعدّ فشلا مدوّيا ينقل تونس إلى وضع سياسي مسدود، ويضعف موقفها في مفاوضاتها مع “صندوق النقد الدولي” من أجل قرض حاسم.

قد يهمك: تونس والاقتراض من صندوق النقد الدولي.. النتائج والتبعات

غياب حملة انتخابية حقيقية، ووجود مرشحين مجهولي الهوية من دون انتماءات حزبية، ومقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية عوامل أسهمت في تدنّي المشاركة، بحسب “لاكروا”، حتى إن رئيس “الهيئة الانتخابية” فاروق بوعسكر، وصف مشاركة ما لا يزيد على 8.8 بالمئة من المسجلين بأنها متواضعة، ولكنها ليست مخجلة.

لوفيغارو” التي وصفت نسبة المشاركة بـأنها “ازدراء للرئيس”، نبهت إلى أن زعيم ائتلاف المعارضة الرئيسي أحمد نجيب الشابي، دعا الرئيس إلى ترك منصبه على الفور، وقال إن “هذه النسبة رفض شعبي كبير للعملية التي بدأت في 25 تموز/يوليو 2021، عندما جمّد قيس سعيّد البرلمان، وأقال رئيس وزرائه، مستوليا على جميع السلطات”.

ما دور المعارضة؟

المعارضة السياسية التي يتقدمها “حزب النهضة”، تبقى منقسمة وضعيفة لأن حلفائها الأيديولوجيين يعاكسونها، وتسعى إلى تعبئة الشارع ودأبت على تنظيم المظاهرات داعية قيس سعيّد إلى التنحي والرحيل.

البديل الذي تقدمه المعارضة لا يقنع التونسيين، بحسب القطي، حيث يقول، بإن “المعارضة ليس لها أي تأثير في دعواتها لمقاطعة الانتخابات، ولم يستجب لها الشعب. بل على العكس، التونسيون يعتبرونها السبب الرئيسي لما وصل إليه حال البلد اليوم”، وفق تعبيره.

 القانون الانتخابي الجديد الذي أقره الرئيس التونسي قبل شهرين من الانتخابات، نص على ضرورة ألا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي، ونتج عن ذلك غياب كامل لمشاركة الأحزاب. حيث طالبت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة والتي تضم “حركة النهضة”، الرئيس التونسي بالتنحي فورا عقِب المشاركة المتدنية في الانتخابات.

استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في تموز/يوليو الماضي، ولم يشارك فيه سوى نحو 70 بالمئة من الناخبين، فإن البرلمان الجديد مجرد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها المجلس الذي حله الرئيس، بحسب موقع “الجزيرة نت”.

أواخر أيار/مايو الماضي، استثنى الرئيس التونسي قيس سعيّد الأحزاب الأساسية من المشاركة في لجنة إعداد مشروع الدستور الجديد عبر حوار وطني، فيما رفض “اتحاد الشغل” حينها المشاركة فيه، معتبرا أنه “حوار شكلي يقصي القوى المدنية”.

ردود فعل متوالية

الرئيس قيس سعيّد خلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، علق على نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية، بقوله، إن “بعض الجهات المعروفة لم تجد هذه المرة شيئا تركز عليه، سوى نسبة المشاركة في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، للتشكيك في تمثيلية مجلس نواب الشعب المقبل، في حين أن نسبة المشاركة لا تقاس بالدور الأول فقط بل بالدورتين”، حسب تعبيره.

اقرأ أيضا: أزمة في الأسواق التونسية.. ما قصتها؟

“الرئيس مطالب بالجلوس مع كل الأطراف الوطنية الداعمة لمسار ما بعد 25 جويلية”، بحسب عبد العزيز القطي. وذلك لتحديد خارطة طريق للمرحلة القادمة، ووضع أساس لبرنامج إصلاح اقتصادي ومالي يقنع المواطن، ويخفف أعباء معناته ويقنع الشركاء المالين والمانحين من أجل مساعدة تونس.

بينما اعتبرت أحزاب وهيئات معارضة، أن نسبة المشاركة تمثل نهاية لشرعية الرئيس بشكل كامل، ودعت إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. حيث صرحت أحزاب رئيسية في تونس من بينها “جبهة الخلاص” و”الحزب الدستوري الحر”، إن “سعيّد لا يتمتع بالشرعية ويجب أن يتنحى، داعية إلى تحركات شعبية حاشدة ضد حكمه”.

الانتخابات التشريعية التونسية ترشّح لها 1055 مرشحا منهم 122 امرأة، ويتكون البرلمان القادم من 161 مقعدا نيابيا، في حين كان في السابق يتكون من 217 مقعدا، وتم تعليق المسار الانتخابي في 7 دوائر انتخابية بالخارج، نظرا لعدم قبول هيئة الانتخابات أي مطلب ترشح، وستجرى في وقت لاحق انتخابات جزئية لسد الشغور.

الانتخابات جرت على قاعدة الاقتراع على الأفراد، بعدما غيّر الرئيس القانون الانتخابي الذي كان يعتمد نظام الاقتراع على القوائم الحزبية والمستقلة، وجُوبِه قانون الانتخابات بانتقادات كثيرة، بسبب شروطه المعقدة التي قلصت الترشحات وألغت التناصف بين الجنسين والتمويل العمومي للحملة الانتخابية.

الموقف الدولي

الولايات المتحدة وصفت الانتخابات بأنها “خطوة أولى نحو استعادة المسار الديمقراطي للبلاد، إلا أن الامتناع القوي عن التصويت، يعزز الحاجة إلى زيادة توسيع المشاركة السياسية في الأشهر المقبلة”، وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس.

دعم الشركاء الأجانب، يعد حاسما بالنسبة لتونس المثقلة بالديون، والتي طلبت من “صندوق النقد الدولي” قرضا رابعا لـ 10 سنوات يقارب ملياري دولار، وهو ما سيمكن من فتح الباب أمام مساعدات أخرى سواء من أوروبا أو دول الخليج، وفقا لتقارير صحفية.

الاقتصاد التونسي يواجه أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي، بسبب عدم الاستقرار السياسي منذ أحداث 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إضافة لتداعيات جائحة “كوفيد 19″، وسط مطالبات للسلطات بالقيام بإصلاحات اقتصادية.

فشل الانتخابات التشريعية في تونس سيعقد المفاوضات بينها و”صندوق النقد الدولي”، للحصول على قرض تحتاجه للخروج من أزمة الديون التي تعانيها، لأن عودة تونس لوضعها الطبيعي، يراه مراقبون، من خلال إرساء سلطة تشريعية، تتولى دورها الرقابي والتنموي والتشريعي، وتفتح الباب أمام تحقيق استقرار سياسي ونمو اقتصادي واجتماعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.