العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأذربيجان.. النفط والسلاح وإيران أبرز دوافعها؟

بعد سنوات من الخوف الأذربيجاني من إغضاب إيران، وافق الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، على قرار البرلمان افتتاح سفارة لبلاده في إسرائيل. في خطوة تحمل في طياتها أكثر من رد تصعيدي ضمن الخطوات التصعيدية المتبادلة مع جارتها إيران، نظرا إلى تاريخ ومجالات التعاون مع تل أبيب.

تحت مسمى “فتح خيبر”، في إشارة لها دلالات تاريخية لتواجد إسرائيلي في أذربيجان، أجرت إيران مناورتها العسكرية الأخيرة بالقرب من حدودها المشتركة مع أذربيجان في تشرين الأول/ أكتوبر الفائت. العميد الإيراني محمد باكبور، قائد القوات البرية لـ”الحرس الثوري” الإيراني، اعتبر التدريبات العسكرية على حدود أذربيجان رسالة “سلام وصداقة” إلى دول المنطقة، مع إظهارها للقدرة على “الرد بحسم على أي تهديد”.

قبلها بأيام، افتتحت إيران قنصلية لها في بلدة كابان الأرمينية، على بعد 3 كيلومترات تقريبا من الحدود مع أذربيجان، والواقعة في منطقة سيونيك الأرمينية مركز النزاع المتزايد بين أرمينيا وأذربيجان.

العلاقة المضطربة مع طهران تقوي علاقة باكو بتل أبيب

في دراسة معنونة بـ “دور أذربيجان في التقارب التركي الإسرائيلي المحتمل”، على موقع مركز “الزيتونة” للدراسات والاستشارات. ذكر الدكتور سعيد الحاج، أن “أذربيجان الدولة المسلمة الأولى بالعلاقات الأوثق مع الكيان الصهيوني”. مرجعا الأمر، “كون الأخير من أوائل المعترفين بدولة أذربيجان، ولما يراه كل منهما لدى الآخر من مصالح، مثل الغاز والسلاح، وكذلك العداء أو الخصومة المشتركة مع إيران”. فبَعد عامين من اعترافه باستقلال أذربيجان عام 1991، افتتح الكيان الإسرائيلي سفارة له في باكو.

الاعتماد المتبادل، شكّل عصب العلاقة بين الجانبين، حيث يستورد “الكيان” ما يعادل 40 بالمئة من النفط الأذربيجاني المصدّر للخارج، بينما تُعد الأخيرة أهم الدول المستوردة للسلاح من “الكيان”، ويحتل المرتبة الثانية بعد موسكو، للدول المصدرة للسلاح إلى باكو خلال الفترة ما بين 2011-2020، وتشكل شراكة النظرة إلى إيران، العامل الأبرز في علاقة الجانبين. حيث وقفت إيران إلى جانب أرمينيا في حرب القوقاز في تسعينيات القرن العشرين.

على مدى العقود الثلاثة الفائتة، تطورت العلاقة بين الجانبين، لاسيما على صعيد التعاون الأمني والعسكري. ففي سنة 2009، نشرت “ويكيليكس” برقية أميركية، تتحدث عن استخدام إسرائيل الأراضي الأذربيجانية للتجسس على إيران، وفي عام 2012، نشرت مجلة “فورين” تقريرا تحدثت فيه عن تواجد إسرائيلي في القواعد الجوية الأذربيجانية، وأن ذلك يقرّبها من إمكانية ضرب إيران.

قد يهمك: اشتعال التوترات بين إيران وأذربيجان.. ما علاقة المكاسب الجيوسياسية الأذربيجانية والتركية؟

المواجهة العسكرية الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، خريف العام 2020، كشفت المستوى المتقدم للتعاون بين الجانبين، ونقلت العلاقات بينهما إلى مرحلة مختلفة، وفي آب/ أغسطس 2020، افتتحت أذربيجان مكتبا لترويج التجارة والسياحة في إسرائيل، اعتبرته الأخيرة تمهيدا لفتح سفارة لها.

الدكتور سعيد الحاج، الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، في حديثه “للحل نت”، يعتبر الصراع في جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، من الصراعات المعقدة والمهمة للدراسة والبحث، لأنها من زاوية ما، تؤكد أن الأيدولوجيا ليست السبب الوحيد للاصطفاف في الأزمات، وأن “الجيبولتيك”، ولعبة التوازن على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي ما زالت مؤثرة وفاعلة، ما يفسر الموقف الإيراني بعدم مساندتها لدولة “شيعية”، ومناصرتها دولة “مسيحية”، لاعتبارات تتعلق بالاصطفاف والتحالفات، وبشكل أساسي بعلاقة أذربيجان بإسرائيل، مع الدعم والعلاقة المميزة لأذربيجان مع تركيا، المنافس الإقليمي لإيران، بحسب تعبيره.

خلال حرب كاراباخ الثانية، عام 2020، غزت القوات الإيرانية الأراضي الأذربيجانية لفترة وجيزة، وكان الهدف من الغزو الإيراني، سحب القوات العسكرية الأذربيجانية بعيدا عن حركة الكمّاشة في الجنوب ضد القوات الأرمينية، وبعد هزيمة حليفتها أرمينيا، زادت العدوانية الإيرانية تجاه أذربيجان، نتيجة الشراكة الاستراتيجية بين أذربيجان وتركيا، وفقا لموقع “جيبولتيك مونيتور”. فـ”إيران غاضبة مما تعتبره خسارة لحدودها مع أرمينيا”.

إيران تعتبر الشراكة الأذربيجانية الاستراتيجية مع إسرائيل تهديدا لها، وفق الموقع، وأن اغتيالات شخصيات عسكرية إيرانية رفيعة المستوى، لاسيما اللواء قاسم سليماني إلى جانب علماء نوويين آخرين، تقوم بها إسرائيل من الأراضي الأذربيجانية. في المقابل تنفي أذربيجان استخدام أراضيها لشن هجمات ضد إيران.

علاوة على ذلك، تدعم إيران سرّا منظمة “كتائب الحسين” التي تعارض النظام الحالي في باكو، على الرغم من أنها تحرص على الحفاظ على علاقات وثيقة مع النظام أيضا، بحسب معهد “بحوث الأمن القومي”، نقلا عن مركز “حضارات” للدراسات السياسية والاستراتيجية.

العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية متطورة جدا، فأذربيجان كانت محطة المصالحة بين إسرائيل وتركيا، بالإضافة لعلاقتها القوية مع الإمارات العربية المتحدة، ولا نستطيع فصل علاقة إسرائيل وأذربيجان عن هاتين الدولتين، بحسب حديث الباحثة والمحللة في الشؤون الإسرائيلية، سارة شريف لـ”الحل نت”.

 مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف التي تسببها إيران لأذربيجان، فإيران “تحرك قواتها العسكرية كل فترة على حدودها المشتركة مع أذربيجان، ما يسبب القلق والتوتر للأخيرة” وفق تعبيرها.

شبكة المصالح المتبادلة بين أذربيجان وإسرائيل، أثّرت في تنامي العلاقة بينهما، بحسب شريف، والتسهيلات اللوجستية الأذربيجانية المقدمة لإسرائيل ضد إيران، سواء باغتيالها لعلماء نوويين إيرانيين، أو محاولة المساس بالمنشآت النووية الإيرانية، أو لناحية الحروب السيبرانية، تحدثت تقارير عديدة عنها بطريقة غير مباشرة. ويتوقع أن يستمر هذا التعاون في الفترة القادمة.

نبش التاريخ

تعميق العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية، بدأ كردّ على التهديدات الإيرانية المتزايدة، وفقا لتقرير آخر لـ” جيبولتيك مونيتور”. ففي عام 2013، صاغ أعضاء “مجلس الشورى” الإيراني، مشروع قانون يدعو إلى مراجعة معاهدة “تركمانجاي” لعام 1828، المعاهدة التي قسّمت أذربيجان التاريخية إلى قسمين، وأكدت تنازل إيران القاجارية عن الخانات الشمالية من ولاية أذربيجان لروسيا القيصرية.

نتيجة مبادرة البرلمان الإيراني، قام وزير الخارجية الأذربيجاني السابق إلمار محمد ياروف، بأول زيارة رفيعة المستوى إلى إسرائيل في أواخر أبريل 2013. ومع ذلك، امتنعت أذربيجان بشكل عام عن القيام بزيارات رفيعة المستوى إلى إسرائيل في الماضي، من أجل عدم استعداء إيران.

اقرأ أيضا: تجدّد القتال بين أرمينيا وأذربيجان.. صراع نفوذ بين الروس والأتراك؟

إيران سعت باستمرار إلى زرع الفوضى والإطاحة بالحكومة العلمانية في باكو، ففي عام 2007، أُدين خمسة عشر إيرانيا وأذربيجانيا بمثل هذه المؤامرة التخريبية، وفي عام 2008، تم إحباط مؤامرة من قبل “حزب الله” اللبناني، بمساعدة الأجهزة الإيرانية، لتفجير السفارة الإسرائيلية في باكو.

 في أواخر عام 2011، اغتيل الصحفي الأذربيجاني رفيق تاجي في باكو، بعد نشره مقالا ينتقد “الثيوقراطية” الإيرانية. وفي أوائل عام 2012، فككت الشرطة الأذربيجانية خلية إرهابية إيرانية لبنانية أخرى نظمها “الحرس الثوري” الإيراني بالتعاون مع “حزب الله”.

سعيد الحاج، يلحظ الاستشعار الأذربيجاني للأجواء الإقليمية والدولية، للإقدام على خطواتها في المناخات الدولية المناسبة، فحربها في ناغورنو كرباخ، جاءت عقب الغضب الروسي على أرمينيا، بعد الانتخابات التي أفرزت قيادة غربية التوجه لا ترضى عنها موسكو، مما جعل نتائج الحرب الأخيرة مختلفة عن نتائج المواجهات السابقة.

 مؤخرا تستشعر أذربيجان الضغوط الداخلية والخارجية على إيران، فالمظاهرات الداخلية الحالية، التي يتحدث الكثيرون عنها بأنها تشكل ضغوط غير مسبوقة على النظام، الضغوط الخارجية النابعة من تأخر الاتفاق النووي مع الغرب، وربما عدم حصوله بعد الحرب الروسية الأوكرانية، دفع أذربيجان إلى هذا النوع من الخطوات أي افتتاح السفارة، على حد وصفه.

أصبحت إسرائيل من أهم مورّدي الأسلحة لأذربيجان في السنوات الاخيرة، وبلغت مبيعاتها أكثر من 740 مليون دولار، وفقا لمعهد “ستوكهولم الدولي لبحوث السلام”، نقلا عن قناة “الحرة”.

في عام 2016، قال الرئيس علييف إن “بلاده اشترت 4.85 مليار دولار من المعدات الدفاعية من إسرائيل التي لم تؤكد هذا الرقم”. وفي تشرين الأول/أكتوبر، أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، زيارة رسمية إلى أذربيجان، التقى بنظيره الأذربيجاني، ذاكر حسنوف، إضافة إلى الرئيس إلهام علييف. وركزت الزيارة على قضايا الأمن والسياسة بهدف تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين.

بالنسبة لسارة شريف، فإن “افتتاح سفارة لها في تل أبيب خطوة أذربيجانية متوقعة، منذ عام 2020، عندما ابتدأ الحديث عن اتفاقات التطبيع الإبراهيمية، كانت أذربيجان من الدول المرشحة بقوة. عطلت الحرب مع أرمينيا والحسابات الأذربيجانية لتداعياتها في المنطقة هذه الخطوة خلال السنتين الفائتتين”.

 افتتاح السفارة قد يؤثر على أنماط التصويت في الأمم المتحدة ضدها، من قِبل الدول التي تصوت ضد إسرائيل عادة. لذا اختارت انتهاء الحرب ليتم حسم الموقف بعدها. فالخطوة متوقعة ولكن التوقيت مرتبط بما يخص أذربيجان نفسها، دون اعتراض على الخطوة، وفق تعبيرها.

الدائرة الثالثة

انتصار أذربيجان في حربها مع أرمينيا عام 2020، والتوترات المتزايدة مع إيران، بالإضافة لتوقيع اتفاقات إبراهيم، وتطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، دفعت باكو لافتتاح سفارتها في تل أبيب، بحسب موقع “بحوث الأمن القومي”.

 إذ حررت أذربيجان زيادة عما خسرته من أراضيها خلال مواجهاتها السابقة مع أرمينيا، وإذا كانت مخاوف باكو من إثارة مشاعر العرب والمسلمين، جراء فتح سفارة في إسرائيل، ما يؤدي إلى التصويت ضدها في المحافل الدولية، فإن نصرها الساحق في الحرب الأخيرة، حررها من الحاجة للدعم في الساحة السياسية. كما أن اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية أضفت صبغة شبه روتينية على العلاقة الدبلوماسية الكاملة لدولة مسلمة مع إسرائيل.

الحاج، يعتقد أن من الصعب على أذربيجان أن تلعب دورا علنيا ومباشرا وواضحا بالاصطفاف إلى جانب “الكيان الإسرائيلي” في مواجهة إيران. بالرغم من التقارير والتصريحات الإيرانية الكثيرة التي تتحدث عن تسهيلات وتعاون استخباراتي وعسكري، وعن تقديم أذربيجان معلومات لتل أبيب، وعن تقديمها الأراضي الاذربيجانية لإقامة وعمل خبراء عسكريين وأمنيين، ومنها ما تحدث عن جنود إسرائيليين على الأراضي الأذربيجانية.

لكن بالرغم من تطور هذا المسار، نتيجة الدعم الإسرائيلي لأذربيجان، والدور المهم والحاسم للأسلحة الإسرائيلية في الحرب الأذربيجانية الأرمينية، من باب رد هذا الأمر، ومن باب تحقيق التوازن مع إيران، يعتقد الحاج، أن “تطور هذا التعاون لن يكون على شكل اصطفاف كامل وعلني ورسمي مع الكيان الإسرائيل ضد إيران، لأن ذلك قد يكون له ارتدادات غير مرغوبة بالنسبة لأذربيجان”.

بدورها، تشير شريف، إلى أهمية أذربيجان في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تعتبرها تل أبيب ضمن الدائرة الثالثة. والدائرة الثالثة بالمفهوم الإسرائيلي هي “إيران وتهديداتها وجوارها وكل ما له علاقة بها”. حيث تهتم إسرائيل بشكل كبير جدا، وبشكل استراتيجي بدول المحيط الإيراني، في محاولة منها لفتح علاقات مع هذا المحيط، وأذربيجان أهم حلقة في العلاقات الإسرائيلية مع دول الجوار الإيراني.

العلاقات الشائكة والتهديدات الوجودية في جنوب القوقاز، الموصوفة كأحد أعقد بؤر التوتر عالميا، دعت أذربيجان بداية للتوجه إلى الغرب لضمان بقائها كدولة مستقلة في جوار الاتحاد الروسي المتوثب لإعادة إمبراطوريته.

التوجه الغربي لأذربيجان، دفع طهران للقفز على شعار تجارتها بـ “حماية المستضعفين”، وقامت بدعم أرمينيا في نزاعها المستمر والمتجدد مع أذربيجان، مما دفع الأخيرة، بالتلاقي مع مصالح مشتركة، إلى بناء شراكة مع إسرائيل، لصياغة توازن جديد يحفظ الاستقلالية والبقاء لأذربيجان في مواجهة دولة أخرى تسعى لإعادة إمبراطورتيها الغابرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.