النظام الاقتصادي العالمي يتعرض لضغوط هائلة، مما يحد من آفاق نموه في المدى الزمني القريب، ويزيد من حالة عدم اليقين بشأن توقعات أدائه في المدى الزمني المتوسط، وبالاستناد إلى تقرير صادر عن “مجلس سياسات الأعمال العالمي” في العام 2019، فإن أوضاع الاقتصاد العالمي كانت مُتأزمة بالفعل منذ عام 2019، أي قبل عام من تفاقم أزمة جائحة “كورونا” التي بدأت في أوائل 2020، والغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وانتقال آثارهما الانتشارية العميقة في أرجاء العالم، ومع تنامي التوترات الجيوسياسية، واتساع تغيرات المناخ القاسية التي تُكبد العالم خسائر بشرية ومادية جمّة، والآثار الجانبية للإجراءات الحكومية المُتبناة لمواجهة هذه الأزمات الكارثية؛ يُصبح المشهد أكثر تعقيدا وتأزما.

من هنا يصف خبراء اقتصاديون العام 2023 بأنه سيكون الأسوأ. فإلى جانب أزمات طويلة المدى متراكبة ومتزامنة مُلقاة على عاتقه، تتزايد ردة فعل المستثمرين ورواد الأعمال الذين يواجهون حالة غير مسبوقة من التعقيد وعدم اليقين والغموض بشأن الحاضر والمستقبل، واحتقان مواطنين تتآكل مدخراتهم وأجورهم الحقيقية، وتنامي أعداد الفقراء واتساع الفجوة بينهم والأغنياء.

هذا الواقع الاقتصادي يطرح عددا من التساؤلات، حول المخاطر التي يواجهها الاقتصادي العالمي في العام 2023، وما العوامل التي تسببت بتأزم الاقتصاد، وإمكانية مواجهتها وإصلاح هذا الاقتصاد.

عوامل تأزم الاقتصاد العالمي

بحسب أحدث تقديرات “صندوق النقد الدولي”، فمن المتوقع انخفاض معدل نمو سنوي حقيقي للاقتصاد العالمي إلى 2.7 بالمئة في العام الجديد، بعد أن سجل 3.2 بالمئة في عام 2022؛ مع تباطؤ عالمي على نطاق واسع، وحالات من الانكماش.

تأثير التغير المناخي

الخبير الاقتصادي، حسن البكفاني، يشير خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن هناك عدة عوامل تسهم في تأزم الاقتصاد العالمي خلال العام الجديد، وهي استمرار لما كان يجري خلال العام المنتهي 2022 وما قبل ذلك، وعلى رأسها انخفاض حجم المنتجات الكلية لعوامل الإنتاج، حيث انخفضت قيمة هذه المنتجات إلى أدنى مستوياتها خلال أكثر من 3 عقود بنسب كبيرة تجاوزت 3 بالمئة، وهو ما يؤثر سلبا على تعزيز فرص النمو والازدهار في المدى الزمني الطويل.

البكفاني يضيف أن التضخم الاقتصادي المرتفع وحالة الركود، أدت إلى تراجع الاستثمار بشكل عام، إضافة إلى انخفاض قيمة الأسهم العالمية وهو ما أدى إلى تباطؤ في عمليات دمج الشركات والاستحواذ على شركات أخرى عالميا، كما قامت البنوك المركزية العالمية برفع أسعار الفائدة للحد من التضخم.

من جهة ثانية، فهناك عوامل أخرى ساهمت بتأزم الاقتصاد العالمي، من بينها استمرار ضعف تدفقات التجارة العالمية، حيث فقدت التجارة العالمية زخمها خلال النصف الثاني من عام 2022، حيث يتوقع أن تحقق نموا بنسبة 1 بالمئة فقط خلال عام 2023، لأسباب عدة؛ منها تباطؤ نمو الاقتصادات الرئيسية، وزيادة تكاليف الإنتاج، وارتفاع تكلفة المعيشة، ويُرجح ذلك نتائج “باروميتر التجارة السلعية”، حيث سجلت قراءة أيلول/سبتمبر الماضي 96.2 نقطة، منخفضة عن القيمة الأساسية للمؤشر (100 نقطة) وقراءاته السابقة.

قد يهمك:التغير المناخي.. تحديات قادمة ومقترحات دولية للحل

أيضا تنامي المخاوف المالية لدى الأفراد، وذلك بسبب الزيادات الكبيرة في تكلفة المعيشة خلال 2022، والتي أصابتهم بخيبة أمل بشأن تحسن أوضاعهم في 2023. ووفقا لتقرير مرصد التضخم العالمي الشهري لشركة “إبسوس”، بعد مقابلة حوالي 25 ألفا من البالغين في 36 دولة، يعتقد ما يقرب من سبعة من كل عشرة منهم أن التضخم سيستمر في الارتفاع، ويعتقد أكثر من ستة من كل عشرة أن أسعار الفائدة والبطالة سترتفع.

المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي

العديد من المخاطر بحسب دراسات اقتصادية قد تجعل من العام 2023 العام الاقتصادي الأسوأ حتى الآن، وهي مخاطر اقتصادية وعسكرية وسياسية وبيئية متعلقة بالتغير المناخي.

المخاطر الاقتصادية تتمثل في تدهور العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي أو بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وحدوث كساد عالمي ناتج عن تقييد السياسات النقدية، وحدوث موجة جديدة شديدة من متحور “كورونا”، بالإضافة إلى سياسة “صفر كوفيد” التي تتبناها الصين.

أيضا فإن هناك مخاطر عسكرية تشمل تحوُّل الحرب الروسية الأوكرانية إلى صراع عالمي، واندلاع صراع بين الصين وتايوان، وحدوث حرب سيبرانية، وهناك أخطار سياسية تنبع من احتمالية شتاء قارص يُزيد من حدة أزمة الطاقة الأوروبية، واضطرابات اجتماعية ناتجة عن ارتفاع معدلات التضخم حول العالم، وخطر بيئي يتضمن حدوث مجاعة نتيجة أحداث الطقس القاسي، والحرب الروسية الأوكرانية.

في هذا السياق، يرى البكفاني، أن هناك أخطارا أخرى يواجهها الاقتصاد العالمي، من بينها اضطرابات تنظيمية داخل الدول على مستوى العالم، ناتجة عن عدم القدرة على التنبؤ بالسياسات الحكومية، ومحاولاتها الاستجابة للأحوال الاقتصادية الصعبة والأوضاع المالية العامة، وهو ما قد يدفع بعض الحكومات إلى فرض مزيد من الضرائب أو القيود التجارية الحمائية لدعم مواردها المالية، مما يزيد من حالة عدم اليقين التي تطغى على قطاعات الأعمال.

أيضا بحسب البكفاني، فإن العالم حاليا يعاني من نقص لافت في الخبرات البشرية، وهو ما سيؤثر على الكفاءة في العمل وبالتالي سيؤدي لانخفاض كميات الإنتاج العالمية وهو ما سيُفاقم الأزمة الاقتصادية التي من الممكن أن تتعرض لخسائر بمليارات الدولارات خلال العام الجديد.

ما الذي يمكن فعله؟

في خضم مؤشرات عام 2023 غير المواتية، والمخاطر المرجح أن تُعمقها، لن يركن العالم لتوقعات تباطئه ويستسلم لها، فثمة فرص سانحة يمكن ترسيخها والبناء عليها، بإرادة ورغبة في طرق مسارات جديدة، والتعويل على الخبرة المُكتسبة من التعاطي مع أزمات السنوات الماضية، وتقييم مدى نجاح تدخلات المواجهة في شتى المجالات.

تأثير أزمة الطاقة

تحسين مستوى الصمود الاقتصادي، يُعد ركيزة أساسية لمقاومة الأزمات والتعافي السريع منها، والحد من آثارها، والاستفادة من فرصها. وقد يتطلب ذلك العمل على عدة محاور، ومنها وجود مزيد من التنويع للهيكل الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص، ومواجهة التغيرات المناخية، وتعزيز الأمن الغذائي، بالإضافة إلى إدماج مجتمعي فعَّال في العمل الحكومي، مع التعاون الدولي والإقليمي، وتحسين معيشة المواطنين.

بحسب البكفاني، فإن العالم يمكنه الاستفادة من التجربة التي خاضها خلال وبعد الأزمة الاقتصادية التي رافقت انتشار جائحة “كورونا” والتي عصفت بالعديد من اقتصادات العالم، إضافة للقدرة مع التعامل وإن كان بشكل نسبي مع الأزمة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وخاصة أزمة الطاقة، في التعامل مع الواقع الاقتصادي الجديد، والسعي نحو مشاريع للتعافي المبكر وخاصة من قِبل الدول الكبرى وبالشراكة مع الاقتصادات النامية، وهذا يمكن أن يؤدي لمواجهة جزء من المخاطر التي تواجه الاقتصاد.

أيضا لا بد من إشراك جميع الشعوب في العالم في عمليات التنمية خلال المرحلة القادمة، حتى ولو كان ذلك من خلال مساهمات بسيطة ومحدودة خاصة في مجال إحياء مناطق تعاني من الجفاف أو تهديد التصحر، من خلال اللجوء للحلول التقنية التي تملكها الدول الكبرى الفاعلة وجعلها في متناول الجميع بعد ضمانها من خلال الأمن السيبراني، حسب البكفاني.

في هذا السياق، تشير العديد من الدراسات إلى أن هناك آفاق مهمة لزيادة الإنتاجية، من خلال تعزيز عمليات الابتكار الشامل أي تحويل الابتكار إلى منتج أو خدمة نهائية، والاستثمار في القطاعات الأعلى إنتاجية، وتحسين المنافسة في الأسواق، والارتقاء بقدرات القوى العاملة وإطلاق مواهبها. كما تبدو أهمية تحسين “الملاءة المالية” لحكومات الدول؛ لأن النمو الاقتصادي المستند إلى الدين يُعتبر مسارا غير مستدام في المدى الزمني المتوسط والطويل.

أيضا من أجل مواجهة اضطرابات الطاقة والحد من التغير المناخي، يتعين تكثيف العمل على مستهدفات إزالة الكربون، ومصادر الطاقة المتجددة لتحقيق استقرار طويل المدى، وتوفير فرص استثمارية كبيرة وواعدة، عبر جيل جديد من الطاقة النووية والهيدروجين الأخضر وتطور تقنيات بطاريات التخزين. ولا شك أن ذلك يزيد من مستويات إنتاجية الطاقة.

مخاطر عديدة تهدد الاقتصاد العالمي في العام 2023، وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، لذلك لا بد أن تسعى الحكومات إلى العمل على إعادة بناء الثقة مع شعوبها والسعي معا نحو التخلص من أسباب الأزمة الاقتصادية وقيام الحكومات بتأمين بيئة أعمال آمنة يمكن من خلالها عبور هذه المخاطر والتخلص من آثارها.

إقرأ:الاحترار والتغير المناخي يهددان بحيرات العالم.. ما التوقعات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.