القارة الإفريقية واجهت جملة من الأزمات خلال العام الماضي 2022، والتي قد يتفاقم بعضها وتصبح أكثر تعقيدا في عام 2023 الحالي، أو تتسنى حلحلة بعضها الآخر. إن التحديات التي واجهتها القارة خلال العام الماضي لن تزول بلا شك بهذه السرعة أو البساطة، بالنظر إلى حجم الأزمات وضعف قدرات دولها في مواجهة هذه الأزمات والتحديات، فضلا عن أن الأزمات العالمية لها تأثيرات مضاعفة على القارة الإفريقية.

أبرز أربع أزمات وضعت العديد من دول إفريقيا أمام أزمة غذاء هي الأسوأ منذ عقد من الزمان، تسببت في موجة مجاعة، بدءا من موجة الجفاف التي شهدتها المنطقة نتيجة التغيرات المناخية مرورا بتداعيات جائحة “كورونا”، وصولا لتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، بالإضافة إلى أثر الصراعات الداخلية والاضطرابات الأمنية بهذه الدول.

يمكن القول إن أخطر أزمة في إفريقيا تتعلق بانخفاض مؤشرات الأمن الغذائي كنتيجة رئيسية لظواهر تغير المناخ واستمرار بعض النزاعات المسلحة، بجانب تصاعد وتنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، الأمر الذي يبعث بتهديد متزايد على مقدرات القارة في التصدي للأزمات.

في القرن الإفريقي، يتسبب الجفاف الشديد الناجم عن تغير المناخ في مجاعة واسعة النطاق، مما يؤدي إلى تفاقم أنشطة الجماعات الإرهابية في المنطقة. وربما يكون تحدي الفقر وتراجع قدرات دول جنوب القارة الإفريقية من بين دوافع الاستراتيجية الأميركية المعلنة في آب/أغسطس الماضي في شأن دول جنوب القارة الإفريقية، ولكن التساؤل هو، هل مثل هذه الاستراتيجيات ستكون ناجحة خلال عام 2023 في التخفيف من حدة المشكلات الإفريقية، لا سيما أن الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت مستمرة والتوقعات في شأن انتهائها تبدو ضئيلة ومجهولة.

هذا بالإضافة إلى أسئلة أخرى تثار، وهي عوامل استمرار الأزمات الإفريقية، وهل هناك أفق لنجاة القارة السمراء وسط الأزمات الدولية المتزايدة يوما بعد يوم، وكذلك تداعيات كل ذلك على القارة والعالم أجمع.

توقعات باستمرار الأزمات

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، نشرت تقريرا تضمن أهم التوقعات والأحداث المرتقبة في القارة الإفريقية في العام الجاري 2023، حيث أشارت إلى أن دولة نيجيريا تقف على شفا هاوية؛ بسبب الوضع السياسي المتأزم قبل الانتخابات الرئاسية، والانكماش الاقتصادي، وانعدام الأمن في البلاد.

كذلك، يتصدر الصومال الآن قائمة الطوارئ لعام 2023 الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية، وإن أكثر من 40 بالمئة من الصوماليين يحتاجون حاليا، أو سيحتاجون قريبا لمساعدات غذائية، إثر الجفاف الذي يضرب البلاد منذ 2020. رغم ذلك، فإن الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع حول العالم لم تصنّف بعد الوضع المأساوي في الصومال بأنه مجاعة.

“فورين بوليسي” أشارت إلى أن منطقة القرن الإفريقي تشهد أسوأ موجة جفاف عرفتها منذ 40 عاما، حيث تضرر حوالي 7.8 مليون صومالي من نقص الغذاء. وإنه من المتوقع أن يؤدي غياب موسم الأمطار للمرة الخامسة على التوالي إلى معاناة 8.3 مليون شخص، أي نصف سكان الصومال، جراء الجوع الشديد بحلول منتصف 2023.

قد يهمك: مشاركة إريتريا في الصومال.. تحالف إقليمي آخر يحتاجه القرن؟

هذا فضلا عن توقع بأن تتحول الانتخابات الرئاسية في دول إفريقية من بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وزيمبابوي إلى بؤر سياسية ساخنة في 2023. كذلك، فإن صعوبة تحقيق عملية السلام في إثيوبيا، من أهم الأزمات التي لا تزال تعصف بالقارة.

عوامل استمرار الأزمات

تحليل لـ”الاندبندنت”، أشار إلى عدة عوامل تفيد باستمرارية الأزمات في القارة السمراء، فمثلا انعكاس التغير المناخي على دول القارة برز في حالات الطقس المتطرف كالفيضانات والعواصف الاستوائية والجفاف، فالظاهرة الأولى تسببت في مقتل المئات وتشريد الآلاف في جنوب السودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد، حيث ألحقت مياه الفيضانات أضرارا بأكثر من مليون شخص في هذه المناطق والدول.

طبقا لمؤشرات الأمم المتحدة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي فإن أكثر من 3.4 مليون شخص نزحوا في غرب إفريقيا ووسطها خلال عام 2022 كنتيجة لأسوأ فيضانات منذ 10 أعوام، إذ إنها شرّدت 1.3 مليون شخص بنيجيريا وأثّرت في أكثر من 2.8 مليون آخرين، بينما أوقعت 300 قتيل في جنوب إفريقيا ودمرت عددا من الجسور والطرق.

الباحث الأنثروبولوجي في الثقافات الإفريقية، خليل منون، قال إنه لن تكون مبالغة إذا قيل إن العام 2022 هو عام واحد فقط من تاريخ طويل يقارب القرن من الزمان تراكمت فيه أزمات القارة الإفريقية.

منون أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، يرى أن هناك عدة أسباب ساهمت في تزايد الأزمات في القارة السمراء، على رأسها تعطل سلاسل الإمداد بسبب الحرب في أوكرانيا وهي واحدة من الأكثر الدول في الإنتاج الزراعي خاصة الحبوب، إضافة إلى النزاعات والصراعات التي تعصف بدول القارة والتي تؤثر على معدلات التنمية وتزيد الفقر، هذا إلى جانب تأثيرات جائحة “كورونا”، وأن هذه الأزمات ما هي إلا فصل من فصول أزمات القارة الإفريقية.

إن نشاط حالة الاستقطاب التي تمارسها القوى الدولية الكبرى اقتصاديا وعسكريا على ضم دول القارة الإفريقية لمعسكراتها لم يعد خافيا على أحد اليوم، الصين على سبيل المثال تستبق الصراع الروسي الأوكراني بتعيين مبعوث خاص لأقاليم إفريقية بعينها، على حد تعبير منون.

قد يهمك: تصعيد جديد في كوسوفو.. الحرب تطرق الأبواب؟

كذلك، الصراع الفرنسي الروسي على أشده وبشكل مباشر وعسكري بوجه من وجوهه يمتد من إفريقيا الوسطى بوسط القارة ليشمل أغلب دول غرب إفريقيا. ولعل واحدة من أهم تعقيدات المشهد المأزوم هو التدخلات الخارجية، أيّا كان شكلها وأيديولوجيتها، بنظم أو قيادات سياسية لا تتناغم مع النظم والقيم السياسية الغربية وديموقراطيتها، وليست بالضرورة أن تكون نسخة واحدة من الديموقراطية، طبقا لرؤية منون.

يتفق مع الرأي ذاته، محمد عز الدين، الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي ورئيس مؤسسة “النيل للدراسات الإفريقية والاستراتيجية”، حيث أشار لموقع “الحل نت”، إلى أن القارة الإفريقية كبيرة وغنية من حيث المساحة وكذلك الموارد، غير أن أزماتها تحدث على خلفية تدخلات القوى العظمى للهيمنة على مقدّراتها وعدم منحها أي مقابل وهي لذلك في فقر دائم. ومع جائحة “كورونا” وضعف المجال الصحي تشير المعطيات بأنها أبرز وأعقد الأزمات التي تواجه القارة وهناك مناطق غير آمنة ونزاع على السلطة وإرهاب وملوثات بيئية، كلها عوامل تُفاقم أزمات الشعوب الإفريقية.

مما لا شك فيه، عامل الجفاف، يُعد من أحد وأبرز العوامل في استمرار وتفاقم الأزمات، فقد ظهرت نتائجه في تلف المحاصيل ونفوق الماشية التي تُعد إحدى وسائل حياة ملايين الأفارقة. وطبقا لتقديرات أطلقها برنامج الغذاء العالمي في ربيع 2022، فقد رصد معاناة حوالي 13 مليون إفريقي من أخطار المجاعة، يتركزون في شرق القارة ولكن مع خريف العام نفسه ارتفع العدد ليلامس حاجز 20 مليون نسمة يعانون بالفعل الجوع.

أيضا، فإن الجفاف وتداعيات تغير المناخ كلها معطيات كانت فاعلة ومؤثرة في نشوب صراعات قَبلية على الكلأ والماء، بحيث سيطرت على بعضها ميليشيات مسلحة مثل “حركة شباب” المتشددة في الصومال، كما تسببت في نزاعات قَبلية في كل من مالي والنيجر.

العامل الاقتصادي يعتبر أيضا من أهم العوامل التي تساهم في تأجيج الأزمات وتفاقمها واستمرارها في القارة، فبحسب تقارير “البنك الدولي”، فإن معدل النمو في القارة بلغ 3.6 بالمئة عام 2022، منخفضا من معدل سابق عند 4 بالمئة بسبب تداعيات “كوفيد-19” المستمرة وارتفاع معدلات التضخم العالمي وارتفاع عموم الأسعار.

القارة ستبقى منغمسة بالأزمات؟

الباحث، خليل منون، يرى بأنه مع غياب تنمية حقيقية داخلية تم تعطيلها بفعل فاعل يصبح أفق تجاوز إفريقيا للمعضلات الكبرى أمر صعب المنال، فأزمة الديون وتراكمها، مع ما يفرضه البنك الدولي من شروط الإقراض ليست من مصلحة الشعوب الإفريقية بل على العكس يُلاحظ أن الكثير منها يزيد المشكلات والتعقيدات.

بحسب المؤشرات الاقتصادية، فإن إجمالي حجم ديون إفريقيا عام 2021 كان تريليون دولار، منها 702.4 مليون دولار لدول جنوب الصحراء التي تضاعفت اعتبارا من عام 2012، إذ إنها كانت لا تزيد على 380 مليون دولار فقط.

بحسب تقدير منون، فإن التشاؤم والإسراف يضر بأي فهم للواقع، وبالمثل فإن التفاؤل المفرط لا يقل ضررا منه، وبالتالي فإن الانشغال الكبير بالحرب الروسية الأوكرانية، والتي هي واجهة ضيقة لصراع واسع ومتعدد الأطراف، قد يؤجج ويزيد قريبا، وفقا لمعظم التوقعات، من حدة الأزمات الموجودة في القارة الإفريقية.

أما بالنسبة للتغيرات المناخية ومدى الضرر الذي تسببه، فيعتقد منون، أن إفريقيا، مع بنية تنموية محددة وهشة، “لن تنجو”. فأفق أي تصور معرضه دائما لخطر عدم التوفيق، ومع سرعة وتيرة التغيرات المناخية، فإن التكهن بالمستقبل غير ممكن، فالواقع يسبق الدراسات البيئية بخطوات، وعمليات التلويث والاحتباس الحراري تزداد.

نجاة القارة رهن “التكاتف”

الباحث محمد عز الدين، يعتقد بأن هناك أفق لنجاة القارة خاصة أن قادة القارة توصلوا إلى قناعة بأنه لا مفر إلا بالاتحاد والعمل لمصلحة القارة وقد ظهر ذلك جليا منذ عام 2019، حيث تم تحسين أداء الاتحاد الإفريقي وتدخله لتحسين شروط حياة المواطن بإفريقيا وحل قضايا الهجرة وعودة العقول المهاجرة لعمل مشاريع ضخمة ووضع بروتوكول حقيقي لتكون منظمة “الوحدة الإفريقية” اقتصاديا وأمنيا مهمة ولها تأثير لافت من خلال لجنة الأمن والسلم التي ساهمت في إسكات النيران والمدافع ولجنة المناخ التي توحّد الجهود للحفاظ على البيئة.

قد يهمك: “حصار شامل”.. الصومال بمواجهة مباشرة مع الإرهاب الإلكتروني؟

وفق تقدير عز الدين، فإن دخول الاتحاد الإفريقي في بروتوكول موحد لمحاربة الإرهاب كما ظهر في غرب إفريقيا عندما قاتلت قوات إفريقية مع قوات دولية في نهر النيجر أو تشاد، بجانب محاولة دول القارة للوقوف على تدشين مفوضية لمحاربة الإرهاب، وقد تكون معظمها إفريقية، بالإضافة إلى دحر تنظيم” داعش” الإرهابي في ليبيا سابقا، كلها مؤشرات على وجود تقدم عبر تطوير البنية التحتية التي تدعمها المشاريع الدولية مع الدول الإفريقية وافتتاح مناطق تجارة حرة بغرب إفريقيا، وبالتالي فإنه نجاة القارة من وضعها المأزوم ممكن وليس مستحيل، ولكنه يحتاج إلى “تكاتف واتحاد” بين عموم دول القارة.

مطلع كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أعلن قادة دول غرب إفريقيا، في اجتماع عُقد في العاصمة النيجيرية أبوجا، بضرورة إنشاء قوة إقليمية هدفها التدخل ليس فقط ضد الجهاديين، وإنما أيضا في حال وقوع انقلابات كتلك التي شهدتها المنطقة في العامين الأخيرين، تكون مهمتها المساعدة في استعادة الأمن والنظام الدستوري في المنطقة. هذا ويعتبر الهدف من القرار تحقيق التنمية للقارة الإفريقية، وتعزيز الاستقرار من خلال السلام والأمن.

بالنظر إلى جملة الأزمات الموجودة في القارة السمراء، فإنه بات من الضرورة على دول القارة إعادة النظر في سياساتها واستراتيجياتها، التي من شأنها أن تخفف من أخطار عام 2023 على شعوب القارة، وربما يكون من المطلوب الانتباه إلى هذه السياسات على كل المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. ولعل أبرز هذه السياسات، هو التوجه نحو تنشيط التجارة البينية الإفريقية، فضلا عن تنشيط الاستثمار في مجال الزراعة، بما يحقق الأمن الغذائي لدول القارة، والتكاتف والاتحاد لمحاربة وتقليص دور الجماعات الإرهابية، وتحقيق السلام والأمن للأفارقة.

كذلك، تعد ظاهرة التغير المناخي من أهم التحديات التي يواجهها الاتحاد الإفريقي، كمؤسسة قارية تسعى إلى استقرار دوله، مما يجعل الظاهرة ترتفع إلى مستوى أخطار الفقر والحروب والصراعات الأهلية. لذلك من المتوقع أن يكون العام الحالي 2023 من السنوات الصعبة والمأزومة للقارة، وبالتالي جميع دول القارة مطالب بمواجهة هذه التحديات والأزمات، لما لها من تأثيرات جمة على الأفارقة بالدرجة الأولى ثم على العالم ككل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.