منذ ارتفاع وتيرة الهجرة عبر البحر المتوسط نحو أوروبا، يسعى الاتحاد الأوروبي على تعزيز علاقاته بالجانب الآخر من المتوسط مع دول شمالي إفريقيا، وبالأخص مصر، في محاولة لوقف تدفق المهاجرين من تلك الدول.

دعم مالي وتعزيز لقوات خفر السواحل لدول شمالي إفريقيا، هي أبرز ما تضمنته الاتفاقيات بين أوروبا وهذه الدول، في حين أن الاتحاد الأوروبي وقّع اتفاقا جديدا مع مصر، يجعل الاخيرة من أبرز الدول المتعاونة مع أوروبا في هذا الملف.

دعم مالي لمصر

مع تفاقم ملف الهجرة، قرر الاتحاد الأوروبي دعم مصر بنحو 80 مليون يورو، بهدف رفع كفاءات قوات خفر السواحل المصرية، ما قد يساهم في منع تدفق المهاجرين من السواحل المصرية نحو أوروبا.

في عام 2022 ازداد عدد الوافدين غير النظاميين إلى سواحل الاتحاد الأوروبي عَبر جميع المسارات البحرية سواء شرق المتوسط أو وسطه امتداداً إلى أقصى الغرب بحسب تقارير رسمية صدرت عن بروكسل.

أبرز ما دفع الاتحاد الأوروبي لهذه الخطوة، هو ارتفاع أعداد المهاجرين خلال العام الفائت، عن طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، حيث وصل أكثر من 90 ألف مهاجر ولاجئ في عام 2022، بزيادة أكثر من 50 بالمئة مقارنة بعام 2021. معظم هؤلاء الوافدين وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي بعد رحلات محفوفة بالمخاطر وعمليات بحث وإنقاذ في البحر.

الباحث في العلوم السياسية والاقتصادية الدكتور محمد سليمان حسنين رأى أن استمرار الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية وتداعياته الاقتصادية على العالم، دفعت بالدول الأوروبية لتكون أكثر حرصا في ملف المهاجرين، مشيرا إلى أن الدور المصري سيكون له حضور واسع في الفترة المقبلة فيما يتعلق بأمن شرق المتوسط.

حسنين قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “أعتقد مع استمرار الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وتداعياته على أوروبا، جعلت الدول الأوروبية أكثر حرصا على أمنها وعلى المكون الديمغرافي لها، ومع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، تحرص أوروبا على الحفاظ على قدر متوازن من مستويات المعيشة للمواطنين الأوروبيين، ومن أساليب هذا الحرص هي حماية الحدود من مهاجرين غير شرعيين لمنع الضغوط الداخلية على الأسواق“.

قد يهمك: الغاز المسال الأميركي.. هل تنجح واشنطن بتلبية احتياجات أوروبا؟

برأي حسنين فإن مصلحة الاتحاد الأوروبي باتت تنصب في التعاون مع دول شمالي إفريقيا، وخصوصا مصر، لافتا إلى أن أوروبا ترى من الأفضل تسريع تنفيذ الخطط اللازمة مع مصر، نظرا لدور القاهرة المحوري في البحر المتوسط، لا سيما في ظل اقتراب المصالحة المصرية التركية.

إجراءات غير كافية

حسنين أوضح أن الإجراءات والبرامج التي تم الإعلان عنها حتى اللحظة، قد تكون غير كافية، وأضاف، “أعتقد أن 80 مليون يورو لن تكون كافية. أوروبا مضطرة للتعاون مع مصر، خاصة بعد ما ذكرته التقارير الأوروبية من وصول عدد المهاجرين من مصر إلى 16 ألف مهاجر مقابل السواحل الإيطالية خلال أول شهرين من العام الفائت “.

وحول قدرة أوروبا على حل المشاكل العالقة في ملف الهجرة زاد سليمان، “أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيعزز التعاون مع دول شمال إفريقيا في العديد من المجالات مثل البرامج الإنمائية والأمن والاستثمار والتجارة والطاقة والتغير المناخي وغيرها، أرى أنهم بحاجة إلى حلول مستدامة تتناسب مع منهجية ميثاق الهجرة، المشكلة ليست في دول شمالي إفريقيا فقط، بل في معظم دول القارة الإفريقية، هي بحاجة لسياسات قوية وفعالة لدعم هذه الاقتصادات الهشة والفقيرة“.

هذه الأزمة دفعت الاتحاد للجوء إلى العديد من الدول شمالي إفريقيا، فأبرم اتفاقيات مع تونس والمغرب، لتعزيز التعاون في مكافحة التهريب والإجراءات المستهدفة على طول الطرق البرية أيضا من خلال تعزيز قدرات حرس الحدود وخفر السواحل، وتعزيز التعاون بشأن العودة والهجرة القانونية إضافة لمعالجة الأسباب الجذرية.

بحسب مصادر مطلعة فإن المبلغ المقرر منحه لمصر وهو نحو 80 مليون يورو، سيكون على صورة معدات للبحث والإنقاذ، سيتم تقديمها إلى قوات خفر السواحل لتطوير إجراءات مشتركة لمنع الهجرة غير النظامية، ودعم إدارة أكثر فعالية للحدود البرية والبحرية، وتعزيز قدرات البحث والإنقاذ، مع الاحترام الكامل للحقوق الأساسية والالتزامات الدولية.

دور مصري متصاعد

وفق ما نقله موقع “دويتشه فيله” الألماني، فإن الدور المصري في التعاون مع الاتحاد الأوروبي، سيشمل كذلك تأمين منطقة شرق المتوسط، في إطار منع المهاجرين من سوريا ولبنان أيضا، ما يعني تعزيز الدور المصري في أمن المتوسط بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

كذلك جاءت الرغبة الأوروبية في تسليم هذه المهمة لمصر، بسبب أن سوريا ولبنان لديهما العديد من المشكلات والمصاعب، التي قد تصعّب من مهمة تعامل قوات حرس الحدود وخفر السواحل لديهما في تأمين البحر ومواجهة عمليات الهجرة غير النظامي.

كذلك فإن تواصل الاتحاد الأوروبي مع سوريا، وتقديم الدعم المالي للحكومة أمرا غير ممكن في ظل فرض العقوبات على حكومة دمشق، كما أن لبنان تعاني من أزمة اقتصادية وسياسية، ما يجعل مصر الخيار الأقرب.

بحسب وثيقة صُدرت عن “مفوضية الاتحاد الأوروبي”، فإن مصر حتى الآن عالجت مسألة الهجرة غير النظامية “في الغالب من منظور أمني، وأحيانا على حساب الأبعاد الأخرى لقضية الهجرة، بما في ذلك حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء“.

“المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، استمرت بقرعِ ناقوس الخطر مرات عدة في السنين الأخيرة، مُعلنة أرقاما قياسية جديدة في مستويات اللجوء والنزوح القسري العالمي الذي لم يُشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية.

العديد من التوقعات تشير أيضا إلى دخول تركيا على ملف أمن المتوسط، وذلك من خلال تعاون مستقبلي محتمل مع مصر، وفق اتفاقيات وآليات يتم إقرارها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتأمين شرق المتوسط.

الاتفاقيات بين مصر والاتحاد الأوروبي، تشمل كذلك تطوير قدرة وزارة الدفاع المصرية والأطراف الأخرى في الحكومة المصرية والمجتمع المدني، إضافة إلى تطبيق “مقاربات قائمة على الحقوق وموجهة نحو الحماية الاجتماعية“.

وفقا لوثيقة “المفوضية الأوروبية”، تم توقيف أكثر من 26500 مصري على الحدود الليبية في عام 2021. وتشير الوثيقة إلى أنه من المرجح أن تشهد مصر “تدفقات كثيفة” من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية.

مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، والأزمات الاقتصادية، وكوارث التغير المناخي في إفريقيا وعموم الشرق الأوسط، فمن المؤكد أن رغبة الأفراد في تلك المناطق سترتفع بالهجرة إلى أوروبا، ومن المتوقع أن نرى المزيد من الاتفاقيات بين الدول المطلة على البحر المتوسط في إطار منع تدفق المهاجرين نحو الدول الأوروبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.