تساؤلات عدة تثار حول استعداد إثيوبيا للملء الرابع لـ”سد النهضة”، والذي يأتي وسط انشغال السودان منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي بالقتال الدامي بين “الجيش السوداني” بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، مما خلف آلاف القتلى وتشريد أكثر من مليوني شخص.

بعد عدة فترات من عدم الاعتراف بالملء الرابع، أقرت إثيوبيا أخيرا بوجود استعدادات للملء الرابع لـ”سد النهضة”، وذلك عبر تصريحَين، أحدهما لنائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، قبل نحو أسبوعين والآخر أمس الخميس لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، رغم معارضة دولتي المصب السودان ومصر.

إثيوبيا تقول إن المراحل الثلاث الأخيرة لم تؤثر على حصص دول حوض النهر، وبالمثل فإن المرحلة الرابعة لن تكون مختلفة، إلا أن الخبراء قالوا عكس ذلك، وأن الملء الرابع سيحمل معه العديد من النتائج السلبية. ومن هنا لابد من طرح تساؤلات حول الأضرار المحتملة على مصر ولماذا تعتزم إثيوبيا على هذه الخطوة في هذا الوقت بالذات، والخيارات المطروحة أمام مصر بشأن هذه المعضلة، وفرص المفاوضات بين الطرفين، وما إذا سيكون هناك تدخلات دولية لحل أزمة المياه هذه.

الأضرار على مصر

آبي أحمد، قال خلال الدورة العادية الـ 28 لـ”مجلس النواب الإثيوبي”، يوم أمس الخميس، إن “التعبئة الرابعة لسد النهضة ستمتد حتى أيلول/سبتمبر القادم كي لا نلحق الضرر بدولتي المصب”، لافتا إلى أن السد يقترب حاليا من الملء الرابع، وطالب استئناف المفاوضات مع مصر والسودان، وفق “وكالة الأنباء الإثيوبية“.

صفحة الخبير المصري عباس شراقي على منصة “فيسبوك”

في الـ22 من حزيران/يونيو، أعلن ميكونين، الذي يشغل أيضا منصب وزير الخارجية الإثيوبي، أن بلاده تستعد لإطلاق الملء الرابع لخزانها الضخم على النيل الأزرق، مضيفا لدى افتتاح مؤتمر عن مياه النيل في أديس أبابا “المشروع أوشك على الانتهاء على الرغم من تصريحات بعض الفاعلين الذين يسعون لاحتكار استخدام النهر الإفريقي المشترك”.

الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية بـ”جامعة القاهرة”، يقول في هذا الصدد لموقع “الحل نت”، إنه من المتوقع أن يبدأ التخزين الرابع منتصف تموز/يوليو الجاري، حيث بلغ إيراد النهر خلال شهر حزيران/يونيو الماضي عند “سد النهضة” حوالي 2 مليار متر مكعب، منها مليار يمر للسودان ومصر والآخر يُخزّن لتعويض الـ 4 مليار م3، وكما أن إيراد تموز/يوليو الحالي يُقدّر بحوالي 7 مليار م3.

تظهر الصور الفضائية بوضوح الفرق بين مسطح البحيرة حاليا بعد فقد الـ 4 مليار متر مكعب خلال الأشهر الماضية من خلال فتحتي التصريف، والتي عجز التوربينان عن إمرارهما نتيجة التشغيل المتقطع، وبين مسطح البحيرة عند انتهاء التخزين الثالث 11 آب/أغسطس 2022 والذي سوف تصل إليه منتصف تموز/يوليو الجاري بعدها يبدأ الملء الرابع حتى نهاية آب/أغسطس 2023، وفق شراقي.

شراقي يتوقع أن يكون حجم التخزين الرابع بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب وهي كمية كبيرة تعادل التخزينات الثلاث السابقة مرة ونصف. ولفت إلى أن مصر طالبت بوضع آلية وقواعد لملء “سد النهضة” وعند التنفيذ يتم الإخطار.

أما في سياق حديث المسؤولين الإثيوبيين حول عدم وجود أضرار على مصر من الملء الرابع للسد، قال شراقي إن هذا غير صحيح، ذلك لأن إثيوبيا ترى أن الضرر على مصر يعني أن المصريين يموتون من العطش أو يتوقفون عن الزراعة وتحدث مجاعة وهجرة غير شرعية.

فرض سياسة الأمر الواقع

خبير الموارد المائية، يضيف أنه لولا وجود السد العالي والجهود والمشاريع المائية وتطوير الزراعة والري بقيمة عشرات المليارات في مصر، لحلّت كارثة كبيرة على المواطن المصري إزاء الملء الرابع لـ”سد النهضة”. زاد بالقول، إن عدم إلحاق الضرر المباشر بالمواطن ليس مبررا لإثيوبيا لتكديس ما تريد دون اتفاق رسمي مع دول المصب.

كما أشار شراقي إلى أن الملء الرابع للسد الإثيوبي في هذا التوقيت بالذات يدلل بفرض سياسة الأمر الواقع. وهو ما يعني أن إثيوبيا تستغل الحرب الدامية في خرطوم، نظرا لأن اختلال الأمن القومي للسودان والتخبط السياسي سيُضعف أي تحفّظ سوداني على الملء الرابع للسد، وهو ما يُزيد الأعباء على الجانب المصري لوحده حيال هذه الخطوة الإثيوبية.

حول أضرار الملء الرابع للسد، يقول شراقي إنه يمثل خطرا على سلامة السد وتعني توقف مليون فدان عن الزراعة، نظرا لأن المياه ستُفقد من 20-25 مليار متر مكعب، أي أكثر من ثلث حصة مصر السنوية، منها حوالي 2 مليار متر مكعب يتم تخزين المياه كبخر وتسرّب، وانخفاض في إنتاج الكهرباء من السد العالي.

فضلا عن زيادة الضغط على الأرض نتيجة وزن البحيرة وفرص لحدوث الزلازل، وتحلل بعض الأشجار والكائنات الحية، وتغير في التنوع البيولوجي بالمنطقة، ومزيد من الارتباك في تشغيل السدود السودانية، ونزوح آلاف الإثيوبيين، بعضهم إلى السودان.

الخبير المصري، الدكتور عباس شراقي

شراقي يرى أن هذه الأضرار لن تصل بشكل مباشر إلى المواطن المصري نتيجة وجود الاحتياطي المائي في السد العالي، والذي دعمته الدولة المصرية من خلال ترشيد الاستهلاك، ومعالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها، واستخدام جزء من المياه الجوفية، وتطوير الزراعة والري وغيرها من المشروعات التي كلفت الدولة عشرات المليارات من الدولارات.

لكن نظرا لأن مصر تعتمد على مياه النيل بنحو 97 بالمئة من حاجات الري، سيشكل “سد النهضة” تهديدا “وجوديا” في السنوات القادمة لها إذا ما استمرت إثيوبيا بملء سدودها من مياه النيل.

المؤتمر الذي جرى في أديس أبابا، يسعى إلى تكريس مفهوم جديد لحصص الدول المتشاطئة على النهر الأطول في إفريقيا والعالم، وتضمن مائدة مستديرة وزارية رفيعة المستوى، شارك فيها ديميكي ونظراؤه من وزراء الخارجية من بعض دول حوض النيل مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وتنزانيا، في غياب ممثلينَ عن السودان ومصر، وهما الدولتان المعارضتان لمواقيت الملء والتفاصيل الفنية المتعلقة بملء وتشغيل السد.

خيارات مصر

في المقابل، أنهت إثيوبيا مرحلتين من عملية ملء السد في عامي 2020 و2021، فيما أنهت الملء الثالث العام الماضي، وأدى عدم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث؛ مصر والسودان وإثيوبيا، إلى زيادة التوتر السياسي مع أديس أبابا.

سد النهضة_ “أرشيفية من رويترز”

آبي أحمد زعم في خطابه لأعضاء “البرلمان الإثيوبي”، أن “رغبة إثيوبيا هي التنمية فقط، وتعمل على التأكد من مرور كمية مياه كافية إلى السودان ومصر بصورة لا تضر بإثيوبيا، وتعمل على الإيفاء باحتياجاتهما”.

العديد من الخبراء يرون أن تصريحات المسؤولين الإثيوبيين لا تختلف عن أي تصريحات سابقة، وأن هدفها التسكين والمراوغة. وفي هذا السياق يعتقد شراقي أن إثيوبيا في تصريحاتها في هذا التوقيت تحاول التسويف وفرض سياسة الأمر الواقع، وسط الحرب المستمرة في السودان.

دعوة إثيوبيا إلى التفاوض وإصرارها في الوقت ذاته يدلل بمدى عدم جدّيتها في التفاوض مع الجانب المصري، إذ أنها بهذه التصريحات تحاول الالتفاف بغية تحقيق مساعيها، ومستبعد أن يكون هناك مباحثات جدّية في الفترات القادمة، وسط غياب الاهتمام الدولي عن هذه الأزمة.

تدعيما لهذه الفرضية، هو حديث المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، عندما أعلن في نيسان/أبريل الماضي عزم بلاده استكمال بناء السد، وقال في تصريحات متلفزة، إن أديس أبابا لا تحتاج لأخذ الإذن لبدء الملء الرابع لـ”سد النهضة”.

لذلك، وبسبب عدم جدية إثيوبيا في أي محادثات تفاوضية، لن تتمكن مصر من رفع القضية إلى  “مجلس الأمن الدولي” إلا بعد إعلان “الاتحاد الإفريقي” فشل المفاوضات تحت مظلته، الأمر الذي يشكل عبئا كبيرا على الجانب المصري، على الرغم من تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، التزام بلاده بمبدأ التفاوض في القضية، ودعوته الجانب الإثيوبي إلى توقيع اتفاق ملزم يستند إلى القانون الدولي، وفق مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأنغولي جواو لورنكو، مضيفا أن النيل هو المورد الوحيد لمصر، حيث إن 90 بالمئة من أراضي مصر عبارة عن صحراء، وأن الجزء المعمور في مصر هو فقط المحيط بنهر النيل وصالح للزراعة.

وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم، عقد يوم أمس الخميس، اجتماعا لمتابعة حالة المنظومة المائية، خلال فترة أقصى الاحتياجات المائية، ومتابعة موقف إيراد نهر النيل، والحالة الهيدرولوجية للنهر، وتقدير كمية المياه الواصلة لبحيرة السد العالي، وفق بيان للوزارة المصرية. وشدد سويلم على استمرار رفع درجة الاستعداد بين جميع أجهزة الوزارة لضمان توفير الاحتياجات المائية اللازمة لكافة القطاعات.

شراقي أشار إلى أن احتياطيات السد العالي هي التي ستتأثر، حيث سيكون العام المقبل بمعدل أقل من العام الحالي، وبالتالي يستحيل على القاهرة ترك الأمر في هذا الوضع، أي بذل المزيد من الجهود من أجل استئناف المفاوضات كما قال الرئيس السيسي للتوصل إلى حل وسط.

صفحة الخبير المصري على منصة “فيسبوك”

كما يبدو أن مصر ستتجه لاستمرار العمل المشترك لضمان مصالح كافة الأطراف الثلاثة وفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق المشروعة في الموارد المائية والأمن المائي المصري. وبالتالي الأمر رهنُ حتمية تفعيل الوساطة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لضمان حصة السودان وحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وكذلك القضايا الإقليمية وأُطر الصراع الذي تُحتشد كافة مفاعيله داخليا وإقليميا ودوليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات