منذ أشهر وأنقرة تسعى باستخدام كافة أدواتها الدبلوماسية، إلى إعادة وصل قنوات التواصل مع دمشق، حتى وصلت مؤخرا إلى الاستعانة بروسيا، من أجل تنظيم قمة ثلاثية بين الرؤساء الثلاثة لبدء مسار عودة العلاقات الثنائية.

لكن يبدو أن  أنقرة اصطدمت بالعديد من العقبات، ليس أبرزها طبعا الرفض الأميركي المتواصل لأي عملية تطبيع مع الأسد، بل تعدا الأمر إلى لجوء الأخير إلى استغلال حاجة أنقرة على ما يبدو، والبدء بفرض شروط للمضي قدما في هذه العملية، فهل أصبحت أنقرة الحلقة الأضعف في عودة العلاقات بين الجانبين.

شروط دمشق

الرئيس السوري بشار الأسد، كان قد اعتبر قبل أيام أن اللقاءات مع الحكومة التركية ضمن مسار عودة العلاقات، يجب أن تكون مبينة على ثوابت وأهداف في مقدمتها انسحاب أنقرة من الأراضي السورية ووقف دعم ما وصفه بـ“الإرهاب“، في شروط اعتبرها مراقبون “نظريا تعجيزية”.

تصريحات الأسد، جاءت تزامنا مع تجديد الولايات المتحدة الأميركية لموقفها من تطبيع أي دولة معه، حيث وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “ارتكب فظائع ضد شعبه، وكذلك ارتكبت قواته جرائم حرب“، وقال إن واشنطن “ستستمر في ثني شركائها حول العالم عن تطبيع العلاقات مع دمشق أو تحسينها“.

الكاتب والباحث السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن إصرار تركيا على المضي قُدما في عملية التطبيع مع دمشق، جاء بسبب يأسها من تغيير واشنطن لموقفها من الملف السوري، مشيرا إلى أن شروط الأسد حتى وإن كانت تبدو غير منطقية، فهي شروط توضع عادة في بداية المفاوضات.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الاستدارة التركية نحو التطبيع مع النظام السوري، هي نتيجة لليأس التركي من تغيير واشنطن لبعض سياساتها في سوريا وخاصة السماح لأنقرة بإبعاد الوحدات الكردية لـ 35 كم عن الحدود في العمق السوري، إضافة إلى رفض واشنطن أي عملية عسكرية تقوم بها أنقرة في مناطق خاضعة للنفوذ الأميركي”.

حول الشروط التي وضعها الرئيس السوري بشار الأسد، لاستكمال عودة علاقات مع أنقرة، أوضح معراوي أن “هذه الشروط ليست تعجيزية تهدف لإفشال المسار، لكنها شروط طبيعية يتم وضعها في بداية عمليات التفاوض بسقف عالي، ويبدأ بعدها التفاوض لتحصيل ما يمكن تحصيله”.

قد يهمك: الجغرافيا الاجتماعية والسياسية للاحتجاجات التونسية.. إلى أين تتجه الأوضاع؟

معراوي زاد عن ذلك بالقول، “سيكتفي النظام السوري بإعلان تركي موارب حول استعداد القوات التركية للانسحاب، عندما تكون الظروف مناسبة أو من هذه العبارات و بوضع جدول زمني  من السهولة بمكان التلاعب فيه، ولكن كون الوجود التركي العسكري في سوريا، حظي برضى النظام وموافقته فإنه وفقا للقوانين الدولية لم يعد احتلالا، وممكن أن يتم ذلك عبر تعديل اتفاقية أضنة أو ماشابه”.

مصالح أنقرة

برأي معراوي فإن أنقرة تسعى للاستفادة الاقتصادية من عودة العلاقات مع دمشق، “حيث أنها تمتلك ورقة القوة الاقتصادية الناعمة والتي لا تمتلكها كل من طهران وموسكو الغارقتان في مشاكلهم المعروفة، وبالتالي يمكن لأنقرة أن تضخ الحياة بشرايين دمشق الاقتصادية اليابسة عبر منافذ برية مع المناطق الخاضعة لنفوذها بالشمال السوري، وربطها مع الأردن ودول الخليج”.

 كما أن أنقرة تعاني من تهميش دول حوض شرق المتوسط لها، من ناحية ترسيم الحدود البحرية والتنقيب عن الثروات في المياه الإقتصادية، وهي بإمكانها فرض الترسيم البحري مع حكومة دمشق وبشروطها مقابل منافع آنية.

أما عن موقف واشنطن، فلفت الباحث السياسي، أنها تدرك بالتأكيد السياسية التي يحاول ثلاثي أستانة حياكتها ضدها، “لذلك نرى سيلا لا ينقطع من التصريحات الأميركية الرافضة للتطبيع مع دمشق، وهي تملك ورقتين مهمتين في ذلك عقوبات قيصر وعقوبات قانون الكبتاغون الجديد”.

كذلك تدرك الولايات المتحدة أن  تلك القوى الناعمة التي تملكها ليس من السهل تخطيها للدول الراغبة بالتطبيع، فضلا عن أن عملية التطبيع بحسب معراوي، “ستسير، لكن مثل سير المياه صعودا، وذلك لمصالح متبادلة بين العاصمتين”.

رفض أميركي مستمر

لا يبدو أن هناك أية مؤشرات على تغيير واشنطن لموقفها من التطبيع مع دمشق، وقد جاء ذلك في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، بحسب ما نقل موقع “المدن“، “نحن بالطبع لا نعرف ما الذي كان يمكن للنظام السوري، أن يفعله لولا إجراءات المساءلة التي فُرضت عليه، لا نعرف ما الذي كان يمكن أن يفعله لولا تصرفات الولايات المتحدة ودول العالم لمصادرة وتدمير مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية”.

يبدو أن عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، لن تكون مهمة سهلة أو سريعة خاصة إذا أصرت حكومة دمشق على شروطها المتعلقة بوضع القوات التركية الموجودة على الأراضي السورية، إذ أكدت صحف تركية تعليقا على تصريحات الأسد أن “هذا الأمر لا يتعلق بأحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسعية، إنما على صلة أيضا بالسياسة الخارجية التركية”.

مع استمرار رفض واشنطن لهذه العمليات، يؤكد محللون أنه لا يمكن لأنقرة أن تتجاهل هذه التحذيرات بشكل كامل، خاصة مع سريان قوانين العقوبات الواضحة ضد حكومة دمشق ورموز السلطة الحاكمة.

غير أن أنقرة تسعى من جانبها لتغيير موقف واشنطن بشكل غير مباشر، وذلك عبر التواصل مع روسيا والخروج ربما بآلية جديدة للحل السياسي في سوريا، قد ترضي واشنطن التي تشترط لعودة التطبيع مع دمشق انخراط الأخيرة في الحل السياسي وفق قرار الأمم المتحدة 2254.

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا، وحاجة أنقرة لهذا التطبيع لتقديمه إلى الناخب التركي كونه أحد إنجازات الحزب الحاكم في البلاد، يبدو أن أنقرة أصبحت الحلقة الأضعف في عملية التفاوض. فحتى دمشق التي تعاني من العزلة والعقوبات، نجدها تفرض الشروط على تركيا لقبول عودة العلاقات الثنائية.

منذ أسابيع تسعى أنقرة لترتيب لقاء ثلاثي يجمع أردوغان مع الأسد في موسكو بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت تتركز فيه الشروط التركية لعقد هذه القمة بحسب محللين، على نقطتين أساسيتين، وهما “ورقة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، إذ تحاول أنقرة منذ سقوط مدينة حلب بيد القوات السورية، منع قيام كيان كردي في سوريا“. أما النقطة الثانية فتتمحور حول الوجود السوري في تركيا، إذ تشكل هذه النقطة ورقة ضغط داخلية في تركيا.

من غير المعروف حتى الآن إلى أين سيصل قطار محاولات أنقرة التطبيع مع دمشق، لكن المؤكد حتى الآن أن تركيا تواجه العديد من العقبات أمامها لإنجاح هذه المحاولات، في حين لا يبدو أنها تمتلك الوقت الكافي مع اقتراب الانتخابات.

مع وجود الرفض الأميركي لا يعتقد المحللون أن هناك نجاح لأنقرة، لكن التقدم في العملية يعتمد على نتائج القمة المحتملة التي ستجمع بوتين والأسد وأردوغان، وفيما إذا كانت ستنجح بالخروج بمقترحات من شأنها إحياء عملية الحل السياسي في البلاد، وقتها يمكن الحديث عن غض طرف محتمل من قِبل واشنطن على عودة العلاقات التركية السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.