منذ توقف المحادثات في أيلول/سبتمبر الماضي، وجميع المحاولات لإعادة مسار محادثات الاتفاق النووي الإيراني فشلت حتى الآن، ذلك في ظل استمرار إيران بمشروعها النووي، فضلا عن مشاريعها التوسعية الأخرى.

المجتمع الدولي بدأ يواجه اتهامات بالتراخي مع مشاريع إيران العدائية، في وقت بدأت فيه بعض الدول في الشرق الأوسط بالتحضير لتشكيل حلف إقليمي لمواجهة الخطر الإيراني بعيدا عن الجهود الدولية.

مؤخرا بدأت إيران تلمّح إلى رغبتها في العودة للاتفاق النووي، وهو الذي يضمن لها بطريقة أو بأخرى استمرار مشاريعها الأخرى في المنطقة، فضلا عن رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق سراح الأموال المجمّدة، فما هي دوافع إيران للعودة إلى الاتفاق.

رغبة إيرانية؟

المفاوضات في إطار الاتفاق الأخير كانت قد بدأت في نيسان/أبريل من العام 2021، وذلك بعد أن اعتبرت الإدارة الأميركية أن اتفاق 2015 “بحكم الميت” ولا يمكن العودة إليه، وترغب إيران بالتوصل إلى اتفاق أملا في رفع العقوبات الأميركية التي تطوّق اقتصادها.

الجانب الإيراني أعلن الأربعاء 25 كانون الثاني/نوفمبر، البدء بإجراء ترتيبات لزيارة يجريها رئيس “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” رافائيل غروسي، إلى طهران في شباط/ فبراير المقبل.

رئيس “منظمة الطاقة الذرية” الإيرانية محمد إسلامي، قال في تصريحات نقلتها صحيفة “العين” الإماراتية، إن علاقات بلاده مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ستستمر، وإن “الترتيبات الخاصة بزيارة غروسي إلى طهران على جدول الأعمال، وتجري متابعتها”.

الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية الدكتور عصام زيتون، رأى أن العودة إلى الاتفاق النووي في ظل الظروف الراهنة شبه مستحيل، مشيرا إلى أن مساعي إيران في العودة للاتفاق تكمن في رغبتها في تسهيل الطريق أمام مشاريعها التوسعية في المنطقة وتدفق الأموال إليها.

مشاريع عدائية متعددة لإيران

زيتون قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “المشاريع الإيرانية تسير كما تريد إيران، إن كان بوجود اتفاق نووي أو بدونه، فالمشروع النووي هو واحد من مشاريع عدة عدائية تعدّها إيران للشرق الأوسط والعالم”.

الجانب الإيراني سيكون مستفيدا في كل السيناريوهات المتوقعة، فالاتفاق سيضمن بشكل أو بآخر رفع العقوبات وتدفق الأموال المجمّدة إلى طهران، لكن الأخطر بحسب زيتون هي المشاريع التوسعية التي لا يجري الحديث عنها بشكل جَدّي من قبل المجتمع الدولي.

قد يهمك: تطور العلاقات السعودية الصينية.. بوابة لتطبيع الرياض مع دمشق؟

حول ذلك أضاف زيتون، “المشروع التوسعي في المنطقة هو الأخطر، لا سيما مع توسع الدور الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، هذا المشروع إضافة إلى مشاريع تطوير القدرات الصاروخية، لا يجري العمل على التصدي لها بجدّية، والإدارة الأميركية السابقة كانت بمنتهى التساهل مع إيران”.

بحسب رأي زيتون فإن التوصل لاتفاق نووي “مستحيل”، مشيرا إلى أن الدول المتضررة من مشاريع إيران هي دول الخليج العربي ومصر وإسرائيل، الذين يعملون على تشكيل حلف هدفه مواجهة كافة المشاريع العدائية لإيران وليس فقط المشروع النووي.

الدول المتضررة

حول هذا الموضوع أردف زيتون قائلا، “إسرائيل ومنطقة الخليج متضررة. كان يُفترض كذلك أن تنضم إسرائيل لهذا الحلف، لكن أنقرة اختارت الانضمام إلى محور الشر الروسي. لا أعتقد أبدا أنه يمكن الوثوق بحسن النوايا الإيرانية، لذلك إسرائيل ودول المنطقة متخوفون، وطالما لا يتم إشراك هذه الدول بالمحادثات النووية أو أخذ مخاوفها بعين الاعتبار، لا أعتقد أن اتفاقا يمكن أن يتم”.

من وجهة نظر زيتون، فإن احتمالية المواجهة بين إيران والحلف الآخر من دول المنطقة، ترتفع مع استمرار تعثّر المفاوضات واستبعاد هذه الدول من المفاوضات، “خاصة وأن إيران مستفيدة على كل الأحوال، حتى مع استمرار الوضع على ما هو عليه، فإذا لم يتم توقيع الاتفاق ستواصل إيران ابتزاز العالم، وإذا تم التوقيع سيزداد التمويل والقوة للمشاريع الأخرى، لكن بالمقابل هناك مبشرات تشكيل حلف عربي إسرائيلي في حال تطورت الأمور من أجل التصدي للمشروع الإيراني المتكامل الخارج عن القوانين والقواعد البشرية”.

في مؤشر على خروج الأمور عن السيطرة، قال المسؤول الأممي رافائيل جروسي، إنّ الوكالة لم تعد قادرة على مراقبة ما يجري “منذ عام على الأقل”، معربًا عن أمله في “إحراز بعض التقدم” في استعادة التعاون الإيراني مع وكالته خلال زيارته.

في حديثه عن أنشطة إيران النووية الأخيرة، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى مما حدّدته خطة العمل الشاملة المشتركة، أردف غروسي “هذا المسار ليس جيدا بالتأكيد”، بالإضافة إلى أن طهران لم تقدم للوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات طلبتها بشأن الآثار المشعّة التي عُثر عليها في مواقع لم يتمّ الإعلان عنها كمواقع نووية، فإنّ مخزونها المتزايد من اليورانيوم المخصّب يثير القلق.

وأضاف، “لقد جمعوا ما يكفي من المواد النووية لصنع عدد من الأسلحة النووية، وليس سلاحا واحدا في هذه المرحلة”، مشيرا إلى أنه لدى إيران اليوم 70 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 بالمئة، و1000 كيلوغرام بدرجة نقاء 20 بالمئة”.

إيران تعزز قدراتها

إيران بدورها تعمل على تعزيز قدراتها العسكرية، مستغلة تطور علاقاتها مع روسيا منذ بدء الأخيرة بغزو أوكرانيا وتحسبا لأي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط.

وكالة “تسنيم” الإيرانية، أفادت مطلع العام الجاري بأن إيران تتوقع أن تتسلم طائرات روسية متطورة من طراز “سوخوي 35″، وذلك بعد التعاون العسكري المتزايد بين طهران وموسكو.

طائرا “سوخوي 35” تعتبر من أكثر الطائرات الروسية تطورا، وحصول إيران على مثل هذه التطورات يمثل تهديد للدول العربية في الشرق الأوسط، وكذلك إسرائيل التي تمتلك إلى حدّ كبير قوة ردع.

بعد توقف المحادثات النووية في أيلول/سبتمبر الماضي، وفشل التوصل إلى اتفاق نهائي، لم تتوقف إسرائيل عن تهديداتها في سبيل منع إيران من امتلاك سلاح نووي، حتى لو اضطرها الأمر إلى شنِّ حرب مفتوحة.

وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، خرج عدة مرات ملوّحا باستخدام الخيار العسكري لمنع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، وذلك كان يحصل بالتوازي مع القصف الصاروخي والجوي المستمر لمواقع إيران وشحنات الأسلحة التي تحاول نقلها عبر سوريا ولبنان منذ سنوات.

إسرائيل تعتبر أو تصدّر نفسها على أنها العدو والمواجه الأبرز لإيران في العالم، وهي تعارض أي اتفاق لا يضمن حرمان إيران من أي نوع من القدرات النووية، حتى السّلمية منها لأغراض الطاقة، كما رفضت سابقا أي مسودات للاتفاق لا تحقق ذلك.

بحسب تقارير إسرائيلية فإن الاتفاق الذي لا يضمن حرمان إيران من كافة القدرات النووية، سيقرّبها من امتلاك السلاح يوما ما، كما أنه سيسمح لطهران بالاستفادة من الأموال المجمّدة والتي تُقدّر بنحو 7 مليارات دولار وسيتم الإفراج عنها بموجب الاتفاق، وذلك في مختلف المجالات الحيوية، بما فيها زيادة قدرة ميليشياتها المنتشرة في عدد من دول المنطقة.

منذ أشهر يجري الحديث في الشرق الأوسط، عن تشكيل حلف عربي إسرائيلي على المستوى العسكري لمواجهة المشروع الإيراني، على أن يشمل الحلف الدفاع الصاروخي المشترك.

ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن هذا الحلف بالإضافة إلى الدول العربية التي لها علاقات رسمية مع إسرائيل، من المحتمل أن يضم دولا عربية أخرى.

باتفاق نووي أو بدونه، لا يبدو أن هناك مؤشرات على زوال خطر مشاريع إيران العدائية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، لذلك أصبح لا بدّ من حلفٍ “شرق أوسطي” جاد، لمواجهة كافة السيناريوهات المتوقعة بشأن تطور المشاريع الإيرانية في المستقبل، خاصة المشروعين النووي والتّوسعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة