الزلزال الذي وقع الأسبوع الماضي تسبب بمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وشرد الكثيرين، وكشف عن الأسس الرديئة للأعجوبة الاقتصادية لحزب “العدالة ولتنمية”.  

حالة الصدمة الأولية التي تسبب بها أكبر زلزال ضرب تركيا خلال المئة عام الماضية تحولت إلى حالة من الغضب. فقد انهارت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تماما مثلما انهارت المباني الهشة في جنوب تركيا.  

الانتخابات التركية قادمة في أيار/مايو. وما حدث في وقت سابق كان عاصفة من الدمار، حيث لقي ما لا يقل عن 35 ألف شخص مصرعهم في الكارثة الطبيعية وكذلك كارثة البناء. وعلى الرغم من أن البنية التحتية والتنمية كانتا نقاط القوة الرئيسية لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي يتزعمه أردوغان لدوائره الانتخابية على مدار العشرين عاما الماضية، إلا أن البناء الرديء قد يجعله ينهار بالفعل.

 لا اعتراف بالخطأ

الآن أنقرة تلاحق المقاولين، ففيما وصفه البعض بستار من الدخان، أعلن نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي يوم السبت الفائت، أنه تم تحديد 131 مشتبها بهم على صلة بانهيار مبان في 10 ولايات مختلفة. وقد تم إصدار 113 مذكرة توقيف واحتجاز 12 شخصا حتى الآن، بما في ذلك متعهد مجمع سكني مكون من 12 طابقا انهار في أنطاكيا وتم احتجازه يوم الجمعة في مطار إسطنبول قبل ركوب طائرة متجهة إلى الجبل الأسود. وبحسب وزير البيئة التركي مراد كوروم، فقد انهار 24921 مبنى، أو تضرر بشدة على الأقل، من بين 170 ألف مبنى تم تقييمها في جميع أنحاء المناطق المتضررة. 

في الفترة التي سبقت الزلزال، الذي بلغت قوته 7.8 درجة وأودى بحياة الآلاف في شمال سوريا أيضا، كان تركيز الانتخابات التركية على الاقتصاد المتعسر وازدياد أعداد المهاجرين. أما الآن، وبالرغم من ذلك، يتم تسليط الضوء على جهود الإغاثة المتأخرة وسوء التعامل مع ما يسمى بضريبة الزلزال، وكذلك محاسبة المسؤولين عن الأبنية المميتة التي تم إنشاؤها بعيدا عن المعايير في منطقة مهيأة لحدوث هكذا زلازل.  

عندما تحدث أردوغان إلى المتضررين في قهرمان مرعش، بالقرب من مركز الزلزال في جنوب تركيا يوم الأربعاء، عزا الدمار والخسائر إلى “القدر”، رافضا أي انتقاد لجهود الإغاثة البطيئة. 

إلا أن العلماء حذروا منذ فترة طويلة من أن هزة أرضية كبيرة مرتقبة قد تأخرت في تركيا. وقد تم تمرير مشاريع قوانين لمحاولة الاستعداد للدمار الذي حدث في زلزال عام 1999 بنفس القدر تقريبا، وهو الزلزال الذي أطاح بالحكومة على نحو طارئ، ولكن إما أن تم تجاهلها أو استغلالها. 

في العام 2018، أصدرت حكومة أردوغان قانون سمح لأي عقار مبني بدون ترخيص أو ينتهك تصاريح البناء أو قوانين تقسيم المناطق بالحصول على شهادة بناء وتجنب تعريضه للهدم. وبالتأكيد تركيا ليست طوكيو عندما يتعلق الأمر بالزلازل. 

“لقد دخلت رأسمالية المحاسيب في العديد من الهياكل التركية بتكلفة مجتمعية هائلة”، تقول ليزل هينتز من كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة “جونز هوبكنز”، مضيفة بأن الإنسان شارك في صنع الأزمة الإنسانية في تركيا بشكل جزئي.  

حجم الدمار يفوق قدرة الحكومة

المباني المتساقطة تركت وراءها ما لا يقل عن مليون شخص بلا مأوى. وقد أثار الانتشار البطيء لفرق الإنقاذ في المنازل المدمرة الغضب في جميع أنحاء المحافظات. ينام الناس في الشوارع، وهم يجمعون الخشب من المباني المنهارة من أجل التدفئة على نيرانها، ذلك بسبب قلة الملاجئ المؤقتة التي أقامتها فرق الاستجابة للكوارث. فالتحول إلى نظام رئاسي ولد التصلب، فقد استغرق الأمر يومين لرؤية المساعدة العسكرية في الشوارع، على سبيل المثال. 

“حجم الموت والدمار يفوق قدرة موارد تركيا، والواقع أن كل دولة لديها عدد محدود من الموارد”، يقول المحلل السياسي يوسف إيريم في أنقرة.  

وقد اختبرت تركيا هذه التجربة من قبل. وكان رد فعل حكومة رئيس الوزراء التركي آنذاك بولنت أجاويد ضعيفا بعد زلزال إزميت الذي بلغت قوته 7.6 درجة في العام 1999، والذي أودى بحياة ما يزيد عن 17 ألف شخص وبشر بأردوغان كرئيس. وهذا ما يلوح الآن في أفق زعيم حزب العدالة والتنمية بينما يواجه انتخابات 14 أيار/مايو. 

فالاستجابة البطيئة في العام 1999 أثارت حالة من الغضب بين الناجين، وأدت الأبنية الغير آمنة التي كانوا يعيشون بها إلى تفاقم الأزمة. وكان أردوغان قد وعد بإعادة بناء البلاد، وهو ما فعله، لكن مع ضمان أن الاستفادة القصوى من ذلك ذهبت إلى رجال الأعمال المقربون من حزب “العدالة والتنمية”.

ويبدو أن التوسع السريع، الذي شهد ظهور جسور ومراكز تجارية ومساجد وناطحات سحاب جديدة وبالطبع إدارة تطوير الإسكان المدعومة من الحكومة في كل مكان، على مدى العقدين الماضيين لم يكن دون مقابل، فقد ظهر ثمنه الآن.  

وبالنسبة لعشرات الآلاف من الضحايا، تبدو أوامر الاعتقال قليلة جدا ومتأخرة، خاصة عندما لا يتم تنفيذ قوانين البناء، التي تقول إنها تحقق معايير الهندسة الزلزالية في تركيا، بحسب ما ظهر.  

اللعبة السياسية

دائما هناك استقطاب سياسي حاد في تركيا، لاسيما في وقت الانتخابات، والتي غالبا ما تكون بين مؤيدي حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الشعب الجمهوري الاشتراكي الديمقراطي”، الحزب المعارض الرئيسي. ولكن هذه المرة، فإن نفس النوع من الصدع الذي مزق جنوب تركيا يهدد أردوغان. 

بحسب إيريم، فإن هذا الزلزال أفقد جميع استطلاعات الرأي السابقة قيمتها. ويضيف قائلا: “لكل حزب سجل نظيف مدته ثلاثة أشهر، وأدائه خلال هذه الفترة سيحدد نتيجة انتخابات أيار/مايو”. 

كانت 6 ولايات، من بين الولايات العشرة التي ضربها الزلزال، معاقل تقليدية لحزب “العدالة والتنمية”. وكان حزب “العدالة والتنمية” قد فاز بـ 70 بالمئة من الأصوات في انتخابات 2018 في أديامان، إحدى المدن التي تضررت بشدة جراء الزلزال. وكان هناك انتقادات بأن هاتاي، بالقرب من الحدود التركية مع سوريا، تلقت مساعدات أو دعما أقل بسبب أصواتها التي عادة ما تذهب إلى المعارضة. 

بالنظر إلى الدمار الذي أحدثه الزلزال، هناك احتمال ألا تجري الانتخابات حتى في أيار/مايو، بسبب عدم القدرة على تنظيم الانتخابات. وتقول سينم أدار من مركز “دراسات تركيا التطبيقية” في برلين: “لم تعد هناك عناوين بعد الآن”. 

إن تأجيل الانتخابات من شأنه أن يصب في مصلحة الحكومة الحالية، مما يمنحها مزيدا من الوقت لتعويض المؤيدين مرة أخرى. لكن وفقا للدستور، لا يمكن تأجيل الانتخابات لأكثر من شهر. وفقط عندما تتسبب الحرب في حالة الطوارئ، يمكن تأجيلها لفترة أطول؛ لذلك، فإن حالة الطوارئ التي أعلنتها تركيا بسبب الزلزال ليست قادرة على ذلك. 

بمجرد المضي قدما في الانتخابات، فإن “البناء كمظهر من مظاهر قدرة الحكومة على الإنجاز”، كما تقول أدار، هو سرد لم يعد من الممكن استخدامه. كما سيكون من الصعب على أردوغان أن يروج لتركيا “قوية” ومستقلة عن الغرب، بالنظر إلى تدفق المساعدات الدولية اللازمة للتعامل مع تداعيات الكارثة. الزلزال، على غرار الأزمة الاقتصادية، لن يكون في حد ذاته نهاية لنظام أردوغان، لكنه بالتأكيد سيضعف شرعية التحالف الحاكم الحالي. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.