في الوقت الذي تحاول فيه سوريا التعافي وإعادة بناء اقتصادها وسط الأزمة الاقتصادية وانتشار التضخم، أصبح من الملح بشكل متزايد أن تفكر البلاد في تحرير سعر صرف عملتها، الليرة السورية. سعر الصرف هو السعر الرسمي الذي يمكن من خلاله استبدال عملة بأخرى. سيخلق تحرير سعر الصرف مزيدًا من المرونة ويسمح بوصول أكبر إلى أسواق رأس المال العالمية ، ويحتمل أن يؤدي إلى استقرار الأسعار وخلق فرص للنمو الاقتصادي.

وسط تدهور الوضع الاقتصادي، خفض مصرف سوريا المركزي سعر الصرف الرسمي لليرة السورية مقابل الدولار الأميركي للمرة الخامسة منذ أيلول/سبتمبر 2022، بما يعكس خسارة بنحو 50 في المئة من قيمة العملة، حيث اقتصر القرار اعتماد سعر الصرف الجديد على الحوالات من الخارج، وهي خطوة غير مسبوقة منذ عشر سنوات تساوت الليرة السورية مع قيمتها في السوق السوداء.

خلال الأشهر الخمسة الماضية خفض المركزي السوري سعر الصرف المحلي 3 مرات، إذ خفض سعر الصرف خلالها من  2814 ليرة إلى 3015، ثم إلى 4552 ليرة للدولار لكنها بقيت تحت السعر التداول،  حاليا وبحسب النشرة اليومية فقط وصل سعر صرف الليرة إلى 7 آلاف ليرة مقابل الدولار الأميركي، في حين وصل سعر الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء حتى الآن إلى 7450 ليرة.

فاعلية القرار، رهنت بتحديث سعر الحوالات بشكل يومي، كون سعر صرف الدولار في السوق الموازية يتغير باستمرار، ما يفتح باب التساؤل حول جدوى السياسة النقدية السورية في التعامل مع التضخم، وفحص تأثير أسعار الصرف على التجارة الداخلية المعتمدة على المنافسة الكاملة أو التأثير على المحددات.

تأثير القرار على مؤشرات الاقتصاد الجزئي

بعيدا عن الأرقام، فإن تحرير سعر صرف الليرة السورية يأتي مصحوبًا بمخاطر ومكاسب محتملة. تشمل المخاطر زيادة التقلبات في سعر صرف العملات وجعل من الصعب الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي. إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التضخم وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الزيادات المفاجئة في رأس المال داخل وخارج الاقتصاد إلى تصاعد المضاربة على العملات وانخفاض قيمة العملة بشكل مفاجئ.

مع ذلك، وبحسب ما أوضحه الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال، منير الزعبي، لـ”الحل نت”، فإن المكاسب المحتملة يمكن أن تفوق المخاطر المرتبطة بتحرير سعر الصرف. من خلال السماح لليرة السورية بالتعويم بحرية في السوق المفتوحة، مما يخفف بعض الضغط على العملة، وبالتالي مكافحة التضخم. كما ستظل أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد المحلي مستقرة نسبيًا وستكون أقل تأثرًا بالأحداث الاقتصادية العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تحرير سعر الصرف يمكن أن يجعل الليرة السورية أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، حيث وفقا لحديث الزعبي فإنه من الأسهل على المستثمرين الاستثمار في عملة يتم تداولها بحرية أكثر من تلك التي يتم الاحتفاظ بها بسعر ثابت. يمكن أن يساعد ذلك في جذب رأس المال الذي تحتاجه الدولة لإعادة بناء اقتصادها. علاوة على ذلك، من خلال السماح لليرة بالتعويم بحرية، يمكن أن تصبح أكثر قدرة على المنافسة مع العملات الأخرى، مما يساعد الشركات السورية على بيع منتجاتها بشكل أكثر تنافسية في السوق العالمية.

بطبيعة الحال، فإن تحرير سعر صرف الليرة السورية ليس سوى جزء من حزمة أكبر للتعافي الاقتصادي يجب تنفيذها حتى تعود الدولة وشعبها إلى الوقوف على قدميها. وستكون هناك حاجة أيضًا إلى تدابير أخرى ، مثل الإصلاح المالي والنقدي ، والإصلاح الضريبي الشامل ، والاستثمار العام الموجه للمساعدة في تحفيز النمو الاقتصادي.

تبعا لرؤية رجل الأعمال، فإن تحرير سعر صرف الليرة السورية قد يوفر للبلاد طريقاً قابلاً للتطبيق للخروج من أزمتها الاقتصادية. لكن يجب إدارة المخاطر المرتبطة بهذا الإصلاح بعناية للتأكد من أنها لا تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، إذا تم القيام بذلك بحكمة وبالاقتران مع إصلاحات مالية ونقدية أخرى، فقد تشهد سوريا تحسنًا كبيرًا في فعالية سعر الصرف، وبالتالي مكافحة التضخم المستمر.

تفضيل الدولار على العملة المحلية

في سوريا حماية الأمن المالي للفرد باتت ذات أهمية قصوى في الحياة حاليا. يبحث العديد من الأفراد عن طرق للتأكد من أن أموالهم آمنة ولن تتعرض لمخاطر سياسية أو اقتصادية، مما أدى إلى اختيار العديد من الأشخاص استخدام الدولار الأميركي لتأمين مدخراتهم. لفهم سبب تفضيل السوريين بعد قرار المركزي الأخير لاستخدام الدولار الأميركي للادخار، من الضروري مراعاة المزايا التي يقدمها على العملات المحلية.

الميزة الأولى لاستخدام الدولار الأميركي على العملة المحلية في سوريا بحسب مالك شركة “الوليد” للصرافة،  أمجد الدرويش، هي أنه يلغي مخاطر أسعار صرف العملات. إذ ظلت قيمة الدولار الأميركي مستقرة بشكل عام على مر السنين، مما يجعله ملاذًا آمنًا للأفراد الذين يرغبون في حماية ثرواتهم. فاستقرار الدولار يعني للأفراد ألّا داعي للقلق بشأن تآكل مدخراتهم ببطء بسبب تقلب أسعار صرف العملات.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الدولار الأميركي أيضًا مخزنًا للقيمة. يبيّن الدرويش لـ”الحل نت”، أن أسعار السلع والخدمات وتنخفض بمرور الوقت، لكن قيمة الدولار تظل ثابتة نسبيًا، مما يعني أنه يمكن الاعتماد عليه للاحتفاظ بقيمته بمرور الوقت. وهذا يجعل الدولار الأميركي خيارًا جذابًا لمن يتطلعون إلى توفير أموالهم وحمايتها من التضخم.

وبما أن المجتمع السوري بات غير مستقر ومتنقل إما داخليا فضلا عن أنه يطمح في اللجوء خارج بلاده، فكان الدولار هو الحل الأمثل خصوصا مع ضعف السياسة النقدية في المؤسسات السورية وأبرزها البنك المركزي، فالدولار مقبول على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، مما يجعله وسيلة فعالة لنقل الثروة وتخزينها. يتم قبول الدولار الأميركي في مجموعة متنوعة من البلدان ويمكن تحويله بسهولة إلى عملة محلية، مما يسمح للناس بتحريك أموالهم بسهولة من أجل حمايتها من المخاطر السياسية والاقتصادية.

نظرًا لأن الدولار مدعوم من قبل حكومة الولايات المتحدة وبنكها المركزي، والاحتياطي الفيدرالي، فإن الأفراد في سوريا وحتى في معظم الدول النامية يوقنون ببقاء العملة قوية ومستقرة، وحماية الثروة على المدى الطويل؛ لذا فإن الدولار بالنسبة لهم فئة أصول آمنة نسبيًا.

بالنظر إلى جميع المزايا المذكورة أعلاه، يرى الزعبي أنه من الواضح ملاحظة سبب اختيار السوريين للدولار الأميركي دون الليرة السورية وذلك لحماية ثرواتهم؛ لما يوفره من طريقة آمنة وموثوقة لتخزين المدخرات وحمايتها، فضلا عن أنه يسمح لهم بتحويل أموالهم والتخلص من أي مخاطر تتعلق بأسعار الصرف. على هذا النحو، ليس هناك من مفاجأة أن الدولار أصبح يتمتع بشعبية متزايدة كخيار آمن للسوريين، وبالتالي فإن أي سياسة نقدية غير محكمة الجوانب في سوريا لا أثر إيجابي لها على المستوى المحلي.

مخاطرة بلا عائد

عند مناقشة فكرة تحرير أنظمة سعر الصرف، يجب طرح مسألة ما إذا كان هناك المزيد من المكاسب أو المخاطر. يمكن اعتبار تحرير سياسات سعر الصرف دليلا بارزا لنمو التجارة الدولية. ومع ذلك، هناك بعض المخاطر التي غالبًا ما تصاحب هذه السياسة، مما يجعلها موضوعا قابلا للنقاش بين الاقتصاديين.

إحدى المخاطر الأساسية المرتبطة بتحرير أنظمة أسعار الصرف تتمثل في احتمال حدوث انخفاض مفاجئ في قيمة عملة الدولة. يمكن أن يؤدي انخفاض قيمة العملات الناتج إلى زيادة حادة في أسعار السلع المستوردة، مما يؤدي إلى التضخم. غالبًا ما يُنظر إلى هذا على أنه ضار بالاقتصاد، حيث يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في القوة الشرائية وبالتالي انخفاض في النمو الاقتصادي الكلي.

تبعا لتحليل الزعبي، فإن تطبيق سعر الصرف العائم يقلل أيضًا من سيطرة الدولة على المعروض النقدي والنمو. يمكن أن يؤدي هذا غالبًا إلى عدم السيطرة على عرض النقود، حيث تخضع أنظمة سعر الصرف العائم لقوى العرض والطلب. هذا يخلق مستوى من عدم القدرة على التنبؤ، والذي يمكن أن يكون له تأثير ضار على الاقتصاد.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي تحرير أسعار الصرف إلى ظهور عدم استقرار الاقتصاد الكلي. من خلال إزالة العديد من قيود سعر الصرف الثابت، يمكن في كثير من الأحيان أن تكون السياسات النقدية المضادة للتضخم غير فعالة، مما يؤدي إلى زيادة مخاطر التضخم المفرط. ويمكن أن يؤدي هذا إلى نمو اقتصادي غير متوازن، وبالتالي يؤثر على آفاق الاقتصاد الكلي للدولة على المدى الطويل.

تحرير أنظمة سعر الصرف في الحالة السورية سيؤدي إلى انخفاض استقرار سعر الصرف. وأيضا لذلك آثار سلبية على الاقتصاد، لأنه يقلل من ثقة المستثمرين في قدرتهم على التنبؤ بدقة بحركات أسعار الصرف المستقبلية. وبالتلي سيكون هناك اضطرابات في التخطيط قصير المدى، مما يجعل من الصعب على الدولة اتخاذ تدابير استباقية عندما يتعلق الأمر بتشجيع النمو الاقتصادي.

غالبًا ما تفوق المخاطر المرتبطة بتحرير أنظمة سعر الصرف أي عوائد محتملة حيث يتم إعاقة سيطرة الدولة على سياستها النقدية، مما يؤدي إلى انخفاض في استقرار سعر الصرف وزيادة مخاطر عدم استقرار الاقتصاد الكلي. نتيجة لذلك، يمكن القول إن تحرير أنظمة أسعار الصرف التي اتبعها المركزي السوري تمثل مخاطرة دون أي عائد حقيقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.