بعد أن تراوحت تكلفة القبر الواحد ما بين 10-17 مليون ليرة سورية في العديد من المحافظات السورية، وخاصة العاصمة دمشق، بسبب ازدحام القبور والمواقع الاستراتيجية لبعض المقابر، يبدو أن أثر الغلاء والفقر بات يمتد لأرواح الموتى في هذه البلاد، ولكن هذه المرة يتبنى تجار القبور سياسة جديدة للسمسرة بالقبور، من خلال إنشاء سوق سوداء للمقابر.

انتشار ظاهرة السوق السوداء للمقابر يأتي نتيجة ارتفاع الأسعار الجامح في هذا البلد واستغلال بعض الظروف من أجل تحصيل عوائد مادية بأي شكل من الأشكال، بالإضافة إلى اكتظاظ القبور وغياب دور الجهات المعنية بهذه الأمور، على الرغم من أن كل شيء مسجل في سجلاتها، سواء مساحة المقبرة وعدد القبور وأعداد وأسماء الموتى المسجلين لديها.

سوق سوداء للقبور!

نحو ذلك، أفاد تقرير لموقع “أثر برس” المحلي يوم الأربعاء الماضي، أن أهالي مناطق عدة في ريف دمشق يعانون من حالة ازدحام على القبور وعدم وجود مقابر للدفن إلا في حال تم حفر قبر جديد أو دفن المتوفى فوق أحد المتوفين ممن مضى على دفنهم سنوات طويلة؛ ما فتح المجال أمام عودة تجارة القبور من قبل البعض متّبعين سياسة جديدة في عملهم غير المشروع.

سوق سوداء للقبور في سوريا- “إنترنت”

عددٌ من أهالي الريف الدمشقي أكدوا للموقع المحلي انتشار ظاهرة السوق السوداء للقبور، موضحين، أن تجار القبور الذين ظهروا مؤخرا وباتوا يعتمدون  آلية جديدة تتلخص بدفن الجثامين بطريقة سرية في ساعات الليل وبحضور عدد محدود من ذوي المتوفى.

أهالي المدينة هناك يرون أن ندرة القبور في مقابر ريف دمشق، والروتين المعقد الذي  طرأ على عمليات نقل الملكية دفع من يقوم بهذا العمل إلى اتباع هذه الآلية، مشيرين إلى أن من يعمل بهذه المهنة يتقاضى مبالغ تتراوح بين  500 – 700 ألف ليرة سورية لإتمام عمليات الدفن، مشترطين عدم تغيير الشاهدة القديمة التي تحمل اسم العائلة المالكة للقبور.

هذه التجارة وتزوير القبور ليست بجديدة ولكن لم تكن بهذه الأساليب والأرقام. وكانت إحدى الصحف المحلية رصدت في وقت سابق حالات تزوير طالت قبور بعض الأشخاص في مقابر بدمشق.

صحيفة “الوطن” المحلية نقلت أواخر العام الماضي، عن محامية لم تذكر اسمها أنها وُكّلت بقضية متابعة الحصول على ملكية لأربعة قبور تعود لعائلة واحدة، الأمر الذي دفعها إلى رفع دعوى أمام القضاء لتثبيت ملكية المالكين الحقيقيين لها بعدما تبيّن أن أحد تلك القبور وضع عليه شاهدة لاسم متوفية وهي غير موجودة في القبر، وتبيّن أيضا أنها دُفنت خارج القطر. الصحيفة لفتت آنذاك إلى أن تكلفة القبور الأربعة تصل إلى نحو 40 مليون ليرة سورية.

العديد من التقارير المحلية أشارت إلى أن السمسرة وصلت إلى المقابر، وباتت تجارة الموت مُربحة لدى الكثيرين، حيث توجد مجموعة كاملة من التجار يشترون عشرات القبور، لاستغلال كل مشترٍ بحسب وضعه المادي.

الجانب القانوني

في السياق ذاته، بيّن مصدر في محافظة ريف دمشق لموقع “أثر برس” المحلي، أنه وفيما يتعلق بقضية القبور، فبحسب المرسوم /858/ لعام 1946، الوحدات الإدارية هي المسؤولة عن تأمين القبور للمتوفين كلّ في منطقته؛ منوّها إلى وجود مكتب للدفن في محافظة دمشق والذي من مسؤوليته تنظيم القبور ومنحها لذوي المتوفين أو نقل ملكيتها عن طريق المكتب بطريقة قانونية.

في ريف دمشق فلا يوجد مكتب للدفن لذلك وفي هذه الحالة تكون الوحدات الإدارية هي المسؤولة عن تأمين القبور.

في معرض حديثه عن وجود حالات دفن لمتوفين بقبور ليست لهم وفوق أشخاص توفوا منذ زمن لصعوبة الحصول على مكان للدفن، قال المصدر نفسه “لا أؤكد لكن ربما تحصل في الليل عندما لا يكون هناك من يراقب وإذا كانت هناك شكوى من الناس عن ملاحظتهم لنبش قبور ذويهم فيجب التواصل مع الوحدة الإدارية التي تتبع للمنطقة التي يقطنون فيها من أجل مراقبتها ووضع حد لها”.

هذا وكانت محافظة دمشق قد بدأت في العام 2017، تطبيق قرار بإصدار تراخيص لقبور مكونة من ثلاثة طوابق نتيجة قلة عدد القبور وارتفاع أسعارها وسط الغلاء الذي يجتاح كل البلاد. ووفق أرقام محافظة دمشق، فإن مدينة دمشق تضم 130 ألف قبر، إلا أن المساحة الحالية لم تعد تتسع للمزيد، ما يضطر القائمون على مدافن العاصمة إلى إزاحة القبور الطابقية بعضها عن بعض بمقدار 50 سنتيمترا، حتى تتسع للمزيد من الموتى.

في سياق موازٍ، ارتفعت أسعار القبور في سوريا، لا سيما في العاصمة دمشق إلى مستويات غير مسبوقة، ما اضطر العائلات السورية إلى البحث عن قبور لدفن موتاهم بأسعار تناسب إمكانياتهم في مناطق خارج دمشق. فسعر القبر الواحد في مقبرة “الشيخ رسلان” بدمشق وصل إلى أكثر من 17 مليون ليرة بسبب موقعها الاستراتيجي وفق تعبير أحد التقارير المحلية السابقة.

تكلفة صالة التعزية يكلف مليون ليرة لليوم الواحد- “إنترنت”

بينما تراوح ثمن القبر في مقبرة “الدحداح” وسط دمشق بين 13 مليون إلى 15 مليون ليرة سورية، وبين 10 ملايين إلى 12 مليون ليرة للقبر في مقبرة “باب الصغير”. وسعر القبر الواحد في مقبرة “باب شرقي”، فقد وصل إلى نحو ثلاثة ملايين ليرة سورية للقبر الكامل، ومليون ليرة سورية للدرج الواحد في المدفن، بحسب موقع “هاشتاغ” المحلي في وقت سابق.

أما في ريف دمشق، يصل سعر القبر في مقابر الغوطة الشرقية لقرابة المليون ليرة سورية، بينما تعتبر مقبرة “نجها” الأرخص، إذ يصل سعر القبر لنحو 300 ألف ليرة. العديد من التقارير المحلية أشارت إلى أن السمسرة وصلت إلى المقابر، وباتت تجارة الموت مُربحة لدى الكثيرين، حيث توجد مجموعة كاملة من التجار يشترون عشرات القبور، لاستغلال كل مشتر بحسب وضعه المادي.

أسعار القبور لم تنأ بنفسها عن مجمل جنون الأسعار الذي يعمّ الأسواق السورية، حتى بات المواطن بعد معرفته أسعار القبور يخشى الموت تبعا للتكاليف الباهظة لذلك.

صرف صحي بين القبور!

في الإطار ذاته، نتيجة الإهمال والفساد في مؤسسات الحكومة السورية، حصلت العديد من الوقائع السيئة المتعلقة بالواقع الخدمي، منها سوء الطرق ودرجة نظافتها، أو أعطال كثيرة في شبكات الصرف الصحي، سواء من خلال تسرب المياه الملوثة إلى الشوارع أو إلى عنفات مياه الشرب، وآخر الغرائب في سوريا بسبب الإهمال الحكومي، تسرب مياه الصرف الصحي في مقبرة بمحافظة سورية.

في وقت سابق تواردت شكاوى عديدة من مدينة حماة لأحد المواقع الإعلامية المحلية، مفادها وجود مياه صرف صحي متسرّبة بين القبور في الجهة الشرقية من مقبرة الخضراء الواقعة على مقربة من قرية سريحين جنوب شرقي حماة بـ 3 كم.

من جهته، برر رئيس مجلس مدينة حماة المهندس معاوية جرجنازي، هذه المشكلة حينذاك، أنه تمت مراسلة شركة الصرف الصحي أكثر من مرة بخصوص هذه الشكوى وسيتم تكرار المراسلة لحين معالجة الأمر الذي ينتهك حرمة الموتى.

بالعودة إلى تكلفة الموت في هذه البلاد التعيسة، فقد باتت تكلفة صالات العزاء بدمشق في اليوم الواحد تُقدّر بأكثر من مليون ليرة سورية، حيث سجلت أرقاما قياسية غير مسبوقة، وفق تقرير سابق لصحيفة “تشرين” المحلية.

أحد أعضاء “مجلس محافظة دمشق” طالب في وقت سابق بضبط ارتفاع أسعار صالات وقاعات التعزية الذي وصل لأرقام كبيرة.  وبحسب مصادر محلية، أكدت لموقع “الحل نت”، فإن أجور قاعات التعزية، تختلف بحسب السعة والمنطقة والمستلزمات وتبعاتها، فبعض الصالات تتقاضى في اليوم الواحد نحو مليون ونصف المليون ليرة سورية وربما أكثر من ذلك، وتشمل كل مستلزمات القاعة من ضيافة القهوة وغيرها كأجرة القارئ ومختلف التجهيزات.

كما أن ثمة قاعات بأجور أقل، لكنها لا تشمل الضيافة مثل القهوة المرة وغيرها من الخدمات مثل الكهرباء وغيرها، خاصة وأن أسعار المازوت في السوق السوداء غالي الثمن وبالتالي زيادة التكلفة، نظرا لأن القاعة بحاجة لتشغيل مولدة الكهرباء، وكذلك المشروبات الساخنة التي يحتاج بالضرورة إلى الغاز، وتكلفة جرة الغاز في السوق السوداء اليوم تتجاوز الـ 400 ألف ليرة سورية.

يبدو أن الغلاء بات يلتهم كل جوانب الحياة في سوريا، وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها معظم السوريين اليوم، أصبح لكل شيء تقريبا سوقٌ سوداء، ويدير ويمتهن مجموعة من الأشخاص هذه الأعمال بهدف تحقيق أرباح غير مشروعة من جيوب المواطنين وسط تهاون وفساد حكومي حول انتشار هكذا ظواهر في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات