مع استمرار انهيار الاقتصاد السوري، لم تسلم قطاعات إنتاج الغذاء من الخسائر الكبيرة على مدى السنوات الماضية، حتى وصلت إلى قطاع الثروة الحيوانية المهدد منذ أشهر بالانهيار، بسبب عزوف معظم أصحاب قطعان المواشي، وأصحاب المشاريع المتعلقة بالثورة الحيوانية عن العمل بسبب صعوبات الإنتاج.

حكومة دمشق فشلت بدورها في مساعدة مشاريع الثروة الحيوانية من التدهور، رغم عشرات القرارات التي تصدر بشكل شهري، لكنها لم تنجح بتأمين دخل يسمح للسوريين بتحمل غلاء الأسعار في الأسواق من جهة، ومن جهة أخرى فشلت في مساعدة أصحاب المشاريع عبر تأمين مستلزمات الإنتاج اللازمة لضمان عدم خروجهم من خطوط الإنتاج.

هناك تخبط واضح داخل أروقة الحكومة فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة انحسار الثروة الحيوانية في البلاد، ففي الوقت التي تصمت فيه وزارة الزراعة والجهات المعنية بحماية الزراعة، تخرج “جمعية حماية المستهلك” في دمشق على لسان رئيسها عبد العزيز المعقالي، للتحذير من احتمالية خسارة سوريا لثروتها الحيوانية خلال مدة أقصاها 5 سنوات، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بشكل كبير في الأسواق السورية.

ارتفاع أسعار اللحوم هي السبب؟

الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم هي السبب الأبرز في التهديد ليست دقيقة بحسب مختصين، فأسباب انحسار الثروة الحيوانية في سوريا، مركبة وناتجة عن العديد من المحددات، وهي متعلقة بعدم توفر موارد الإنتاج من جهة، وعدم قدرة المستهلكين على تحمل ارتفاع الأسعار من جهة أخرى، فضلا عن فشل الحكومة في إيجاد آلية من شأنها إنقاذ القطاع.

هذا العام اتجه العديد من مربي المواشي، إلى ذبح إناث الحيوانات بحسب المعقالي الذي صرّح لصحيفة “الوطن” المحلية الخميس الفائت، وهي في فترة إنتاج الحليب، والسبب في ذلك ارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية، إذ يحاول المربّون تجنب الخسارة عبر الاتجاه إلى ذبح المواشي وبيع لحمها بدل من تحمل تكاليف تربيتها المرتفعة.

قد يهمك: تعقيدات وعرقلة.. كيف ساهمت قرارات دمشق بزيادة ركود سوق العقارات؟

الضرائب المرتفعة وعدم تأمين الجهات الحكومية للأعلاف والأدوية اللازمة، جعلت العديد من مربي الماشية يخرجون من سوق الإنتاج، كذلك فإن غياب المحروقات المدعومة والكهرباء، زادت من تكاليف الإنتاج بنسب لم يعُد التجار يستطيعون تحميلها على المستهلك، في وقت تشهد فيه الأسواق قلة في الإقبال على المنتجات الحيوانية بسبب ارتفاع أسعارها.

انحسار أكبر للثروة

الخبير الاقتصادي رضوان الدبس، أشار إلى أن أبرز أسباب تهديد الثروة الحيوانية، تتعلق بهجرة المربين وهجرة رأس المال الذي كان متوفرا ويتحرك ضمن هذا القطاع سابقا، مشيرا إلى أن القرارات الحكومية خلال السنوات الماضية لم تكن لصالح المواطنين أو داعمة لأصحاب مشاريع تربية المواشي. بالتالي فإنه من الممكن أن نشهد انحسارا أكبر للثروة الحيوانية خلال السنوات المقبلة.

الدبس قال في حديث مع “الحل نت”، “أولا حماية المستهلك لا يجب أن تتدخل بهذا الأمر في ظل وجود وزارة الزراعة المسؤولة الأولى عن قطاع تربية الحيوانات. بالحديث عن أسباب هذا الانحسار فإنه بالتأكيد يتعلق بأسعار الأعلاف المرتفعة وأحيانا المفقودة، فضلا عن أن كمية واسعة من الثروة الحيوانية تخلى عنها أصحابها وتم بيعها بسبب الحرب المستمرة لأكثر من 10 سنوات”.

مع استمرار الحرب وعدم توفر مستلزمات الإنتاج، اتجه كثير من أصحاب مشاريع تربية الأغنام والأبقار إلى بيع مواشيهم، بسبب خشيتهم من موتها أو إصابتها في بعض المناطق التي كانت تشهد عمليات عسكرية وقصف، بالتالي تراجعت نسبة اليد العاملة في القطاع، فضلا عن تحويل رؤوس الأموال إلى مشاريع أخرى، بالتالي انخفض الاهتمام بالمشاريع المتعلقة بالثروة الحيوانية.

أما بالحديث عن الدور الحكومي، فقد فشلت دمشق في تأمين الأعلاف والمراكز الطبية البيطرية، فضلا عن رفع الضرائب المستمر، الذي كان عائقا كبيرا أمام استمرارية المنتج، الذي خرج تدريجيا من سوق تجارة مشتقات الحيوان، ما أدى إلى تراجع كبير في الثروة الحيوانية في البلاد، بعد أن كانت سوريا عام 2010 من أبرز الدول العربية إنتاجا لمشتقات الحيوان.

قد يهمك:  مواد جديدة على قائمة الدعم في رمضان.. هل تنجح “التموين” السورية في تقديمها؟

حول ذلك أوضح الدبس، أن “مربي الحيوان كان يستفيد من إنتاج الحليب ومشتقاته من الألبان والأجبان وغيرها، ويقوم ببيعها للمعامل، إضافة إلى تجارة اللحوم الحمراء، لكن فشل الحكومة في تأمين الكهرباء من أجل النقل والحفظ، أدى إلى تراجع قطاع إنتاج مشتقات الحليب. بالتالي أصبح كل مربي مضطر للعمل في منطقته فقط، الأمر الذي أدى إلى تراجع في التصدير، وخسائر كبيرة على الراعي وأصحاب المشاريع المرتبطة بالحيوانات”.

هل تملك الحكومة أدوات الحل؟

لا يبدو أن حكومة دمشق تملك الخيارات المناسبة لإنقاذ الثروة الحيوانية، خاصة مع عجزها عن تأمين أبسط مقومات الحياة من كهرباء ومواد نفطية، تساعد المنتجين على استمراريتهم، هذا فضلا عن عدم توفر السيولة لدى الحكومة. وهنا زاد الدبس قائلا “دمشق لا تملك الإرادة كذلك لحل الأزمة، بسبب وجود متنفذين وفساد ومافيات مستفيدة من تهريب الحيوانات واللحوم، هذا كله يمنع الحكومة من التصرف لحل الأزمة”.

خلال السنوات الأخيرة، لم تصدر عن الجهات الرسمية التابعة لدمشق، إحصائية دقيقة عن واقع الثروة الحيوانية في سوريا وما تبقى منها. لكن تقارير لصحف محلية بينها صحيفة “تشرين”، أشارت نقلا عن رئيس “مكتب الإحصاء والثروة الحيوانية في الاتحاد العام للفلاحين” جزاع الجازع، إلى تراجع أعداد الأغنام إلى 17 مليون رأس، بعد أن كان قبل العام 2011، يناهز الـ 30 مليون رأس، بنسبة تراجع بلغت نحو 40 بالمئة، وفقا للصحيفة ذاتها.

مع اقتراب شهر رمضان، زادت معاناة الأهالي في تأمين تكاليف المواد الغذائية، ما قد يحرم الشريحة الأكبر من السوريين، من إضفاء ما اعتادوه على مائدة الصيام، حيث وصل سعر كيلو هبرة الخروف في السوق ما بين 80 إلى 90 ألف ليرة سورية، والغنم المسوف تراوح ما بين 60 إلى 65 ألف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو شرحات الغنم ما بين 80 إلى 100 ألف ليرة.

غلاء الأسعار هذا يأتي في ظل غياب الرقابة الحكومية الكاملة عن ضبط الأسعار، إذ يؤكد مختصون أن الحكومة لا تملك الأدوات لفرض تسعيرة نظامية على محلات بيع اللحوم، فآخر تسعيرة للحوم من وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، كانت قبل أكثر من سبعة أشهر، ولا يتم العمل بها، لأنها لا تراعي حجم دخل المواطنين، ولا تراعي أيضا تكاليف الإنتاج على التجار.

كل هذا في ظل واقع اقتصادي ينحدر يوما بعد يوم، فقد ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في سوريا منذ مطلع العام الجاري، إلى أكثر من 4 ملايين ليرة سورية بعد أن كان في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي نحو 3.5 ملايين ليرة سورية، بحسب دراسة نشرتها جريدة قاسيون المحلية.

لا يبدو أن هناك أي مؤشر إيجابي في صالح إنقاذ الثروة الحيوانية، ويبدو أن جميع التحذيرات الصادرة عن الجهات الحكومية هي “رفع عتب” لا أكثر، بالتالي فقد تكون البلاد على موعد جَدّي في خسارة هذه الثروة، التي كانت من أبرز ما تتمتع به سوريا قبل عام 2011، وقبل هذا الدور والصوت العالي لما تسمى بـ”وزارة التجار الداخلية وحماية المستهلك”، التي ربما لا تستطيع حماية نفسها حتى تحمي المستهلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.