على إثر استكمال الجهود لإعادة العلاقات أو ترميم الفجوات بين الحكومة السورية وبشار الأسد مع دول المنطقة، وصل الرئيس السوري يوم الأحد الفائت رفقة زوجته، أسماء الأسد، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة رسمية. هي ثاني زيارة يقوم بها الأسد إلى الخليج منذ الزلزال الذي وقع الشهر الماضي، والزيارة إلى الإمارات، هي الثانية له خلال عامين، بعد رحلة إلى سلطنة عُمان الشهر الماضي. الإمارات وسلطنة عمان هما  البلدان العربيان الوحيدان اللذان زارهما الأسد منذ عام 2011.

المفارقة أن زيارة الأسد للإمارات مؤخرا هي أول رحلة رسمية برفقة عقيلته أسماء، منذ أكثر من عقد. زوجته التي منذ زواجهما عمدت إلى بناء صورة مغايرة للوضع المرتبط بالأسرة الحاكمة من عنف وتوحش وإدارة أمنية لكافة الملفات، وفق بعض التقارير.

بينما سعت لرسم ملامح تفيد بأن الأسد منبع التغير والإصلاح والتقدمية، وفي الوقت ذاته ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، كانت ولا تزال بجواره في شوارع دمشق القديمة وتلقي التحيات على الناس بشكل عفوي وتتلقى منهم الابتسامات والسلامات بكل ترحاب ولطف، ولا سيما عقب فوز بشار بالانتخابات الرئاسية واحتفالهم العائلي في شوارع العاصمة وتناول أكثر أكلة سورية مشهورة “الشاورما”. وطالت جهود السيدة منذ بداية الحرب في عام 2011، دعم نساء الجنود والضباط الذين قضوا في الحرب من قوات جيش حكومة دمشق وتواصل جهودها التي تبرز دورها الإنساني المصنوع من خلال مرافقة الجنود المصابين، وكذلك الأطفال في المدارس. فتبعث رسالة واضحة أن الحياة تسير على ما هي عليه في سوريا رغم كل ما يجري ويحدث خارج جدران قصرها المحصن والبعيد عن مأساة الوضع المعيشي بسوريا.

كما ظهرت أسماء الأسد عدة مرات وهي تدعم الجهود المدنية، فضلا عن زيارتها مع الأسد للمناطق المنكوبة في حلب على إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق واسعة وأودى بحياة الآلاف، ثم استغلالها قضية الطفلة “شام الشيخ محمد”، المصابة بهذا الزلزال في شمال غربي سوريا، والتي نُقلت بظروف غامضة للعلاج في الإمارات، لتظهر أسماء ببث فيديو وهي تطمئن على صحتها، في محاولة واضحة لتلميع صورتها مع الأسد، مستغلين بعض الانفتاح الدولي على وقع كارثة الزلزال.

اليوم تزور أسماء برفقة زوجها أبو ظبي وتقابل عقيلة بن زايد، الشيخة فاطمة بنت مبارك “أم الإمارات”، برفقة المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية السورية لونا الشبل، ودانا بشكور مديرة مكتب أسماء، ومن الجانب الإماراتي عدد كبير من سيدات العائلة الحاكمة في الإمارات، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول سر وتوقيت هذه الزيارة، وأهدافها، وتساؤل آخر حول مساعي بشار الأسد من هذا الانفتاح وما إذا كانت هناك أغراض براغماتية أخرى غير التطبيع مع الدول العربية.

موافقة الأسد على المبادرة العربية؟

نحو ذلك، بحث رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، يوم الأحد الماضي، مع الأسد تعزيز التعاون والتنسيق في القضايا التي تخدم الاستقرار والتنمية في سوريا والمنطقة. وكان الأسد، قد وصل، يوم الأحد، إلى الإمارات في زيارة رسمية ترافقه خلالها “السيدة الأولى” أسماء، في بيان رسمي نشرته “الرئاسة السورية”.

من جانبها، قالت “وكالة الأنباء الإماراتية” (وام)، إن بن زايد آل نهيان كان في مقدمة مستقبلي الأسد لدى وصوله مطار الرئاسة في أبوظبي. بن زايد رحّب في بداية جلسة المحادثات التي جرت في قصر الوطن في أبوظبي، بالأسد والوفد المرافق. وقال بن زايد في تغريدة على منصة “تويتر”، “أرحب بالرئيس بشار الأسد في الإمارات، أجرينا مباحثات إيجابية وبناءة لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، وتعزيز التعاون والتنسيق في القضايا التي تخدم الاستقرار والتنمية في سوريا والمنطقة”.

من جهتها، قالت “الرئاسة السورية” في بيانها المقتضب إن المحادثات تناولت “التطورات الإيجابية الحاصلة في المنطقة وأهمية البناء على تلك التطورات لتحقيق الاستقرار لدولها”. كما تطرقت للتعاون الاقتصادي بين البلدين.

الكاتب الصحفي عقيل حسين، يقول إنه بحسب المعلومات التي حصل عليها والتقديرات التي خرج بها، فإن الأسد سيرد على الورقة العربية التي قُدّمت له في سلطنة عُمان عندما زارها قبل نحو شهر، وقد أعطي 4 أسابيع للرد عليه، وهذا هو سر توقيت هذه الزيارة للإمارات.

من جانبه يرى الكاتب والصحفي السوري، محمد إبراهيم، أن زيارة الأسد هذه تصادف بعد عام كامل من زيارته الأولى وكان من الواضح طريقة الاستقبال المختلفة كليا عن زيارته الأولى من خلال المراسيم الرسمية التي بدأت تظهر في زيارات بشار الأسد في كل من سلطنة عُمان وروسيا والإمارات من زيارات غير معلنة إلى زيارات معلنة وباستقبال رسمي تشمل كافة البروتوكولات المعهودة في استقبال الرؤساء.

قد يهمك: المحادثات الرباعية حول سوريا.. أجندات مختلفة وهدف واحد أم طريق مسدود؟

إن دل هذا الأمر على شيء فهو تحوّل في الملف السوري وتقارب وجهات النظر، أو “بالإمكان القول بدء قبول الأسد بالشروط العربية، وإذا ما لاحظنا فإن الزيارة أتت مباشرة بعد عودة الأسد من موسكو”، وهو واضح ويمكن القراءة بشكل واضح أن التعليمات التي تلقاها الأسد في موسكو أعطته الضوء الأخضر وربما ضغط لقبول الشروط العربية، نظرا للتقارب العربي مع روسيا بعد حرب أوكرانيا، وفق تقدير إبراهيم لموقع “الحل نت”.

استخدام “القوة الناعمة”!

من وجهة نظر الصحفي السوري، عقيل، لموقع “الحل نت”، فإن حضور أسماء الأسد برفقة بشار يعطي انطباعا بأن رده إيجابي على المبادرة العربية التي عرضت عليه، وإلا فلن يضره أن يصطحب زوجته معه ويخلق هذا الجو الاجتماعي الذي يبعث برسالة مفادها أن البلد بخير وكل الأمور تعود لما قبل عام 2011. عقيل يقول إن هذا الرد هو إيجابي للدول العربية وحكوماتها التي قدمت هذه المبادرة للأسد، لكنه ليس إيجابيا لقوى المعارضة والشعب السوري المعارض، الذين لم ولن يقدموا تنازلات سياسية حقيقية.

هذه هي المرة الأولى التي تسافر فيها أسماء الأسد ولونا الشبل مع الأسد في زيارة خارجية منذ الاحتجاجات الشعبية ضد الأسد، باستثناء زيارة لونا إلى موسكو مرة واحدة، ولكن من المعروف أن أسماء والشبل، شخصيتان مقربتان جدا من “الكرملين” وتنفذان الأجندات الروسية في سوريا ضد الأجندة الإيرانية، وهذا ما يؤكد أن موسكو تدفع الأسد وتضغط عليه لكي يقبل بالمبادرة العربية والتي تقودها الإمارات حاليا، لكون موسكو منشغلة بكل طاقتها في أوكرانيا ولم تعد قادرة على تحمل الملف السوري اقتصاديا وعسكريا بأي شكل، وربما أتت هذه المبادرة العربية كهدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتخفيف عبء الأسد عليه، وفق ما يحلّله إبراهيم لزيارة أسماء والوجوه النسائية رفقة الأسد هذه المرة.

تسليط إعلامي محلي واضح حظيت بها هذه الزيارة، وتحديدا أسماء الأسد رفقة الشيخة فاطمة، وتأكيدا على ذلك، فقد نشرت صحيفة “تشرين” المحلية، تقريرا يوم الأحد الماضي، ركزت فيه على لقاء جمع الشيخة فاطمة بنت مبارك بأسماء الأسد، كما وتم إبراز الملف الإنساني ضمن هذا الاجتماع، والتلميح لإمكانية حدوث تعاون في هذا الصدد، ويربط المراقبون هذا الأمر بما قامت به أسماء مؤخرا من حيث تضامنها وتكاتفها مع الطفلة “شام” التي تُعالج في الإمارات، ومحاولتها استغلال مأساة الطفلة في صالح حكومة دمشق.

صحيفة “تشرين“، ذكرت في تقريرها أن الشيخة فاطمة بنت مبارك “أم الإمارات”، استقبلت السيدة الأولى أسماء الأسد والوفد المرافق لها في “قصر البحر” مقر إقامتها في العاصمة أبو ظبي. وتناول اللقاء الجوانب المتعددة للتعاون في العمل الإنساني والتنمية الاجتماعية والتمكين متعدد الجوانب، و”إمكانية تعميق المبادرات المشتركة بين الجهات المختلفة غير الحكومية بين البلدين الشقيقين خاصة بعد الزلزال الذي ضرب سوريا في مسعى لتخفيف المعاناة عن ضحاياه قدر الإمكان”.

أسماء بدورها شكرت الإمارات دولة وشعبا على ما قامت به من استجابة طارئة بعد الزلزال وخصت بالذكر الشيخة فاطمة بنت مبارك على تواصلها الدوري للاطمئنان، وعلى مبادرتها الكريمة بعلاج بعض الحالات لضحايا الزلزال في الإمارات، مؤكدة أن هؤلاء الأشخاص وخاصة الأطفال منهم قد كتبت لهم حياة مختلفة مرتين الأولى بعد أن نجوا من الكارثة والثانية عندما جاؤوا للعلاج في الإمارات، وفق الصحيفة المحلية.

بالتالي، يمكن القول أن أسماء وبالتعاون مع الجانب الإماراتي يحاولون تلميع صورة السلطة الحاكمة في دمشق، والمتمثلة ببشار الأسد، عبر استحضار تعاطف مصطنع وإضفاء الطابع الإنساني عليه، حيث تم تأمين اتصالٍ بين أسماء والطفلة السورية “شام”، التي نُقلت إلى الإمارات للعلاج في مشافيها، مبرزين الكم الإنساني للعالم أجمع.

أسماء التي وقفت إلى جانب زوجها بشار الأسد الذي شنّ حربا شنيعة على شعبه عقب الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 2011. منذ ذلك الحين وتظهر أسماء عبر موقع “الرئاسة السورية” وهي تستقبل عوائل الشهداء من النساء أو أطفالهن، فضلا عن ظهورها رفقة بشار الأسد بجانب جنود مصابين من قوات الجيش السوري أو برفقة المتفوقين في المدارس، أو مع الأطفال اليتامى أو المصابين بالسرطان، أو زيارة القرى بالساحل السوري والأماكن الشعبية، في رسالة جلية أن الحياة طبيعية في سوريا رغم كل ما كان يجري ويحدث حاليا من مأساة معيشية داخل سوريا. الذي يدمي القلوب، فلا يكاد راتب المواطن السوري يساعده في أن يعيش ليومين فقط، فضلا عن طوابير “الخبز والغاز والسكر والمحروقات”، التي وُصفت بـ”الذل” من قبل الداخل السوري.

على إثر وقوفها إلى جانب الأسد ودعمه، وضعها “الاتحاد الأوروبي” عام 2012، ومن ثم الولايات المتحدة من بين الشخصيات السورية المعاقبة نتيجة الرد العنيف للحكومة السورية على الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد.

بالاستناد إلى كل ما ذكر، فإن أسماء الأسد تتعمد الظهور بمظهرها الاعتيادي وأن تبدو طبيعية، في محاولة منها لأن تبعث برسالة للداخل والخارج، للمؤيدين والمعارضين على حد سواء، مفادها أنه مهما كانت الأمور سيئة في سوريا، إلا أنها لا تزال تحت السيطرة، وأنه ليس هناك ما يستدعي القلق فيما يتعلق بالوضع السوري ومستقبل العائلة الحاكمة.

بالتالي يمكن قول شيء واحد إزاء هذا وهو أن أسماء تريد أن تبعث برسائل غير مباشرة، إلى أن “سوريا بخير والأزمة انتهت وعلى الدول إعادة علاقاتهم مع دمشق”، وأنها ستبقى “السيدة الأولى” وهي رسالة حكومة دمشق منذ اندلاع الصراع في سوريا وحتى تاريخ اليوم. وبالتالي هي تحاول المساهمة بشكل غير مباشر أن تدعم زوجها، الأسد في مساعيه للتطبيع مع دول المنطقة ومن ثم على مستوى العالم، وفق ما يرنو ويتوهم به هو.

قطع الطريق أمام تركيا؟

من جانب آخر، لا شك أن بشار الأسد يسعى في الوقت الحالي وبالدرجة الأولى لتطبيع العلاقات مع الدول العربية بما يسمح له بالاندماج بالمحيط الإقليمي كشرط أساسي لعودته للمجتمع الدولي، فبدون كرت العبور من الدول العربية الفاعلة فهو لن يستطيع التقدم خطوة واحدة على مسار التعويم الإقليمي والدولي ككل، وفق تقدير حسين.

أما فيما إذا كانت هذه الزيارات العربية المتبادلة مع دمشق يعزز من مكانة الأسد في المحادثات مع أنقرة، فيرى حسين أن هذا التقارب العربي مع الأسد مؤخرا يشجعه بالابتعاد أكثر من التطبيع والتقارب مع أنقرة وأن لا يستعجل التطبيع معها لأن أحد دوافع الدول العربية المعلنة للتطبيع مع دمشق وإعادة تعويمه هو ابعاده عن إيران ما أمكن وقطع الطريق أمام تركيا لتوسيع نفوذها مرة أخرى ليشمل كل سوريا، هم يقدمون له طوق النجاة التي أرادت تركيا أن يقدمها له.

من وجهة نظر إبراهيم، فإن التقارب الخليجي مع إيران مؤخرا سيكون بالتأكيد على حساب تقارب الأسد مع أنقرة، لكن يمكن القول إن التقارب مع أنقرة سيتم تحريكه مرة أخرى ولكن بشروط عربية، لأن هذا التقارب هو ضمن سلسلة التحرك العربي بالملف السوري، ولا يمكن تحريك وحلحلة الملف بدون تركيا التي تتحكم بكل مفاصل المعارضة السياسية والعسكرية، والتي تحتل جزء مهم من الأراضي السورية. كما ويعتقد إبراهيم أنه خلال الأشهر القادمة سيشهد المشهد السوري خطوات جديدة، إذ إن الأسد بدأ تعويمه بشكل رسمي من قبل بعض الدول على مايبدو، ولكن لن يعود بشكل بالكامل إلى الحضن العربي، ويعيد مقعده الشاغر في “الجامعة العربية” بدون موافقته على الشروط العربية وهو ما يحدث الآن، وفق ما يقدّره إبراهيم.

في العموم، لا يمكن التغاضي عن التطورات والتقاربات العربية الملحوظة تجاه دمشق، والتي ربما قد تأزم الملف السوري أكثر من حلحلته، ذلك لأن إعادة تعويم الأسد دون وجود خطط وأطر سياسية حقيقية ملموسة شاملة، وانفكاكه عن إيران وروسيا وتنفيذه للقرار الدولي رقم “2254”، لن يكون لهذا التعويم معنى وأثر إيجابي حقيقي على المشهد السوري، لا سيما مع الرفض الغربي له حتى اليوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.