في حين تجري تحركات دبلوماسية وسياسية حثيثة لبعض الأطراف المعنية بالمشهد الليبي؛ لبحث الخطوات السياسية والدستورية اللازمة بغية وضع أسس وأطر سياسية تبعث بالاستقرار وإنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد، وتنفيذ الاستحقاق الانتخابي في ليبيا، يتجلى مشهد زيارة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، مع وفد رفيع المستوى إلى بنغازي، ثم لقاء القادة العسكريين والبرلمانيين.

هذا بالإضافة إلى تزامن الزيارة الأميركية مع اختيار البرلمان الليبي، يوم أمس الإثنين، أعضاء لجنة إعداد القوانين الانتخابية، في جلسة عامة بمقره في مدينة بنغازي، شرقي البلاد. ويرى بعض المراقبين أن لجنة “6+6” المشتركة بين “مجلسي البرلمان والدولة” قد تكون بمثابة فرصة أخيرة لتحقيق توافق بين قادة ليبيا حول قانون الانتخابات.

إذاً، ثمة العديد من التحركات التي كانت تجري داخل الساحة الليبية، سواء بين أطراف دولية والفرقاء السياسيين، وكذلك ما يجري في البرلمان الليبي بشأن القوانين الانتخابية، بيد أن الواقع يشير إلى أن هذا يحدث في ضوء تدهور الأوضاع في ليبيا، بالإضافة إلى المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول أهداف الزيارة الأميركية إلى بنغازي، وما إذا كان ذلك سيعزز فرص إجراء الانتخابات، خاصة بعد طرح مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي.

إضافة إلى تساؤلات أخرى حول احتمالية أن تكون لجنة “6+6” المشتركة بين “مجلسي النواب والدولة” بمثابة فرصة أخيرة لتحقيق توافق ما بين الفرقاء، ومن ثم إيجاد حلول لإنهاء حالة الانسداد السياسي، وإلى أي مدى قد تُنهي التحركات الدبلوماسية والسياسية الأخيرة الوضع المتأزم في ليبيا.

خطوات لإجراء الانتخابات

نحو ذلك، قالت منصة “فواصل” الليبية يوم الأحد الماضي، إن وفدا دبلوماسيا رفيع المستوى من وزارة الخارجية الأميركية برئاسة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وصل بنغازي للاجتماع مع قيادات عسكرية ونيابية.

المنصة أضافت أن الزيارة شملت لقاء عدد من المسؤولين، أبرزهم قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ورئيس “مجلس النواب” عقيلة صالح وعدد من القيادات العسكرية وأعضاء لجنة الشؤون الخارجية بـ “مجلس النواب”. مشيرة إلى أن الوفد بحث المستجدات السياسية في البلاد وفرص إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية العام الجاري.

من جانب آخر اختار البرلمان الليبي، يوم أمس الإثنين، أعضاء لجنة إعداد القوانين الانتخابية، في جلسة عامة بمقره في مدينة بنغازي. وكان “مجلس النواب” و”المجلس الأعلى للدولة”، قد اتفقا على تشكيل لجنة مشتركة من 6 أعضاء لكل فريق، ستبدأ مهامها خلال الأسابيع القادمة، وتعمل على معالجة الخلافات القانونية، وفق ما نقلته قناة “العربية“.

المحلل السياسي الليبي، إدريس أحميد، يرى في تصريحات لـ”الحل نت”، أن الوضع في ليبيا غامض وغير واضح في الواقع، حيث ثمة أزمة سياسية على إثر تدخلات وصراعات دولية هناك. لكن في الوقت ذاته يقول أحميد إن الأميركيين قاموا بعدة زيارات خلال الفترة الأخيرة إلى ليبيا ودول الجوار مثل مصر، بغية إنهاء الأزمة الليبية التي تمر أولا بإجراء الانتخابات وأيضا التركيز على الجانب الأمني، من حيث إنهاء التشكيلات العسكرية الخارجية بالبلاد وتحديدا مجموعات “فاغنر” الروسية، ولعل الاجتماعات الأمنية ولجنة “6+6” يصب في هذا السياق أيضا.

قد يهمك: أحزاب المعارضة التونسية تنكر شرعية البرلمان.. تصاعد للصراع على السلطة؟

بالتالي، لا شك أن هذه الزيارة الأميركية هي استمرار للجهود الدولية ككل من أجل توفير البيئة المناسبة لإجراء الانتخابات، ولكن هناك تحدٍّ واضح أمام هذه المساعي الإيجابية، وهو دخول عدة أطراف خارجية على المشهد الليبي ميدانيا، سواء من قبل تركيا في الغرب أو مرتزقة “فاغنر” العسكرية الروسية في شرق البلاد.

لذلك ثمة مخاوف من عودة ليبيا إلى ساحة للصراع العسكري مرة أخرى، حيث يوجد تجزأ وانقسام حاد بين الأطراف الليبية أو التشكيلات المسلحة أو الجهات العسكرية لإخراج مجموعات “فاغنر” من ليبيا. هذا فضلا عن وجود روسي في قارة إفريقيا، وهو ما يعقّد المشهد ككل، وفق تقدير أحميد.

توافق بين الجهود الأممية و”مجلس النواب”؟

في السياق، التقى الوفد الأميركي يوم أمس الإثنين رئيس “مجلس النواب” عقيلة صالح وتم مناقشة المستجدات السياسية وفرص إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية العام الجاري. وكانت الخارجية الأميركية أعلنت أن ليف ستقوم بجولة تشمل الأردن ومصر ولبنان وتونس، في الفترة من 15 إلى 25 آذار/مارس الجاري.

قبل نحو أسبوعين التقى المبعوث والسفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، برئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السايح، وقال حينها إن الطريق ممهّد للقادة الرئيسيين؛ لإنتاج التفاهمات السياسية والأساس القانوني؛ الذي سيسمح بتحديد موعد محدد للانتخابات خلال العام الجاري، معربا عن ثقته في أن المفوضية قادرة تقنيا، ومستعدة لإجراء الانتخابات، وفق ما أوردته السفارة الأميركية.

خلال هذا اللقاء، والذي عقد في العاصمة طرابلس، أكد السفير الأميركي دعم واشنطن لجهود المفوضية؛ لإنجاز انتخابات حرة وذات مصداقية؛ تعكس إرادة الناخب الليبي، مثمّنا في الوقت ذاته الجهود التي اضطلعت بها المفوضية للتعامل مع المراحل الانتخابية السابقة. أيضا، استعرض الاجتماع سُبل تدعيم المقترحات والمساعي، التي تنشد السلام والاستقرار؛ والرامية إلى تحقيق توافق الأطراف السياسية، وصولا لإنجاز الاستحقاقات المرتقبة.

في حين، أكد رئيس صالح، ضرورة وجود حكومة موحدة في كافة أنحاء البلاد؛ لتنظيم الانتخابات، بالإضافة إلى جاهزية المفوضية الوطنية العليا للانتخابات؛ لإجراء هذا الاستحقاق الوطني. وفي الإطار ذاته، أكد المبعوث الأممي، باتيلي، أن جولاته الإقليمية والدولية، ونتائج اجتماعاته في نيويورك؛ تؤيد خطته في إجراء الانتخابات؛ باعتبارها الهدف الأساسي لعمل البعثة.

باتيلي خلال الشهر الجاري، اجتمع برئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، والذي أكد على دعم الحكومة لخطة الأول في إجراء الانتخابات. كذلك، التقى باتيلي مع حفتر وأطلعه على مبادرته الجديدة، التي أثارت جدلا واسعا مؤخرا، بسبب قوله إن تحديد الانتخابات لا يمكن أن يُترك بيد “مجلسي النواب والدولة” فقط، ويجب توسيع قاعدة المشاركة والمشاورات المحلية، موضحا أنه لا يمكن تحديد موعد للانتخابات في ليبيا قبل الانتهاء من إعداد القوانين والاتفاق عليها، ومن ثم إحالتها إلى مفوضية الانتخابات لبحث القضايا الأخرى المتعلقة بالعملية الانتخابية.

بالعودة إلى المحلل السياسي الليبي، فإنه يقول في هذا السياق إن المبعوث الأممي باتيلي، يسعى لتوضيح مبادرته التي قدمها مؤخرا وهو نفسه تجاوب مع “مجلسي النواب والدولة”، وينتظر لجنة “6 + 6″ التي اختيرت من قبل ” مجلس النواب”. ويتوقع أحميد أن تحدث خلافات حول اختيارات لجنة “6+6″، وكذلك نشوء خلافات حول تشكيل اللجنة وأعضائها في “المجلس الأعلى للدولة” الذي يعاني بالفعل من انقسام حاد.

أحميد يرى وفق منظوره أن هذا المشهد برمته يعطي صورة بأن الوضع في ليبيا غير طبيعي ومأزوم، والتدخلات الخارجية كبيرة وعميقة، وليس من السهل إخراجها، على الرغم من أن واشنطن وبريطانيا المطّلعين على الملف الليبي، عندهم رؤية بخصوص الانتخابات الليبية، والدليل أنهم قفزوا ولم يعترفوا بالانتخابات التي جرت في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، على إثر مخاوفهم من وجود أشخاص مثل سيف الإسلام القذافي الذي يربطه علاقات وثيقة مع روسيا، لذا يريدون اليوم إجراء استحقاقات انتخابية مستقلة وبدون هيمنة أية أطراف خارجية ولا سيما روسيا.

قد يهمك: مبادرة في ليبيا تشعل سجالاً واسعاً.. من يملك مفتاح الحل السياسي؟

بمعنى أكثر دقة أن تكون هذه التحركات والجهود ككل قابلة للتنفيذ، وتعبّر عن رغبة الليبيين الحقيقية في إجراء انتخابات نزيهة وعادلة، وفق استطراد أحميد.

سيناريوهات مختلفة

باتيلي كان قد اتهم مجلسي “النواب والدولة” بالتقاعس عن الانتهاء من القاعدة الدستورية العام الماضي، مؤكدا أثناء إعلان مبادرته الجديدة أنه يمكن إجراء الانتخابات في نهاية عام 2023، إذا تم وضع القوانين الانتخابية قبل نهاية حزيران/يونيو المقبل.

مبادرة باتيلي الأخيرة شكّلت حالة من الجدل الذي رافق ترشّح بعض الشخصيات للانتخابات الرئاسية حيث قال إنه سيشكّل “لجنة توجيهية رفيعة المستوى ستقوم بصياغة مدوّنة سلوك للمرشحينَ”، ويجب على القادة الليبيين تضمينها في القاعدة الدستورية، موضحا أن اللجنة سيتم تشكيلها بعد عملية حوار ليبي- ليبي، وستشارك فيها كل الأطراف الفاعلة في البلاد.

هذه الأطراف الفاعلة تشمل وفق طرح باتيلي أمام “مجلس الأمن” قبل نحو أسبوعين، أثناء إعلانه عن آلية لجمع مختلف الأطراف الليبية المعنية، ممثلي المؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلون عن النساء والشباب.

هذا الاقتراح الذي قدّمه باتيلي اعتبره بعض الأحزاب المحلية والقوى السياسية على أنه يمثّل رؤية المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية والمدعوم من قبل مندوبي الدول في “مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة باستثناء روسيا، التي لم يتضح موقفها بعد. إذ لم تلقَ آذانا صاغية كل المبادرات التي قُدّمت من قبل “الأمم المتحدة” في السابق، لكن حاليا يعوّل الليبيون على مبادرة باتيلي الجديدة لإخراج البلاد من حالة الانسداد السياسي، إلا أنها مرهونة بتوافق الأطراف المنخرطة في ليبيا.

أحميد، يقول إن ثمة خلافات بين أطراف خارجية بخصوص الملف الليبي، أي أن كل طرف يريد فرض هيمنته والاستحواذ على مناطق أوسع ولا يبدو أن أياً منهم يرغب بمغادرة البلاد، بجانب الدور السلبي الذي يحمله الشارع الليبي؛ فلا أصوات ليبية تعبر عن رغبتها، وبالتالي فإن هذا يثبت شيئا واحدا وهو أن المشهد الليبي ضبابي

إلا أن هناك أحزابا سياسية وأطرافا مَدنية مهمة ولافتة في المشهد الليبي، وقد يستعين بهم باتيلي في مبادرته الجديدة لإجراء الانتخابات، خاصة وأن “مجلسي النواب والدولة” لا يريدان إدخال أطراف أخرى للعملية الانتخابية، وبالتالي إدخال هذه الأطراف المحلية بجهود باتيلي ضرورية ومهمة للخروج برؤية واضحة للانتخابات. ولا بد أن يكون الحل ليبي- ليبي وإلا فلن تكون العملية الانتخابية بالشكل الذي يريده الليبيون أو يعبّرون عنه، وفق ما يعتقد أحميد

بينما يرى بعض المراقبين أن هناك سيناريوهات أخرى تتعلق بالمشهد الليبي تتمثل في اختيار إحدى الحكومتين الموجودتين هناك، أو دمجهما، بالتوفيق بين الدبيبة وفتحي باشاغا، على الرغم من أن الأمر يبدو صعبا ويتطلب مناقشات كبيرة على عدة مستويات، لكنه مرجّح بكل الأحوال.

لكن في النهاية يؤكد أحميد، أن الوضع الليبي مع هذا التشرذم والانقسام والتدخلات الخارجية لن ينتج عنه عملية انتخابية تمنح الليبيين استقلالية القرار والإرادة والتعبير عن رغبتهم في استقلال بلادهم وإدارة شؤونهم.

لذلك يبقى التساؤل الأهم ما إذا كان المجتمع الدولي سيعمل بشكل مكثف لممارسة الضغط اللازم على الأجسام السياسية والتشريعية؛ لتمرير الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والبرلماني، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية واللوجستية لتنفيذ ذلك، أم أن هذه الجهود الدولية الهادفة إلى استقرار البلاد وإنهاء حالة التفلت السياسي ستفشل مرة أخرى كغيرها ومن ثم يتأزم الوضع في البلاد أكثر مما هو عليه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.