الواقع يقول إن العراق لن يتوقف عن الاحتجاجات؛ لأنها باتت صفة ملاصقة لشعبه على اختلاف الفئات، وربما الحركة الاحتجاجية القادمة ستكون “انتفاضة تشرين” ثانية، لكن هل ستكون مثل الأولى؟

ما يجعل تحقبق ذلك السيناريو ممكنا، هو اقتراب الذكرى السنوية الثالثة لـ “انتفاضة تشرين” التي خرجت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 واستمرت 5 أشهر ونصف قبل أن تنتهي بسبب القمع المفرط لها، ناهيك عن اجتياح وباء “كورونا” للبلاد.

الجمعة الفائتة، شهدت العاصمة العراقية بغداد، تظاهرة تشرينية ضخمة، وصلت إلى أبواب المنطقة الخضراء، معقل الحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية الدولية، قبل أن تنتهي التظاهرة، بعد إذاعة البيان الخاص بها.

البيان كان ضد “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، وحذّره من تشكيل حكومة محاصصاتية تجعل العراق تحت وصاية طهران، وتوعد بالخروج في تظاهرات جديدة بعد نهاية زيارة أربعينية الإمام الحسين أواخر أيلول/ سبتمبر الجاري.

ذلك البيان، فتح الأبواب على إمكانية انطلاق “تشرين” ثانية مجددا، خاصة وأن “التيار الصدري” خاض حركة احتجاجية استمرت لمدة شهر ضد “الإطار” وانتهت قبل أسبوع، بعد أحداث المنطقة الخضراء الأخيرة.

تتوقع الباحثة السياسية ريم الجاف في حديث مع “الحل نت’، بالفعل خروج “انتفاضة تشرين” ثانية مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، لكنها لن تكون مثل “تشرين” الأولى، على حد تعبيرها.

ما علاقة الصدر والكاظمي؟

“تشرين” القادمة ستكون أكبر من سابقتها؛ لأنها ستشهد اشتراك الصدريين فيها، بحسب الجاف، التي تردف، أن الخيوط بدأت تتوضح أكثر لتحقق ذلك السيناريو. “تشرين المقبلة مدروسة ومخططة ولن تكون عفوية كما التي سبقتها”.

الباحثة السياسية العراقية، تبين أن الحركة الاحتجاجية القادمة سيقودها زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر ورئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي، من خلف الكواليس. “الأول يدفع بجمهوره ويقوده والثاني يدعم الجمهور التشريني”.

مصطفى الكاظمي

وفق الجاف، فإن الجمهور الاشريني سيخرج بقيادة فاعلة له من قبل عدد من ناشطي الحراك الاحتجاجي المعروفين، وأولئك يدعمهم الكاظمي لتحريك الشارع للخروج بانتفاضة جديدة بالتزامن نع سنوية “تشرين” المقبلة.

تقول الجاف، إن هدف مقتدى الصدر منع “الإطار” من تشكيل حكومة إطارية توافقية قحة تجعل البلاد تحت هيمنة طهران، وذات الهدف يتفق معه الجمهور التشريني، أما الكاظمي فيطمح بتأخير تشكيل حكومة جديدة من قبل “الإطار”؛ كي لا يخسر منصبه، ويسعى للتجديد له ثانية عبر الحراك الجديد.

بالمجمل، اشتراك “التيار” مع التشرينيين في انتفاضة واحدة هي خطوة نحو الطريق الصحيح بحسب الجاف؛ لأن المشتركات أهم من الاختلافات، والمشترك لكليهما ولعامة الشعب هو التخلص من “الإطار” الذي يمثل أجندة طهران، وذلك لن يتحقق دون توحد الجميع، على حد تعبيرها.

وتشهد منصات “التواصل الاجتماعي” الخاصة بـ “التيار الصدري” محاباة واضحة مؤخرا تجاه الجمهور التشريني، حتى أنها تقول إن التشرينيين و”التيار” هم واحد، ولا أحد يمكنه أن يفرق بينهما.

اعتزال وصراع مسلّح

“انتفاضة تشرين”، شهدت دعما صدريا واضحا له، حتى أن “التيار الصدري” شكّل أفواجا سميت بـ “القبعات الزرق”، كانت مهمتها حماية المتظاهرين التشرينيين السلميين من قمع الميليشيات لهم.

بعد 4 أشهر من حراك “تشرين”، تحديدا في شهر شباط/ فبراير 2020، رفع مقتدى الصدر دعمه عن “تشرين”، وانقلب عليها؛ بسبب ما سماها خروجها عن هدفها وانزلاقها نحو الفسق والفجور في مخيمات الاعتصام بين الشباب والبنات.

وكان مقتدى الصدر، أعلن الاثنين الماضي، اعتزاله الحياة السياسية؛ ما انعكس بشكل مباشر على المشهد السياسي العراقي، إذ كادت أن تنزق البلاد لحرب أهلية شيعية-شيعية لو لا تدخله لاحقا.

فقد شهدت العاصمة بغداد، الاثنين المنصرم، تصعيدا صدريا على إثر اعتزال مقتدى الصدر، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

مقتدى الصدر

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة وعدم تشكيل حكومة “إطارية”.

مطالب “تشرين”

فيما يخص “انتفاضة تشرين”، فإنها خرجت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضد الفساد السياسي والبطالة ونقص الخدمات والتدخل الإيراني بالشأن العراقي.

من أبرز الشعارات التي نادت بها الانتفاضة: “نريد وطن، ونازل ٱخذ حقي”، وطالب المتظاهرون بتغيير نظام الحكم إلى رئاسي، وترك المحاصصة السياسية.

لكن التظاهرات جوبهت بقمع من “قوات الشغب” الحكومية والميليشيات الموالية لإيران بالقنابل الدخانية والقناص، وبخطف وتعذيب وتغييب المتظاهرين.

وقتل في “حراك تشرين” 750 متظاهرا وأصيب 25 ألفا، بينهم 5 آلاف متظاهر بإعاقة دائمة، وفق الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية.

وأسفرت “انتفاضة تشرين” عن إسقاط حكومة عادل عبد المهدي في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ومجيء حكومة برئاسة مصطفى الكاظمي في 7 أيار/ مايو 2020.

ومن مخرجات “تشرين” انتخابات مبكرة أجريت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وشاركت فيها عدة أحزاب انبثقت من رحم الانتفاضة، وفاز بالانتخابات 15 نائبا من “قوى تشرين” و45 نائبا مستقلا بشكل فردي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.