بعد انسحابه من العملية السياسية على خلفية صراع سياسي محتدم، تطور في مرحلة معينة إلى حدّ الصدامات المسلحة استخدمت فيها قاذفات “الآر بي جي” وصواريخ “الكاتيوشا”؛ تمرّ الآن 7 أشهر على اعتزال زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، للسياسة. ومنذ ذلك الحين وهو لا يصرّح بأي شيء يخص السياسة البتة، ويتجنب الحديث في كل ما يدور في البلاد سياسيا.
الأمر الذي فتح باب السؤال حول إلى أي مدى سيستمر في عزلته، على الرغم من اقتراب “الإطار التنسيقي” من تغيير قانون الانتخابات الحالي، الذي ينقسم حوله الصدريون وغرماؤهم في البيت الشيعي الذي يمثله “الإطار” حاليا.
قانون الانتخابات الحالي شُرّع في 2020 تحت ضغط شعبي كبير إبّان ما باتت تعرف بـ “ثورة تشرين”، ما أسفر عن صعود غير مسبوق للمستقلين إلى قبة “البرلمان” بنحو 60 مقعدا، ناهيك عن فوز “التيار الصدري” أولا بحصوله على 73 مقعدا، مقابل سقوط كبير لتحالف “الإطار التنسيقي”، المقرب من إيران، والذي يضم جميع القوى الشيعية باستثناء الصدريين.
القانون الانتخابي وصمت الزعيم الصدري
القانون الحالي يخدم “التيار الصدري” وقوى “تشرين” ومعهم المستقلين، ولذا يصرّ “الإطار” على تعديله عبر إعادة قانون “سانت ليغو” السابق، وهو الذي يهمّش المستقلين والأحزاب الناشئة، ويضمن للأحزاب التقليدية الاستمرار في تربّعها على عرش العملية السياسية.
المحلل السياسي داود القيسي يقول في حديث لموقع “الحل نت”، إن المتابع للمشهد السياسي يدرك تماما أن التيار الصدري رافض لقانون انتخابات “سانت ليغو” سواء لانتخابات مجالس المحافظات أو “البرلمان”، وهناك أيضا رفض جماهيري له، مشيرا إلى أن ابتعاد الصدر عن المعترك السياسي، هو قرار ناتج عن قناعته بعدم التحالف مع “الإطار التنسيقي”، الأمر الذي جعله لا يستطيع بمفرده تشكيل حكومة أغلبية، ففضّل الانسحاب من العملية السياسية برمتها، ناهيك عن إدراكه أن هناك جملة من المؤثرات الكبيرة إقليميا ودوليا يدور فلكها في العراق.
اقرأ/ي أيضا: انتخابات المحافظات وقانون الموازنة.. مسار السوداني للاستئثار بسلطة العراق؟
غير أن ثقة مقتدى الصدر بنفسه وجمهوره، يمكّنه من إحداث تغيير كبير في المعادلة السياسية متى ما شاء الانخراط بها مجددا، لذا فهو لا يستعجل العودة، بحسب القيسي، الذي أشار إلى أن ما يدفع الصدر لعدم الاستعجال بالعودة، هو أن موعد الانتخابات لا زال غامضا وحسّاسا، وهناك أيديولوجيات جديدة ستنتهجها القوى الخارجية الفاعلة في العراق، قد تؤدي إلى تغيير بوصلة الأحداث، لذا فإن الصمت والاعتزال في نظر الصدر أبلغ وأنجع من التجاذبات الحاصلة الآن.
في السياق، أضاف المحلل السياسي، أن ابتعاد الصدر عن العملية السياسية جاء، ليمنح “الإطار” وبقية القوى السياسية تشكيل الحكومة، كي يتبين للشارع العراقي مَن هم الذين لا يعملون للشعب، ومن هم الذين يقفون وراء عدم نجاح الحكومة والعملية السياسية.
القيسي أردف، أن الصدر اختار أيضا المراقبة والمعارضة الشعبية لعمل الحكومة الحالية، فهو بالنتيجة جزء من هذا الشعب ونجاح الحكومة إن تحقق سيفرحه، وقراره بالمراقبة عن بُعد دفع بالحكومة إلى العمل نحو النجاح؛ لأن الفشل يعني أن “الإطار” وراء الفشل المستمر منذ 2003، مما يؤكد حينها قناعة الصدر بعدم جديتهم وإصرارهم على المحاصصة وتقاسم المغانم.
أما عن موعد عودة الصدر، يرى القيسي، أنه إذا لم تنجح الحكومة الحالية ومعها الكتل السياسية بإيجاد حلول تلبي طموحات الشارع العراقي، فإن صمت زعيم التيار الصدري لن يدوم طويلا، لذا فهو مراقب جيد الآن، وقد تكون الأيام القادمة حُبلى بالأحداث.
فجر الاثنين الماضي، تمكن “البرلمان” بعد جلسة ماراثونية استمرت لنحو 17 ساعة من التصويت على 7 مواد من قانون الانتخابات بصيغة “سانت ليغو”، وبقيت 15 مادة لم يتم التصويت عليها، وحددت رئاسة المجلس السبت المقبل موعدا لإكمال عملية التصويت على كل مواد القانون كي ينال صفته التشريعية بشكل رسمي.
انتخابات تخالف قناعة الصدر
“البرلمان” حدد أيضا، شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، فيما لم يحدد موعد الانتخابات التشريعية، التي يرجّح أن تجرى في موعدها الطبيعي دون أي تقديم لها، رغم وضع حكومة السوداني موعد سنة لإجرائها بعد تشكيل حكومته.
انسحاب زعيم “التيار الصدري” في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، جاء في خطوة مباغتة؛ فما بعد 2003، كانت القوى السياسية تتجمع في بيتوتات طائفية بعد كل انتخابات، هي البيت الشيعي والبيت السني والبيت الكردي، لكن الصدر كسر تلك القاعدة بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، وترك البيت الشيعي وتحالف مع الكرد والسنة، غير أن تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يمثّل البيت الشيعي، رفض ذلك التحول وأعاقه.
الأمر الذي أنتج صراعا سياسيا دام في العراق لعام كامل؛ منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”، وحتى تشكل حكومة محمد شياع السوداني الحالية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
اقرأ/ي أيضا: أوقات الاضطراب الاقتصادي تقترب.. هل توفر العملات التقليدية ملاذا أمنا؟
بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“. “إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.
الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.
سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية؛ “البرلمان” العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.
بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا وانقلبت المعادلة بتوجيه الصدر لنواب كتلته بالاستقالة من “البرلمان”، عندما أخذ “الإطار” زمام المبادرة بتقديم رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، مرشحا لرئاسة الحكومة، لينزل أنصار التيار إلى الشارع احتجاجا على ذلك، واقتحموا البرلمان والقصر الحكومي وسط المنطقة الخضراء، معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية ببغداد، ليتحول الأمر لصدامات مسلحة أسفرت عن 40 قتيلا و700 جريح، ما أضطر الصدر بعد ذلك اعتزال العملية السياسية في خطاب وجه فيه أنصاره الانسحاب من الخضراء في 60 دقيقة.
بما يخص “سانت ليغو”؛ فهي طريقة ابتُكرت عام 1912 على يد عالم الرياضيات الفرنسي أندرية “سانت ليغو”، والغاية من هذه الصيغة هي توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، وتقلل من العيوب الناتجة بين عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد المتحصل عليها، وهو عيب تستفيد منه الأحزاب الكبيرة على حساب الكتل الصغيرة، أما “سانت ليغو” المعدل، الغرض منه توزيع المقاعد بطريقة أكثر عدالة.
ما هو قانون “سانت ليغو”؟
آلية “سانت ليغو” في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي وتعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعديا، لكن في العراق اعتمد القاسم الانتخابي 1.6 وكان من سلبياته أنه أظهر الكثير من القوائم الانتخابية، التي لا حصر لها ولا عدد، وفي التطبيق العراقي لهذه الطريقة يتم تقسيم أصوات كل قائمة على متوالية الأعداد الفردية فقط “1.6، 3، 5، 7، 9، … “، ومن ثم یتم توزيع المقاعد حسب الترتيب التنازلي لنواتج القسمة، ثم یتم ترتیب تلك النواتج تنازليا، وتوزّع المقاعد حسب بداية من أعلى رقم إلى أن ینتهي توزیع كل المقاعد.
هذه الآلية تسببت في صعود شخصيات لم تحصل على أصوات انتخابية تؤهلها إلى بلوغ “البرلمان”، وذلك من خلال ما يمكن أن يُضاف لها من أصوات الفائز الأكثر من ذات القائمة، فما إن يخسر مرشح، حتى يتم تعويضه بأصوات مرشح آخر من قائمته. لكن في أواخر عام 2019، أقرّ “البرلمان” قانون رقم 9 استجابة لمطالب المحتجين، والذي جاء مغايرا لما تم اعتماده في الانتخابات التشريعية الأربعة التي سبقت ذلك التشريع.
بموجب قانون 2019، تم تقسيم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية على عدد مقاعد “كوتا” النساء في “البرلمان”، والذي يلزم الدستور بحصولهن على 25 بالمئة من المقاعد النيابية البالغ عددها 329 مقعدا، وبحسب مضامين ذلك القانون فإن ذلك يُعدّ تحوّلا في عملية حساب الأصوات والفوز للمرشحين؛ إذ إنه يحدد الفائز بأعلى الأصوات بدلا من اعتماد طرق حسابية معقّدة تجعل دخول المستقلين إلى “البرلمان” مهمة شبه مستحيلة.
كما باتت آلية احتساب الأصوات، تذهب مباشرة إلى المرشح، بدلا من القائمة مثل ما كان الحال في القوانين الانتخابية السابقة، وإضافة إلى الفائض منها لا يوزع على مرشحين في حزب ما، أو القائمة الانتخابية ذاتها، الأمر الذي سهّل صعود نواب يمثلون أحزابهم وليس جمهورهم.
بناء على ذلك، فإن صمت زعيم “التيار الصدري”، يأتي في سياق المتابعة للشأن العام وانتظار الفرصة المناسبة للعودة لنشاطه السياسي، لاسيما وقد عُرف عنه حسن التوقيت الذي عادة ما يقرره للتدخل في قضية ما، وفي كل الأحوال فإن عودته قد تكون للمشارك في انتخابات المبكرة التي تنتظرها البلاد، رغم أن قراره السابق في الصيف الماضي، بعدم المشاركة اشترط عدم مشاركة من وصفهم بالـ “الفاسدين”.
- إيران تدرس إرسال “مستشارين” لحلب.. و”الفصائل” تسيطر على تل رفعت
- ترجيحات بعدم هبوط طائرة وزير الخارجية الإيراني في مطار دمشق.. أين ذهبت؟
- “ندعم الدروز والأكراد”.. أول تعليق إسرائيلي على هجمات “الفصائل” بسوريا
- الهجري: نقف على منعطف تاريخي وندعم السوريين.. و”الإدارة الذاتية” تعلن “مرحلة التعبئة”
- واشنطن تكشف سر “انهيارات” سوريا.. وعراقجي يحمل رسالة للأسد
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.