في الوقت الذي تعيش فيه الحكومة السورية أفضل أوقاتها بعد 11 عاما من القطيعة والعزلة الدولية التي فُرضت عليها من قِبل الغرب والعالم العربي على خلفية “الثورة الشعبية” التي انطلقت عام 2011، وفي ظل انفتاح دول عدة على سوريا، جدّد الأردن موقفه من ضرورة التوصل لحل سياسي في سوريا، حيث أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي،الثلاثاء الفائت، عن وجود مبادرة أردنية لإيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا.

المبادرة الأردنية التي تأتي في ظل الحديث عن انفتاح سعودي على حكومة دمشق، جاءت استمرارا لنهج سياسي أردني يهدف إلى التوصل لحل هذه الأزمة سياسيا، بحسب ما أكده الصفدي الذي كان قد زار العاصمة السورية في شباط/فبراير الماضي، معتبرا أن بلاده من أكبر المتضررين اقتصاديا وأمنيا من الصراع الدائر في سوريا.

النوايا الأردنية بالاستثمار في الزخم العربي الذي تشهده سوريا مؤخرا، كان واضحا في زيارة الصفدي إلى دمشق الشهر الماضي، حيث التقى بالرئيس السوري بشار الأسد بعد أيام من الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري، وذلك بالتزامن مع زخم سياسي إقليمي وعربي في اتجاه التقارب مع هذا النظام الذي يرفض حتى اللحظة أي مبادرة لحل الأزمة السورية على أساس القرار الدولي 2254.

الأردن وتحركه تجاه سوريا

هذا وتُعد زيارة الصفدي لدمشق أول زيارة رسمية لوزير خارجية أردني إلى سورية منذ اندلاع “الثورة السورية”، بيد أنه سبقها لقاء الصفدي مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش الاجتماع الـ 77 لـ “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2022.

إلى ذلك، وحول المبادرة التي أطلقتها الأردن حديثا، أوضح المسؤول الأردني عقب لقاء جمعه مع المبعوث الخاص “للأمم المتحدة” إلى سوريا غير بيدرسن في العاصمة الأردنية عمان، أن مبادرة بلاده تجاه الملف السوري تنطلق من دور عربي مباشر وحوار سياسي لحل الأزمة وتفرعاتها الأمنية والسياسية، مبيّنا أن عمان تنسّق مع “الأمم المتحدة” لإطلاعها على المبادرة وتفاصيلها.

اقرأ/ي أيضا: رافد اقتصاد ميت.. هل تنجح مساع إحياء الصناعة بالعراق؟

مع عدم إظهار الجانب السوري أي موقف حتى الآن، كان الصفدي والمسؤول الأممي قد بحثا في المبادرة من زاوية التنسيق مع “الأشقاء” العرب، وتفاصيلها، وموعد إطلاقها بهدف التحرك العربي الجاد لحل الأزمة السورية، والتحرك وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة، على حد تعبيره، مؤكدا أن هناك قناعة راسخة بأن الأزمة في سورية لا يمكن أن تستمر، وأن الحل السياسي هو مفتاح إنهائها، ونحن كعرب أولى بتصدر طاولة الحوار لأن سورية بلد عربي، وتبعات الأزمة تؤثر علينا أكثر من غيرنا. 

الأردن الذي يستضيف منذ عام 2011 نحو مليون لاجئ سوري، منهم حوالي 650 ألف لاجئ مسجل في “الأمم المتحدة”، يواجه تحديا كبيرا؛ وهو عمليات تهريب المخدرات من مناطق سيطرة السلطات السورية إلى الأردن، في ظل وجود شبكات تهريب تتهم بصلتها بالميليشيات الإيرانية الفاعلة في سوريا، وأخرى مرتبطة بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، لاسيما وأن الأردن أحبط الكثير من محاولات تهريب المخدرات من سورية إلى أراضيه، في سياق “حرب مخدرات” تشن عليه من الجنوب السوري.

لكن الحاجة الأردنية لإيجاد حل نهائي للأزمة السورية، لا تزال غامضة إذا ما كانت معقودة بالمخاطر الأمنية والمخدرات، وحول ذلك أوضح المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة، أن التحرك الأردني الحالي المتمثل بالمبادرة، يمكن تفسيره من باب السياسية الواقعية؛ على اعتبار أن الأردن يُعد من أكثر الدول المتضررة من الملف السوري، ومن تغير الأولويات على مستوى المجتمع الدولي. الأمر الذي أبقى هذا الملف بوجه الأردن الذي لا زال يدفع ثمن تداعياته، لاسيما فيما يتعلق بالتداعيات الأمنية من حيث تهريب المخدرات والسلاح وانتشار خلايا الأرهاب في مناطق قريبة من الحدود الأردنية.

 لذلك أن التحرك الأردني الحالي، بحسب السبايلة الذي تحدث لموقع “الحل نت”، يُعد منطقيا جدا في ظل غياب المجتمع الدولي الذي غاب عن المشهد السوري من وقت طويل، وهو ما يضطر الأردن بوضع الملف السوري على الطاولة للتوصل لصيغة من صيغ الحلول، مشيرا إلى أن مكاسب عمان من إنهاء الأزمة السورية تتمثل بدرء المشكلات القادمة والمستمرة من فكرة إبقاء الأزمة مفتوحة بهذه الطريقة.

مكاسب الأردن من مبادرة إنهاء الأزمة السورية

السبايلة لفت أنّه من ضمن المكاسب الأردنية من إيجاد حلّ للأزمة السورية؛ أن الأردن يتمتع بموقع جغرافي يمكن تفعيله بطريقة مفيدة للأردن على كافة المستويات، وفي حال استطعنا الانتقال إلى مرحلة متقدمة في موضوع إيجاد الحل، سيمكن بعدها الانتقال إلى التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار، لاسيما وأن الفكرة التي سوّقها الأردن في البداية كانت تقوم على أساس اقتصادي تشبه فكرة أنبوب الغاز.

أما فيما يتعلق بفرص نجاح المبادرة الأردنية، يقول المحلل السياسي الأردني، أن عوامل النجاح على المستوى العربي تزيد، بسبب تقارب وجهات النظر الساعية على مدار السنوات الماضية لتبني وجهة نظر واحدة تقودها الإمارات بصورة واضحة، مبيّنا أن المحاولات السابقة في جلب سوريا إلى القمة العربية في الجزائر قد تكون فشلت، لكن العمل حاليا بدا بين الدول العربية في محاولة الحصول على إجماع عربي والانتقال في فكرة شرعنة سوريا إلى “الجامعة العربية”، ولاحقا التعامل مع المجتمع الدولي من هذه الزاوية بكتلة عربية ذات رؤية واضحة أفضل من انتظار ضوء أخضر أو حلول من الخارج.

اقرأ/ي أيضا: الدفة المتأرجحة.. هل تنقلب الصفحة على العلاقات التركية المصرية؟

لكن السبايلة لفت، إلى أن المبادرة الأردنية حتى الآن تُعد غير واضحة المعالم، لأن في النهاية يجب أن تكون هناك مجسات لكل الأطراف التي تساعد في الوصول إلى الحل والتي رفضُها قد يعطّل المضي قدما بذلك، لهذا أنه على المستوى العربي هناك مساحة جيدة، لكن الآن يجب الانتقال بالموضوع لإقناع المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر صاحبة الكلمة الفصل في النهاية، على اعتبار أنها من وضعت العقوبات وشرعنت قانون “قيصر”، وهي التي تمنع التعامل مع النظام السوري الحالي.

في النهاية، أن المبادرة الأردنية تُعد نتاجا لتحولات طبيعية، وأنه من دون أدنى شك أن الإمارات هي من قادت هذا التوجه بصورة واضحة، لكن في النهاية أن الأردن هو الشرك الأساسي والجغرافي والذي منه يمكن التفكير فعليا بالحل، وذلك بالنظر أيضا إلى أنه يعد حليفا للولايات المتحدة الأميركية، ولديه تواجد عسكري في الولايات المتحدة، لذلك مشاكله ينظر لها بطريقة مختلفة والتي تقدم له أيضا فرصة لمثل هذا التحرك.

السبايلة اختتم حديثه لـ “الحل نت”، بالقول، إنه مع كل ذلك، يبقى هناك في النهاية معضلة في الأزمة السورية، تتمثل بنظر واشنطن والمجتمع الدولي الغربي إلى القضية من زاوية روسيا، باعتبار أنها مناطق نفوذ روسية، بالتالي يجب إدراك أن أحد المعضلات الجديدة؛ هي كيف التعامل مع سوريا على المستوى الدولي التي تعد فيه حليفة لروسيا التي تعاني هي الأخرى العقوبات الدولية.

يشار إلى أن هذه المتغيرات في التحرك الأردني جاءت بعد، أن أجرى العاهل الأردني عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا مع الرئيس السوري في 7 شباط/فبراير الماضي، قدم فيه التعازي بضحايا الزلزال، معربا عن تضامن ووقوف الأردن قيادة وشعبا إلى جانب سوريا في هذه الكارثة، وما نجم عنها من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، واستعداده لتقديم ما يلزم للمساعدة في جهود الإغاثة.

الحراك الأردني

عمليا، بدأ الأردن في عام 2021 الدفع باتجاه تغيير التعاطي السياسي مع الحكومة السورية، للتوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع الدائر في سوريا منذ عام 2011، خصوصا أن الأردن كان من أكثر المتضررين منه اقتصاديا وأمنيا، وقدمت عمان في حينه ما سمي بـ “اللاورقة”  للإدارة الأميركية تتضمن 5 بنود للتعاطي مع النظام السوري.

البنود الخمسة هي، صياغة نهج تدريجي نحو حل سياسي على أساس قرار “مجلس الأمن” رقم 2254، بناء الدعم للنهج الجديد بين الشركاء الإقليميين والدوليين، السعي لاتفاق مع روسيا على هذا النهج، والاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري، ومرحلة التنفيذ.

“اللاورقة” الأردنية، كانت تقوم على مبدأ “الخطوة خطوة” بحيث يقدم المجتمع الدولي مساعدات اقتصادية للنظام ويخفف بشكل متدرج العقوبات المفروضة عليه منذ عام 2011، ويدعم عمليات التعافي والاستقرار، ويمول برامج إعادة الإعمار، مقابل إطلاق سراح المعتقلين والانخراط الجَدّي في عملية سياسية وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات شاملة بناء عليه، بيد أن الإدارة الأميركية لم تكترث بـ”اللاورقة” الأردنية حينها، وربما ذلك لإدراكها أن الحكومة السورية غير معنية بإيجاد حلول للأزمة لا تقوم على بقائها في السلطة.

قبل ذلك، سبق وأعلنت كلا من عمان ودمشق في تشرين الأول/أكتوبر 2018 إعادة فتح معبر “نصيب” الحدودي بين البلدين بعد إغلاق استمر سنوات عدة بسبب سيطرة فصائل المعارضة السورية على هذا المعبر، والذي يُعد شريانا مهمّا للاقتصاد الأردني، بيد أن العاهل الأردني عبد الله الثاني، كان قد حذر في منتصف العام الماضي، من استغلال الإيرانيين لأي انسحاب روسي من جنوب سوريا، لأن أي فراغ يخلقه هذا الانسحاب “سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلائهم”، في مؤشر واضح على أن لدى الأردن مخاوف جمّة على أمنه، ما يفسر سعيه لإيجاد حل سياسي في سوريا يبدد هذه المخاوف.

وفقا للمعطيات الحالية، فإن الأردن يشعر بخطر كبير من استمرار الأزمة السورية على وضعها الحالي، لاسيما فيما يتعلق بتدفق المخدرات والسلاح الذي يمكن أن يمثل واحدة من أهم منطلقات عمان لإنهاء الأزمة في سوريا، وذلك بجانب الحفاظ على مكانتها في المنطقة العربية كلاعب أساسي وفاعل في القضايا المصيرية، علاوة على المكاسب الاقتصادية التي تسعى لتحقيقها، بيد أنه لا يمكن الحديث عن أي فرص نجاح ما لم يُظهر المجتمع الدولي موقفا من ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة