منذ بدء تصاعد الاحتجاجات في تونس قبل أكثر من شهر، اتخذت السلطات التونسية بقيادة الرئيس قيس سعيّد، النهج الأمني لإسكات المعارضين والناشطين السياسيين، فاعتقلت العشرات منهم بتهم مختلفة أبرزها “التآمر على أمن الدولة”، ما يعني أن الرئيس دخل منعرجا جديد لإسكات المعارضة وكل من يختلف معه في طريقة إدارة البلاد.

المعارضون التونسيون بدأوا بدخول “مواجهة حقيقية” مع السلطة، في وقت شملت فيه الاعتقالات شخصيات سياسية بارزة مثل  الأمين العام لـ “الحزب الجمهوري” عصام الشابي، الذي كان اقترب من “جبهة الخلاص” الوطني، وأعلن استعداده للعمل الجماعي مع كل من يضع استعادة الديمقراطية هدفا له، كما شملت الأمين العام السابق لـ “التيار الديمقراطي” غازي الشواي.

لكن الحملة الأمنية التي شنتها السلطة بقيادة الرئيس التونسي، لم تنجح حتى الآن على الأقل في إسكات أصوات المعارضة، بل على العكس فإن الاحتجاجات التونسية، تتوسع يوما بعد يوم رفضا لسياسة السلطة في التعامل مع الاحتجاجات، فضلا عن حالة عدم الرضا المنتشرة في الشارع التونسي، عن طريقة إدارة البلاد من قبل قيس سعيّد وحكومته.

إصرار سعيّد على الحل الأمني

إصرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، على إسكات الأصوات المعارضة لطريقة حكمه البلاد، جعلت الطريق مفتوحا أمام توسع شعبية المعارضة، في وقت بدأت فيه تظهر ملامح الصراع على السلطة بين حلف الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي يسعى لاحتكار السلطات، وبين أحزاب المعارضة التي تعتبر أن إجراءات الرئيس هي تمهيد لصنع دكتاتور في البلاد

ورغم أن الاعتقالات طالت العديد من رموز المعارضة، وأبرز قادة “جبهة الخلاص الوطني”، وعددا آخرا من قيادات “حركة النهضة”، إلا أن الحركات الرافضة لسياسة قيس سعيّد في إدارة البلاد مستمرة، وكانت آخر ملامح استمرار المعارضة في الاحتجاج، الإعلان عن عدم اعترافها بشرعية “البرلمان”، الذي تم انتخابه وفق تعديلات دستورية أقرها سعيّد لمنح منصب الرئيس المزيد من الصلاحيات.

قد يهمك: بين عودة مجلس “الأمة” وإبطال الانتخابات البرلمانية.. ماذا يحصل في الكويت؟

الصحفي والمحلل السياسي التونسي حبيب كريم، رأى أن الرئيس التونسي دفع بسياسته الأخيرة، إلى ضرب جميع محاولات تقريب وجهات النظر بين المعارضة التونسية والسلطة، مشيرا إلى أن التعامل بشكل أمني عبر الاعتقالات مع المعارضة، أدى إلى توسع الاحتجاجات ضد السلطة، بعد فشل هذه السياسة في إسكات المعارضين.

كريم قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “ما يحصل في تونس من تعامل السلطات مع الحركات الاحتجاجية ورفض طريقة قيس سعيّد في إدارة البلاد، مخطط له من قبل الرئيس ومن يشاركه في السلطة، هذا بالتأكيد إدى لإنهاء جميع محاولات تقريب وجهات النظر، هذه المحاولات كان يقودها من هُم في السجن الآن، وقد تمت عمليات اعتقالهم وتوجيه تُهم عشوائية لهم بدون أي أدلة أو وثائق”.

هل تخاف المعارضة؟

الرئيس التونسي قيس سعيّد، سعى خلال الأسابيع الماضية، إلى إخافة جميع أحزاب المعارضة عبر اعتقال كبار الشخصيات وزجهم في السجون، إلا أن حركات الاحتجاج توسعت وشملت العديد من فئات المجتمع، حتى شهدت العاصمة التونسية مظاهرات استنكرت تصرفات السلطة، ووصلت إلى المطالبة برحيل سعيّد عن السلطة.

هنا أضاف كريم، “سعى الرئيس إلى إخافة باقي المكونات السياسية في صفوف المعارضة، لكن خطته فشلت لأن الاحتجاجات توسعت خلال الأيام الماضية، هذه السياسة تدفع بالبلاد نحو الفوضى، يجب أن يتراجع سعيّد عن التعديلات الدستورية الأخيرة، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، والأخذ بعين الاعتبار مطالب الشارع التونسي”.

رغم تمكن السلطة من اقتياد العديد من شخصيات المعارضة إلى السجن، لكن المعطيات في تونس لا توحي أن الصراع حُسم لصالح السلطة، خاصة مع توسع الاحتجاجات، وعدم وجود أي رؤية لدى السلطة في التعامل مع مطالب الشارع التونسي، ولاحتواء جميع أحزاب المعارضة التي تواجه السلطة اليوم في البلاد.

كريم أوضح كذلك أن الرئيس التونسي، يعمل ضد نفسه كما يعمل ضد تونس والشعب التونسي، وأضاف، “إصرار الرئيس التونسي على تنفيذ الخارطة السياسية التي وضعها خلال الأشهر الماضية رغم رفض المعارضة، يوحي بمزيد من التصعيد السياسي خلال الفترة القادمة، أعتقد أن الاحتجاجات سوف تتوسع كلما أصرّت السلطة على اتخاذ منهج الحل الأمني”.

من هنا يبدو أن سياسة الرئيس التونسي في التعامل مع المعارضة، زادت من قوتها، وقد أكد على ذلك رئيس حزب “العمل والإنجاز” عبد اللطيف المكي، عندما قال إن سعيّد لم ينجح في إضعاف المعارضة، بل بالعكس تماما، فقد زادها قوة من حيث الطرح السياسي، وأضاف في تصريحات نقلها موقع “العربي الجديد”، “ما خسرته المعارضة في توحّدها من حيث الوقت بسبب الاعتقالات، ستربحه لاحقا، لأن العدو مشترك ولا بد من التوحد لمقاومته”.

في ظل التوتر السياسي الذي تعيشه البلاد، يواجه “البرلمان” التونسي رفضا واسعا من قبل الشارع التونسي وأحزاب المعارضة، التي رفضت كثير منها الاعتراف بشرعية “البرلمان”، وهو الذي نتج عن انتخابات جاءت على مرحلتين خلال شهر كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين، وقد شهدت مشاركة ضعيفة من قبل الناخبين بنسبة لم تتجاوز 11.2 بالمئة للجولة الأولى و11.4 للجولة الثانية.

هناك رفض واسع في الأوساط السياسية التونسية لكل خطوة يعلن عنها سعيّد منذ إعلان إجراءاته الاستثنائية منتصف عام 2021، والتي شملت تعديلات دستورية على مراحل امتدت لأكثر من عام، حيث ترفض المعارضة الاعتراف بشرعية الإجراءات التنظيمية، التي اعتمدت على تعديلات سعيّد للدستور، وكان آخرها تنظيم انتخابات “البرلمان”، التي جرت بموجب التعديلات الجديدة الصادرة منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بدلا من القانون الانتخابي لعام 2014.

ماذا ينتظر تونس؟

أزمة “البرلمان” التونسي، بدأت عندما أقر الرئيس قيس سعيّد للتعديلات الدستورية، والتي أفضلت إلى أن النواب الجدد في “البرلمان” سيمارسون صلاحيات محدودة، فبعد أن كان “البرلمان” السابق يتمتع بقوة عرض مشاريع القوانين وفقا لدستور 2014، سيفقد البرلمان الجديد هذه الصلاحية بعد أن استولى عليها الرئيس الذي اكتسب حق عرض مشاريع القوانين مع أولوية النظر فيها، في حين أصبح للنواب حق عرض مقترحات القوانين بشرط أن تكون مقدمة من 10 نواب. 

وبذلك غاب دور “البرلمان” وتقلصت صلاحياته بشكل كبير، إذ يؤكد محللون تونسيون أن “البرلمان” “تحول إلى عبد مأمور لا صلاحيات له إلا تنفيذ أوامر الرئيس”، كذلك فإن التعديلات الدستورية الأخيرة منحت سعيّد حق تعيين وزراء الحكومة ورئيسها، وبالتالي رسم جميع توجهاتها وسياساتها العامة”، ما يعني بالضرورة غياب التشاركية في السلطة.

الاحتجاج الشعبي ضد السلطة التونسية لا يقتصر فقط على الجانب السياسي، فهناك حالة من عدم الرضا على طريقة إدارة البلاد من الناحية الاقتصادية، وقد تصاعدت حدتها منذ إعلان سعيّد عن الموازنة التونسية مطلع العام الماضي، ومحاولة سد العجز عبر فرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في الأوساط التونسية.

إصرار الرئيس التونسي على السياسة الأمنية في التعامل مع معارضيه، يبدو أنه سيؤدي بتونس نحو المجهول، في وقت يخشى فيه مراقبون أن تتصاعد وتيرة المواجهة بين السلطة والشعب التونسي، خاصة مع استمرار الاحتجاجات في الشوارع، وتجاهل السلطة التونسية لجميع المطالب الشعبية، ما يعني دخول الرئيس سعيّد منعرجا جديدا في إطار محاولاته إسكات الأصوات المعارضة له.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.