ضبابي هو المشهد السياسي بالكويت، في ظل الصراع المستمر لعقود بين الحكومة الكويتية وأعضاء مجلس “الأمة” الكويتي (البرلمان)، مع عجز السلطة الكويتية عن إيجاد آلية تفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فتلجأ عند كل خلاف بينهما إلى حلّ أحدهما واللجوء إلى تجديد الوجوه، بدون الوصول إلى حلول جذرية.

أواخر شهر أيلول/سبتمبر الماضي، تم انتخاب أعضاء جدد لمجلس “الأمة” الكويتي، وذلك بعد إعلان  ولي العهد الكويتي، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في حزيران/يونيو 2022، حلّ مجلس “الأمة” والدعوة إلى انتخابات عامة، وقد رأى البعض أن قرار حلّ المجلس مخرج لانسداد سياسي واضح بين الحكومة من جهة والمجلس من جهة أخرى، لكن قرارا من قبل المحكمة الدستورية العليا في الكويت فاجأ الأوساط السياسية في البلاد، والذي نص على بطلان الانتخابات الأخيرة.

حكم “المحكمة الدستورية” في الكويت الذي تم إصداره الأحد الفائت، وينص على بطلان انتخابات مجلس “الأمة”، وعودة المجلس المنحل لممارسة صلاحياته التشريعية، يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل المشهد السياسي في البلاد، وفيما إذا سيكون الحكم سببا في دخول البلاد في أزمة جديدة بين الحكومة ومجلس “الأمة”.

ماذا يحدث؟

ما يحصل في مجلس “الأمة” الكويتي، وصفه متابعون أنه “عبث في الديمقراطية”، خاصة وأن حلّ المجلس وإبطال الانتخابات يحصل بقرارات أشبه فردية وارتجالية، في حين أن أصحاب هذه القرارات يرون أن قراراتهم تأتي لإنهاء حالات الانسداد السياسي التي تدخل بها البلاد، عند أي خلاف متصاعد بين المجلس والحكومة.

عودة مجلس “الأمة” لممارسة صلاحياته التشريعية ستكون على ما يبدو بشكل مؤقت، فقد طالب رئيس المجلس مرزوق غانم، في تصريحات نقلها موقع “القدس العربي”، بانتخابات جديدة، وقال “لا يخفى على أحد حالة الإحباط لدى قطاع كبير من أبناء الشعب الكويتي، إذ تغيرت المجالس وتغيرت الحكومات، ولا نزال في نفس الدوامة والحلقة المفرغة”.

قد يهمك: تصعيد جزائري ضد المغرب.. القطيعة إلى نقطة اللاعودة؟

مجلس غانم الذي عاد بقرار المحكمة الدستورية، كان قد انتخب في عام 2020، وتم حله في أزمة وصفت بـ”العنيفة” مع الحكومة منتصف العام الماضي  بين نواب المعارضة والحكومة، حيث تعيش الكويت منذ ذلك الوقت تصاعدا في حدة الخلافات بين الحكومة والمجلس وصلت إلى ذروتها مطلع العام الجاري.

رئيس مركز “مدارك للاستشارات السياسية والاستراتيجية” أنور الرشيد، رأى أن هناك جهات من السلطة ومن سماهم “تجار الدين”، يسعون منذ عقود لاستهداف الديمقراطية وإظهارها على أنها المسبب في المشاكل السياسية في الكويت، مشيرا إلى أن حل برلمان وإعادة آخر ما هو إلا جزء من سيناريوهات تسعى السلطة ورموز الفساد لتحقيقها لضرب مبادئ الديمقراطية في البلاد.

الديمقراطية مستهدفة؟

الرشيد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الديمقراطية في الكويت مستهدفة منذ عقود، من قبل رموز الفساد والسلطة وتجار الدين، هذا الثلاثي المتحالف ضد الديمقراطية الكويتية هم من يختلقون كافة الأزمات، وما حصل مؤخرا هو في الحقيقة امتداد لما حصل في السابق منذ تزوير انتخابات عام 1967 مرورا بتعليق الحياة الديمقراطية عامي 1976 و1986”.

برأي الرشيد فإن قرار “المحكمة الدستورية” إعادة المجلس الذي تم حله سابقا، هو سيناريو تسعى من خلاله السلطة القول للشعب الكويتي، أن الديمقراطية جزء من مشكلة الانسداد السياسي، التي تواجه الكويت باستمرار، وأضاف قائلا “هذا غير صحيح بالطبع، الأزمة تختلقها السلطة مع رموز الفساد”.

قرار “المحكمة الدستورية” ليس الأول من نوعه في تاريخ البلاد، فقد أبطلت المحكمة عام 2012  انتخابات مجلس “الأمة” الذي سيطرت عليه تيارات من المعارضة في ذلك الوقت، وأعادت المجلس الذي حلّه أمير الكويت السابق، صباح الأحمد الصباح، بعد توتّر العلاقة بين الحكومة والمجلس، وبالطبع هذا الحل المتكرر وتدخل السلطة في تعيين وحل المجلس، أفقد ثقة شريحة واسعة من الشعب الكويتي بجدوى الانتخابات واختيار الشعب لأعضاء المجلس.

فالحكومة التي هي أحد طرفي الصراع، يعينها أمير البلاد أو ولي عهده، أما المجلس الذي ينتخبه الشعب الكويتي، فأيضا يستطيع الأمير حله إذا رأى أن ذلك القرار فيه مصلحة للكويت، بالتالي بشكل أو بآخر تسيطر السلطة الحاكمة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد شهدت الكويت حلّ عشرة مجالس من أصل 16 مجلسا عايشها الكويتيون منذ المجلس التأسيسي الذي انتخب عام 1962.

هل من تحرك جدّي من قبل السلطة؟

ولا يبدو أن سياسة حل المجالس التي اتبعتها السلطة أفضت إلى أية نتائج إيجابية، في الصراع الدائر بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بل إن البعض يقول إن الحل المتكرر للمجلس ساهم في زيادة المشاكل بين أعضاء المجلس نفسهم والتي تظهر في كل مرة يتم فيها انتخاب أعضاء جدد لمجلس “الأمة”.

لا أحد يفهم جدوى إعادة مجلس “الأمة” السابق، وحتى “المحكمة الدستورية” لم تشرح أسباب هذا القرار، الذي لا يبدو أنه جاء في ظل تغيير في مسببات الأزمة الأساسية، فالحكومة الحالية برئاسة أحمد نواف الصباح، هي ذاتها التي تم حل المجلس في عهدها، ما يعني أن الخلافات بين الجانبين مرجحة للعودة بقوة خلال الفترة القادمة، فهل تملك السلطة فعلا شيفرة حل هذه الأزمات.

محللون كويتيون أكدوا أن عودة المجلس السابق، لن تساهم في حل الأزمة القديمة بين الحكومة والمجلس، نظرا للصدامات التاريخية التي عرفتها العلاقة الثنائية، فضلا عن وجود العديد من الملفات الحالية العالقة بين الجانبين وتحتاج إلى توافق، كذلك فإن عدم انسجام رئيس الحكومة مع معظم أعضاء “الأمة”، سيكون سببا ربما في تجدّد الصراع بين الجانبين خلال الفترة القادمة، ما يعني دخول المشهد السياسي في حالة انسداد جديدة.

آخر خلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كان قد بدأ أواخر العام الفائت، وذلك بعد رفع مجلس “الأمة” الكويتي، مطالب تتعلق بتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الكويتيين، لا سيما فيما يخص “إسقاط القروض”، حيث ترى الحكومة أن قانون شراء القروض الاستهلاكية والمقسّطة من بعض المواطنين، “إخلالا بمبدأ العدالة والمساواة”، علما أن قيمة القروض تبلغ أكثر من 14 مليار دينار كويتي “نحو 46 مليار دولار أميركي”.

الجدير بالذكر، أن المادة 107 من الدستور الكويتي، تنص على أن لأمير البلاد، أن يحل “مجلس الأمة” بمرسوم تُبيّن فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس للأسباب ذاتها مرة أخرى، وإذا تم حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، وإن لم تجرِ الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد.

المادة المذكورة سمحت لأمير البلاد، بالتدخل في كل مرة تشهد فيه البلاد خلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بسبب الاختلاف بين التيارات السياسية على ملفات عدة، والتي أفضلت في بعض الأحيان إلى استجواب وزراء، حيث يقوم الأمير بالتدخل وحل المجلس أو حل الحكومة.

لا يبدو أن هناك مساعي جدّية من قبل السلطة لإنهاء ظاهرة حلّ المجالس في البلاد، فمن الواضح أن السلطة تتجه عند كل أزمة سياسية إلى الحل الأسهل وهو حلّ المجلس وانتخاب أعضاء جدد، فيما يوحي باستمرار الكويت في متاهة ضياع البوصلة السياسية، التي تضمن علاقة صحية بين السلطة التنفيذية والتشريعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.