شراء الحلويات في شهر رمضان يُعتبر من أبرز الطقوس في العديد من الدول ومنها سوريا، إلا أنه وخلال هذا العام بالتحديد يبدو أن هذا الطقس بات بعيد المنال عن متناول الكثير من السوريين.

بالرغم من تفاوت أنواع وجودة الحلويات إلا أن أسعارها فاقت كل التوقعات في هذا الشهر الفضيل، بل وأصبحت مثل “نكتة” بالنسبة للبعض. ففي تصريح سابق لرئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق عبد العزيز معقالي، قال إن أسعار الحلويات ارتفعت بنسبة 100 بالمئة وهذا ما دفع بفئة كبيرة من المواطنين لاستبدال الحلويات بالأنواع الرخيصة، مثل “المعروك والخبز الرمضاني”، وإن كانت أسعارها مرتفعة مقارنة برواتب ومداخيل المواطنين.

المعروك ارتفع للضعف

أسعار مأكولات رمضان، ومنها الحلويات الرمضانية، التي كانت تتصدر موائد الإفطار، ارتفعت بشكل غير مسبوق حتى بات العديد من المواطنين يشترونها بالقطعة إن أمكن ذلك، والبعض الآخر حُرم منها لعدم قدرته المادية على الشراء، بحسب العديد من المصادر المحلية.

المعروك الحلويات في سوريا

هذا وتضاف المعجنات “المعروك والخبز الرمضاني” إلى قائمة المقنّنات الرمضانية مع الارتفاع الكبير في الأسعار خلال شهر الصيام الجاري، وسط تفاوت في الإقبال على الأنواع المحشوة بالتمور والمربيات لتضاعف أسعارها بنحو وصل إلى أكثر من 10 أضعاف عن السنوات السابقة، وفق ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، يوم الإثنين الماضي.

بالنسبة إلى المواطنين فإن الترفيه بأنواع المعجنات بعد وجبة الإفطار بات غير مألوف ويُعد من الأمور الثانوية التي غيّبها ذوو الدخل المحدود عن سفرة النقرشات بعد “ابتلال العروق” عقب أذان المغرب، مشيرين إلى أن هذه الكماليات في شهر الصيام لم تعُد تعرف طريقها إلى منازلهم.

قد يهمك: اتهامات لـ”تجارة دمشق” بتهيئة مناخ رفع الأسعار.. زيادة الرواتب لمليون ليرة السبب؟ – الحل نت 

بالنظر إلى وصول سعر القطعة الواحدة من معروك التمر إلى 8 آلاف ليرة وهي كافية لشخصين على الأكثر فقط لا غير، على حين أن القطعة الكبيرة يتراوح سعرها بين 20 – 25 ألفا علما أنها محشوة بتمر من النوع الجيد، فإن هذا يعادل ربع راتب الموظف السوري، فكيف له أن يشتري بهذا السعر.

إقبال ضعيف!

أمين سر جمعية الحلويات والمعجنات في اللاذقية باسم حاج ياسين، برّر للصحيفة المحلية أن سبب ارتفاع أسعار المعروك يعود لارتفاع تكاليف الإنتاج مع غلاء المواد الأولية بشكل عام، لافتا إلى أن الإقبال ضعيف هذا العام على شراء معجنات رمضان، وأن نسبة الشراء انخفضت بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من رمضان 2022 وذلك بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعار هذه الأنواع في السوق المحلية عموما.

وفق ما ذكره ياسين، فإن تكلفة قرص المعروك قياس وسط تتراوح بين 28 – 30 سنتيمتر يعادل 5500 ليرة ويباع بنحو 6 – 8 آلاف ليرة مع هامش ربح بسيط تم تخفيضه من 20 – 17 بالمئة توزع على 3 أقسام، بدءا من المُنتج 10 بالمئة وأصبح 7 بالمئة إلى الناقل وبائع المفرق، ولكل منهما ربح 5 بالمئة، إضافة إلى تكاليف أجور خدمية وأجور اليد العاملة، مشيرا إلى أنه تم تخفيض نسبة مصنعي المعجنات حتى “يمشي السوق”، على حدّ وصفه.

أمين سر جمعية الحلويات، قال أيضا إن سعر قرص المعروك 45 سنتيمترا حسب الحشوة، 8 – 10 آلاف ليرة سورية، والقرص الكبير بوزن الكيلو غرام يصل سعره إلى 12 ألف ليرة، وهامش الربح فيه نحو 2 ألف ليرة، علما أن هناك طريقة بيع جديدة في المعروك إذ تم تقطيع الأقراص الكبيرة إلى أقراص صغيرة جدا يتراوح سعر القطعة منها بين 800 – ألف ليرة وهي أصغرها والأكثر مبيعا.

أما أسعار الحلويات فقد سجلت أرقاما قياسية مع بداية شهر رمضان، حيث وصل سعر كيلو النمورة إلى 70 ألف ليرة، وسط ظروف اقتصادية سيئة فرضت تغييرات جمّة على معظم عادات وطقوس السوريين، وبات العديد من الناس يفضلون صنع الحلويات في المنزل عوضا عن شرائها من السوق، إذ إن ارتفاع الأسعار هذا العام لا يتناسب مع دخل المواطنين نهائيا، وفق العديد من التقارير المحلية.

بعض الأهالي يقولون في ظل هذا الغلاء، بأنهم غير قادرين على شراء الحلويات وباتوا يقتصرون في شرائهم على المعروك ولمرة واحدة فقط في رمضان وليس كل يوم. نسبة كبيرة من السوريين أحجموا عن شراء الحلويات، مثل “الهريسة والنّمورة والبقلاوة وغيرها” في رمضان والاكتفاء بالمعروك أو بتحضير حلويات ولو بكميات قليلة وبمكونات رخيصة، حيث بات شراء الضروريات الأساسية من المواد الغذائية أهم من أي شيء آخر بالنسبة لهم.

ترك المهنة

ياسين، ذكر أن سعر المعروك قبل سنوات عديدة كان لا يتجاوز 40 ليرة سورية، للقرص الكبير المحشو بالتمر الجيد، والقرص غير المحشو كان يباع بـ 20 ليرة، واليوم أقلّها حشوة يباع بـ 8 آلاف ليرة سورية، قائلا إن كل الأسعار تضاعفت مقارنة بفترة ما قبل الحرب إلا أن المفارقة أن تزيد تكاليف الإنتاج من هذا العام مقارنة بالعام المنصرم، إذ ارتفع سعر التمر نحو 3 أضعاف، فقد كان يُباع بـ 5200 ليرة للكيلو الواحد، ليصبح اليوم بـ 12 ألفا وهو النوع “المعجون” الذي نستعمله بالحشوة المعروكية.

سعر كيلو الطحين كان العام الماضي بـ 4 آلاف ليرة، واليوم بـ 6500 ليرة بالجملة، وكذلك السكر وأكياس النايلون التي ارتفعت من 8500 إلى 12 ألف ليرة للربطة الواحدة، وكيلو الورق كان قبل أشهر قليلة يباع بـ 7500 ليرة صار واليوم بـ 18500 ليرة،  فضلا عن أن بعض المواد الداخلة في الإنتاج ارتفعت 70 بالمئة عن العام الماضي.

أما المعمول بالفستق الحلبي فيتجاوز سعره الـ 120 ألف ليرة سورية، وعزا البعض إلى ارتفاع سعر الفستق الحلبي الذي يتجاوز 80 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، بجانب غلاء السمن النباتي والعربي فأقل من كيلو تتجاوز جملته 80 ألف ليرة، وسعر جرة الغاز 300 ألف ليرة وأكثر، فضلا عن الضريبة التي يتم احتسابها بشكل عشوائي من قبل لجان المراقبة والتموين، فهناك بعض المحلات تصل ضريبته إلى أكثر من 60 مليون ليرة وفاتورة الكهرباء إلى 400 ألف ليرة.

ثمة حرفيين تركوا المهنة بسبب عدم القدرة على الإنتاج خاصة مع عدم توفير الغاز عبر الرخصة الحرفية، ونسبتهم زهاء 10 بالمئة من إجمالي المنتسبين للجمعية وعددهم حاليا 439 حرفيا “حلونجي”. كذلك أصبح شراء الحلويات ذات النوعية الجيدة والمرتفعة مقتصرا على الطبقة المخملية وللتصدير بنسبة كبيرة، وفق نفس المصدر.

لطالما كانت الطبقة الوسطى في المجتمع السوري هي الطبقة الأهم والأوسع والتي كانت تسبب استقرارا اقتصاديا واجتماعيا، و تعتبر عادة المحرك الأهم لعجلة أي اقتصاد، ولكنها بدأت بالتلاشي شيئا فشيئا خلال سنوات الماضية.

صحف محلية في وقت سابق نقلت عن خبراء اقتصاديين قولهم، أن نسبة الطبقة الوسطى من المجتمع بلغت 1 بالمئة، بينما بلغت نسبة الثراء الفاحش نحو 3 بالمئة وهم من فئة “الحيتان” أي تجار الحرب والذين استغلوا سنوات الحرب وصعدوا على أكتاف المواطنين وبتقاعس مع المسؤولين الفاسدينَ بالحكومة السورية.

هذا بالإضافة إلى الطبقة الغنية إلى حدّ ما وهي نحو 10 بالمئة ومعظمهم من فئة الأطباء والمهندسين والتجار المخضرمين، بينما تعتبر بقية النسبة وهي 85 بالمئة من الفقراء وهم من فئة الموظفين الحكوميين الذين يعملون في أعمال عادية. نتيجة للغلاء المعيشي والذي تتسع فجوته يوما بعد يوم، واستمرار فقدان الأجور والرواتب، فضلا عن غياب أي رؤية للحكومة السورية في وضع حدا لهذا الغلاء، بات المواطن السوري يعاني الأمرين، وبالكاد يمر يومه بشق الأنفس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات