عمليات تهريب السلاح من إيران إلى “الحوثيين” في اليمن عبر سلطنة عُمان، ازدادت مؤخرا حيث باتت تشكل تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار في المنطقة، وتمثل تمويلا للإرهاب ودعما لـ”جماعة الحوثي” ذراع طهران في اليمن، والتي تشن هجمات مستمرة على الحكومة الشرعية اليمنية، إلى جانب العديد من الانتهاكات والتجاوزات التي تنفذها تجاه المدنيين بشكل متكرر.

إيران تُشكل تهديدا للأمن الإقليمي بتمويلها ودعمها للجماعات المتطرفة والإرهابية في الشرق الأوسط، بما في ذلك “الحوثيين” في اليمن. ويعد تهريب الأسلحة إليهم عبر عُمان انتهاكا للقوانين الدولية ويجب أن تتم معالجته بشكل جاد من قبل المجتمع الدولي، من خلال اتخاذ إجراءات حازمة لمنع طهران من دعم هذه الجماعات وتهريب الأسلحة إلى “الحوثيين”. وأن يكون هناك تعاون دولي فاعل لضمان إنهاء النزاع في اليمن وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

في هذا السياق، أعلنت السلطات الأمنية في محافظة المهرة شرق اليمن، في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، إحباط محاولة تهريب شحنة من الأسلحة، كانت موزعة في شاحنات تحمل بضائع تجارية قادمة من سلطنة عمان عبر منفذ شَحن الحدودي، بحسب السلطات الأمنية فأن الشحنة كانت تحوي على محركات صغيرة إيرانية الصنع، يتم استخدامها في صناعة الطائرات المسيرة، كانت في طريقها إلى ميليشيا “الحوثي” شمال البلاد.

تلك لم تكن عملية التهريب الأولى التي يتم إحباطها من قبل القوات الحكومية في المنطقة الحدودية مع سلطنة عمان، ففي 13 من آذار/مارس 2022 استطاعت سلطات الجمارك اليمنية في المهرة من ضبط 52 صاروخا نوع كورنيت الروسية المضادة للدبابات والمدرعات، كانت خارجة من منفذ شحن العماني، وتم إخطار الجانب العماني إلا أنه لم يعلق على الحادثة بحسب أمن المحافظة، بحسب ما نقله موقع “أخبار الآن”.

أسباب ونتائج

الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران واليمن ودول الخليج في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” مايكل نايتس يقول لـ “أخبار الآن” إن تهريب الأسلحة إلى ميليشيا “الحوثي” من عُمان يرجع لأسباب جيوسياسية واستراتيجية، حيث تُعتبر السلطنة منطقة عبور بين إيران واليمن، وذلك بسبب حدودها مع الدولتين.

أسلحة مهربة تم ضبطها من قبل الجيش الأميركي  - (الجيش الأميركي)
أسلحة مهربة تم ضبطها من قبل الجيش الأميركي – (الجيش الأميركي)

من جهتها عبرت الباحثة البارزة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة “أكسفورد” إليزابيث كيندال، عن مخاوفها من تهريب الأسلحة عبر عمان إلى مليشيات “الحوثي”، حيث تشير إلى إن هذه التصرفات تضر بمصالح الخليج، وكذلك فرص اليمن في تحقيق السلام، وتطيل معاناة اليمنيين جراء الصراع، وأن مثل هذه التصرفات تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، ودعت أيضا إلى ضغوط دولية لزيادة الرقابة ومنع عمليات تهريب الأسلحة.

قد يهمك: عُمان الدولة الأهدَأ في المنطقة.. ما الأسباب؟

عمليات تهريب الأسلحة من جهة الأراضي العمانية إلى “جماعة الحوثيين” في اليمن، ساعدتها عوامل كثيرة منها إن عُمان فتحت ذراعيها لكافة أطراف الصراع الداخلي في اليمن، حيث استغل “الحوثيين” ذلك، وأيضا وجود حلفاء محليين وداخليين في عُمان لـ”جماعة الحوثي” ساعدوا في تيسير تدفق هذه الأسلحة، لاسيما أن وفد “الحوثي” في المفاوضات يقيم على نحو دائما في مسقط، بحسب حديث الخبير العسكري اليمني علي الذهب، لـ”الحل نت.

في نفس الوقت يرى الذهب بأن سلطنة عُمان في الوقت الحالي لا ترغب أن تضييق الخناق أو تضع قيودا ما على تحرك المواليين لجماعة “الحوثي” أو من يعبرون عن تأييدها بشكل رسمي داخل الأراضي العمانية لأسباب تتعلق بمصالحها، وأيضا بحضورها داخل اليمن، ويؤكد بأن مسألة التهريب لا تأخذ طابعا رسميا عمانيا بقدر ماهي مرتبطة بكيانات محلية مع الجماعة “الحوثية”. فليس هناك ارتباط سياسي في علمية التهريب بقدر ماهي عملية تجارية غير مشروعة، وفق تعبيره

ميليشيا “الحوثي” وطريق الصحراء

الحدود المشتركة بين عُمان واليمن في محافظة المهرة هي أحد المنافذ التي تتسلل منها شحنات الأسلحة أو التقنيات العسكرية المختلفة سواء كانت هذه التقنيات قطع الغيار للأسلحة أو أسلحة من نوع خاص وفق الذهب. لكن هذا المنفذ ليس المنفذ الوحيد فهناك الأراضي اليمنية المفتوحة في المحافظات الجنوبية، وأيضا الساحل الغربي الذي تسيطر على جزأ كبير منه “جماعة الحوثي”. ويوضح بأن التهريب عبر الحدود العمانية قد يكون تهريب عبر المنافذ نفسها بطريقة الإخفاء والتمويه عبر الشحنات أو تكون أيضا عبر المناطق الصحراوية أو الساحلية، أيضا.

الطريق الصحراوي شمال الجوف يعتبر ذو أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تستميت ميليشيا “الحوثي” للسيطرة عليه، وفق الذهب، بسبب موقعه الاستراتيجي الذي يربط بين محافظات عدة في شمال اليمن، ويشكل ممرا رئيسيا لحركة المرور والتجارة والتنقل بين هذه المناطق. لذلك، فإن السيطرة على هذا الطريق يمنح الميليشيا “الحوثية” سيطرة كاملة على هذه المناطق ويمكنها من خلالها التحكم في حركة التجارة والتنقل وتمويل نفسها من خلال فرض الرسوم والجبايات على المارة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن محافظة الجوف تحتوي على موارد طبيعية ثمينة مثل النفط والغاز والمعادن الأخرى، ولذلك فإن السيطرة على هذا الطريق يمكن أن تسمح لـ”الحوثيين” بالسيطرة على هذه الموارد واستغلالها في تمويل نفسهم وتمويل حركتهم بشكل أكبر، إلى جانب أن هذا الطريق يمثل أيضا رمزا للنضال القومي لـ”الحوثيين” ومحاولة لإعادة تأسيس دولة الجمهورية اليمنية الشمالية المنفصلة عن اليمن، من وجهة نظر المحلل العسكري علي الذهب.

من جهته يرى المحلل السياسي والصحفي اليمني محمد شجاع، بأن ميليشيا “الحوثي” تستميت في كل مكان وتحاول توسعة منافذها واستغلال كل الثغرات وهي تسخر قدرات كبيرة من الأموال التي تجنيها من الموارد من أجل شراء الذمم وبناء شبكة واسعة من المهربين عبر البحر الأحمر والحديدة وأيضا باب المندب وبحر العرب وطرق برية مختلفة “عدن تعز وشبوة البيضاء صنعاء وحضرموت المهرة”، والجوف وهي محافظة استراتيجية كونها تمثل قاع نفطي كبير إلى جانب حدودها مع المملكة العربية السعودية وهي قاعدة عسكرية متقدمة لها باتجاه الخليج العربي.

أحداث تدعمها الحقائق

في يوليو 2020، أصدرت منظمة أبحاث تسليح النزاعات “سي أي آر”، وهي منظمة مستقلة تحقق في الاتجار غير المشروع بالأسلحة التقليدية، تقريرا عن مصدر الأسلحة التي تستخدمها ميليشيا “الحوثي”. وحدد التقرير أسلحة إيرانية الصنع تم تهريبها إلى اليمن عبر عمان، وشمل ذلك طائرات بدون طيار متقدمة وبنادق قنص وذخيرة أخرى، كما سلط التقرير الضوء على أنه من المحتمل أن تكون هذه الأسلحة قد تم توفيرها لميليشيا “الحوثي” بمعرفة ودعم السلطات العمانية، لتأتي عملية ضبط الجمارك اليمنية للمحركات التي تستخدم في صناعة الطائرات المسيرة في كانون الثاني/يناير الماضي لتُثبت ذلك، وفق “أخبار الآن”.

“فريق الخبراء” التابع للأمم المتحدة المعني باليمن كان قد أصدر في كانون الأول/ديسمبر 2019، تقريرا يفصل نتائج تحقيقه في النقل غير المشروع للأسلحة إلى مليشيا “الحوثي”، وحدد التقرير عدة حالات لتهريب أسلحة تم نقلها وتهريبها من خلال الأراضي العمانية، وأوضحت أن مليشيا “الحوثي” تلقت أسلحة متطورة من بينها صواريخ موجهة مضادة للدبابات وأسلحة متطورة أخرى لم تكن بحوزتها من قبل، وذكر التقرير أيضا أن هذه الأسلحة من المحتمل أن تكون مصدرها إيران ثم نُقلت إلى مليشيا “الحوثي” عبر عمان، من بين طرق أخرى.

اقرأ أيضا: بين تصعيد “الحوثي” والجهود الدولية بشأن الهدنة اليمنية.. نشوب حرب جديدة؟

التقرير شدد أيضا على تكثيف جهود مكافحة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين عبر الطرق البحرية أيضا، وأوصى أعضاء مجلس الأمن بإجراء التحقيقات حسب الأصول في الحالات التي ضبطتها القوات البحرية وقوات خفر السواحل الدولية في المياه الدولية، حتى يتسنى أن تقدم الجناة إلى العدالة.

 التقرير يوضح أيضا بأن نمط إمداد الحوثيين بالأسلحة عبر هذه الطرق ظل في 2022 دون تغيير كبير، إذ تم تهريب غالبية الأسلحة والذخائر والمواد ذات الصلة باستخدام السفن الشراعية التقليدية وقوارب أصغر حجماً في بحر العرب، حيث يحقق الفريق في 7 حالات جديدة للتهريب البحري، يشمل بعضها الاتجار بالأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية التي يمكن أن تُستخدم لصنع المتفجرات وعنصر مؤكسد في صنع الوقود الصلب.

إجراءات لازمة

سلطنة عُمان تعاني منذ فترة طويلة من تهريب الأسلحة والمخدرات والمواد المهربة عبر حدودها مع اليمن وهو أمر يتم تنفيذه بشكل رئيسي عن طريق الشبكات الموالية لـ”الحوثيين”، ولوضع حد نهائي لهذه الظاهرة، تحتاج عُمان إلى جهود متعددة المجالات والمستويات، ومن بين الجهود التي يمكن اتخاذها، وفق الذهب، تعزيز الرقابة على الحدود، لأن الرقابة الفعالة على الحدود هي أحد الأساسيات الضرورية لمنع تهريب الأسلحة والمواد المهربة، وعليه يجب تعزيز جهود الحدود وتوفير المعدات اللازمة لتعزيز الرقابة.

أيضا يجب على عُمان تعزيز التعاون الأمني مع اليمن ودول المنطقة الأخرى، وذلك من خلال تبادل المعلومات والخبرات والمعدات الأمنية وتكثيف الجهود الأمنية المشتركة، يمكن لعُمان اللجوء إلى الجهود الدبلوماسية لحل هذه المشكلة، وذلك من خلال التحالف مع الدول الأخرى والمنظمات الإقليمية والدولية لضمان التعاون والتنسيق الدولي في هذا الصدد.

المحلل العسكري يرى بأن تحسين وتنمية المناطق الحدودية وتوفير فرص العمل والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المناطق، يحفز السكان المحليين على التعاون مع السلطات الأمنية وتقديم المعلومات عن أي نشاط تهريبي، الأمر الآخر أن يكون هناك تعاون مشترك بين البحرية العمانية والحكومة اليمنية وباقي القوات المتواجدة في بحر العرب من أجل قطع الخطوط على تهريب الأسلحة والمخدرات وأدوات الاتصالات وغيرها.

أخيرا، يرى مراقبون بأن حل مشكلة عمليات تهريب الأسلحة إلى “الحوثيين” عبر عُمان تحتاج إلى بذل جهودا متكاملة من عُمان واليمن والدول المجاورة والمنظمات الدولية للقضاء عليها، لأن استمرارها يؤدي إلى تأجيج الصراع وتصعيد التوتر بين الدول الإقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة