منذ سنوات عديدة، غابت فرحة العيد في عموم سوريا البلد المنكوب منذ أكثر من عقد، لا سيما الأزمة الاقتصادية الحادة التي تجتاح البلاد من جميع الجهات، ونالت من فرحة المناسبات والأعياد، نتيجة الأسعار المرتفعة الفاحشة وتدني مستوى الرواتب والأجور، مما جعل السكان يحتفلون بالأعياد بشكل خجول وبما يتناسب مع جيوبهم شبه الفارغة.

مع حلول عيد الفطر، ارتفعت جميع الأسعار بشكل مهول، ولا سيما تحضيرات العيد والملابس وما إلى ذلك، مما دفع المواطنين إلى شراء السلع الشعبية رخيصة الثمن سواء كانت سكاكر وحلويات العيد أو الألبسة، بينما امتنعت نسبة منهم عن الشراء أي من أدوات العيد في الأساس، ولا يزال شعار “عيد بأي حال عُدت يا عيد” المتداول فيما بينهم في كل سنة تقريبا.

تحضيرات العيد “خجولة”

“عيد بأي حال عدت يا عيد” لسان حال عدد من السوريين، فبعد أن مرت أيام شهر رمضان بموائد إفطار بسيطة لدى عدد من السوريين، إذ غابت الحلويات والمقبلات والأطباق الدسمة، فإن وضع العيد ليس بمنأى عن ذلك، فبحسب معظم الأُسر بلغ المعدل الوسطي لشراء ثياب العيد لأي طفل بين 200 إلى 250 ألفا ومن أسواق شعبية وبجودة متوسطة.

موقع “أثر برس” المحلي، استطلع آراء بعض الناس في الأسواق بالعاصمة دمشق، حيث تقول السيدة إيمان وهي أم لطفلين “الله يكون بعون اللي عندو عيلة كبيرة أنا ولدين حطيت 200 ألف لأني اشتريت بنطال جينز وكنزة لكل ولد ومن محلات الأسواق الشعبية والآن أبحث على حذاء لكل ولد وإذا ما كان رخيص بلاه”، وتضيف بلهجتها العامية “حتى لو ما اشترينا على عيد الفطر الثياب الجديدة إجا موسم الصيف والأطفال عم يكبروا يعني بدهم شي صيفي جديد على قياسهم، يعني بدنا نشتري ثياب الصيف وعلى الأغلب إذا استمر الغلاء هيك ما رح نشتري شي ولا بعيد الأضحى”.

في حين أم صالح وهي جدة لـ 7 أحفاد تقول بلهجتها العامية البسيطة لذات الموقع إن “ثياب جديدة ما اشترينا ومعمول ما ساوينا ومع هيك راح نقول عيدنا، بسمة الرضا هي العيد”، مضيفة “رح أعطي أحفادي عيدية صغيرة متل كل سنة حتى يشتروا أكلات طيبة واثقة إنو أحفادي راح يقدروا الوضع جيل واعي الله يبعتلهم أيام بيض”، بحسب التقرير الذي نُشر يوم أمس الثلاثاء.

بينما يقول بعض المواطنين الآخرين إن تبضّعهم للعيد كان خجولا ومقتصرا على الأطفال فقط، فيقول أحدهم “اشتريت لبنتي ذات السنة والنصف بنطال جينز بـ 30 ألفا وكنزة بـ 50 ألفا وبوط رياضة بـ 30 ألفا طلعنا بـ 110 ليرة، ورح اشتري لأخوها البالغ خمس سنين بنفس الأسعار”، متابعة “الحمد لله في محلات عاملة تخفيضات بضاعتها وسط لكن المهم الولد يفرح بقطعة ثياب جديدة للعيد الله يعين اللي عنده ولاد كثار أنا ولدين تعبت من مصروفن”.

المراقبون يرون أن الأسعار مرتفعة جدا هذا العيد مقارنة بالفائت، وبهذه الحالة ستخرج العديد من السلع من قائمة مشتريات السوريين مقارنة بمحدودية الرواتب والأجور، التي لا تتجاوز الـ 165 ألفا.

بالتالي العديد من السوريين إما يحتفلون بشكل خجول من تحضيرات العيد وأجوائه أو تخلّوا عن طقوس عيد الفطر بأكمله، ولا سيما المتضررين من الحرب والأزمة الاقتصادية بشكل مباشر، وتأكيدا على ذلك هو عزوف نسبة كبيرة منهم عن الشراء في شهر رمضان.

“العيد للصغار”!

نحو ذلك، يرى أبو كرم الذي يعمل مدّرسا بإحدى المدارس الخاصة، وهو يبتسم بأن العيد للأطفال فقط قائلا “والله حتى الذي يعمل بأكثر من مكان أو بالقطاع الخاص ما عم يلحق لأن الأسرة التي لديها ولدين أو ثلاثة على الأكثر تحتاج أكثر من مليونين بالشهر طبعا يكون عندها بيت ملك حتى تقدر تشتري، وبالنسبة لمصروف رمضان والآن العيد قرب نقول عايشين برحمة الله وربي يعين اللي ما عنده”.

من جهتها، الشابة راما ابنة الـ 22 عاما، تستغرب وتقول “مين قال العيد للصغار، ما في حدا ما بيفرح بالثياب الجديدة وبما إنو الفرجة ببلاش عم اتجول بين محلات الحمرا والصالحية وسط دمشق ومنها إلى الجسر الأبيض، بالتأكيد الأسعار نار وبدي مليون ليرة لأشتري شي بسيط لا يتعدى بنطال وبلوزة وحقيبة وحذاء، بس في محال كثيرة عاملة عروض حلوة ولكنها تبقى أقل من إمكانياتنا”.

فكرة أخرى يطرحها وسيم وهو أب لأربعة أطفال، ويضيف “دبرنا حالنا متل كل مرة واشترينا ثياب العيد بأبسط ما يكون يعني مو ضروري كله جديد.. في شي اشتريته من البالة اللي أسعارها ليس قليلة لكن تبقى القطعة أجنبية وتبقى القطعة وقت أطول تتحمل دعك كما يقال”، لافتا “كيف رح أتحمل زعل أولادي وحسرتهم لأني لا أستطيع إعطائهم عيدية توازي أسعار اللعب في المراجيح والملاهي بشكل عام أو حتى لشراء سندويش فلافل وعلبة كولا أو قطعة حلوى؟”.

مما لا شك فيه أن ثمة من يكتفي بشراء سكاكر العيد، وبعض التبّضع لأطفالهم، ولكن هذا لا يعني أنهم يحتفلون بالعيد بكامل تجليات تحضيراته، حيث زادت أسعار الملابس والسكاكر والحلويات والمكسرات بشكل يفوق قدرة معظم السوريين الشرائية، وبالتالي الإقبال على تحضيرات اقتصرت على الأنواع الشعبية من السلع والاكتفاء بشراء قطعة أو اثنتين فقط من الألبسة، بما يتناسب مع الظروف المعيشية لكل أسرى على حدى.

هذا ويقدّر سعر بوط الرياضة قرابة الـ 150 ألفا، والحذاء النسائي مثله، وثمة منتجات أغلى، والفستان البناتي أو طقم ولادي سعره يقارب الـ 200 ألف وأكثر في بعض المحلات، مع الإشارة أيضا إلى أن أسعار حلويات العيد ارتفعت بشكل قياسي يفوق قدرة الناس، حتى تكلفة صنعها في المنزل باتت ثقيلة عليهم نتيجة ارتفاع أسعار المستلزمات.

تحضيرات منزلية

في المقابل، نسبة كبيرة من السوريين عزفوا عن شراء حلويات العيد، ولجأوا إلى صنعها في المنزل ولكن بأدوات ومواد رخيصة الثمن، بهدف تخفيض التكلفة عليهم وإدخال الفرحة إلى قلوب أطفالهم، حيث باتت المعجنات و الـ “كعك” مكلفا جدا بالنسبة للكثير من العائلات.

بعض النساء يتجهن لتحضير حلويات العيد “المعمول والكليجة” ولو بكميات قليلة، أو استبدال الحشوة “الفستق” بأنواع أخرى مثل النارنج والراحة، بالإضافة إلى التمور ذات الجودة المتوسطة، فضلا عن استبدال السمن بالزيت النباتي وهو أرخص نسبيا، حيث توجد أنواع بـ 16 ألف ليرة للتر، علما أن الأنواع الجيدة تصل إلى 19 ألف ليرة، في حين يُقدر ثمن الكيلو الواحد من السمنة بأكثر من 75 ألف ليرة.

تقرير آخر لموقع “أثر برس” المحلي، أشار في وقت سابق إلى ارتفاع أسعار الحلويات بنسبة وصلت إلى مئة بالمئة مع اقتراب عيد الفطر، فالصنف الذي كان سعر الكيلو منه 100 ألف ليرة سورية، أصبح ثمنه 200 ألف، والسبب في الارتفاع هو دخول أصناف ومكسرات مثل الفستق الحلبي الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 225 ألف، إضافة إلى ارتفاع كلفة اليد العاملة.

بالنظر إلى أن معظم السوريين في الداخل يعيشون في ظروف اقتصادية مزرية، حيث يحتاج أغلبهم إلى المساعدة، ويعتمدون إما على الحوالات الخارجية أو العمل بوظيفتين أو سيكونون في مرمى الفقر الذي بات ينهش البلاد منذ سنوات طويلة، فإن فرص احتفالهم وتحضيراتهم للأعياد ومنهم عيد الفطر الذي يصادف بعد نحو يومين، سيقل عاما بعد عام، وسيقتصر على الهوامش فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات